يؤيد "الذئاب المنفردة".. ما دلالات تعيين سعودي زعيماً للقاعدة بجزيرة العرب؟
التغییر
بعد أسبوعين من إعلان أمريكي سابق أقر تنظيم "القاعدة في جزيرة العرب" بمقتل قائده "قاسم الريمي"، وأعلن تعيين السعودي خالد باطرفي خليفة له على رأس التنظيم المتطرف.
وفتح الإعلان الأمريكي، ومن بعده إقرار التنظيم، الباب واسعاً أمام تساؤلات من كل حدب وصوب حول مدى تأثير رحيل الريمي، وقدوم باطرفي، وهل سيؤثر سلباً أم إيجاباً على التنظيم، خاصة أن عملياته في منطقة تشتعل بالأحداث الساخنة.
وترتكز عمليات تنظيم القاعدة بجزيرة العرب في اليمن والجزيرة العربية، وتعرف هاتان الدولتان أحداثاً أمنية وعسكرية متسارعة، خاصة في الأعوام الخمسة الأخيرة، عندما قادت الرياض تحالفاً عسكرياً لشن حرب في اليمن بهدف إعادة هادي إلى الحكم، قبل أن تزداد الأمور تعقيداً، وتسير البلاد نحو انفصال بين الشمال والجنوب بدعم أبو ظبي.
التنظيم يعترف!
واعترف تنظيم القاعدة، الأحد (23 فبراير 2020)، بمقتل زعيمه الريمي في غارة أمريكية نفذتها طائرة من دون طيار في اليمن، فيما قالت وسائل إعلام يمنية، إن الرجل قتل في محافظة البيضاء، وكان برفقته قيادي مهم في التنظيم يدعى "أبو البراء الإبي".
ويُعد الريمي أول قائد عسكري للتنظيم، وقد عيّن زعيماً بعد مقتل سلفه ناصر الوحيشي في اليمن في ضربة أمريكية بواسطة طائرة من دون طيار في العام 2015.
بدوره نعى تسجيل صوتي نشرته مؤسسة "الملاحم"، الذراع الإعلامية للتنظيم، قاسم الريمي المكنى بـ"أبي هريرة"، قائلاً إنه "قضى نحبه في قصف صليبي أمريكي بطائرة بدون طيار".
وأضاف البيان أنه "تم الاتفاق على اختيار الشيخ خالد باطرفي أميراً على تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب خلفاً للأمير الريمي، وقد تمت مبايعته على ذلك".
وأشار البيان إلى أنه "تم أخذ رأي أكبر قدر ممكن من شورى الجماعة وأعيانها" على اختيار القائد الجديد بالرغم من "اشتداد الحرب الصليبية ضد الجماعة، وملاحقة طائرات العدو للمجاهدين، وتداعي الأعداء من كل حدب وصوب".
يأتي هذا الأقرار بعد أسبوعين من إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وتحديداً في 7 فبراير الجاري، مقتل الريمي خلال إحدى عمليات مكافحة الإرهاب التي نفذتها القوات الأمريكية في اليمن.
وقال ترامب في بيان: "مارس تنظيم القاعدة في جزيرة العرب تحت قيادة الريمي قدراً هائلاً من العنف ضد المدنيين في اليمن، وسعى لتنفيذ والإيعاز بتنفيذ هجمات عديدة ضد الولايات المتحدة وقواتنا".
مشيراً إلى أن "موته يزيد القاعدة في جزيرة العرب وتنظيم القاعدة العالمي ضعفاً، ويقربنا من القضاء على التهديدات التي تشكلها هذه الجماعات على أمننا القومي".
شرخ يلوح!
يقول مدير الأبحاث بمركز "أبعاد" للدراسات والبحوث، عدنان هاشم، إن تعيين باطرفي زعيماً للتنظيم يأتي "في مرحلة حساسة للقاعدة في ظل تعرضه لحالات إنهاك عظيمة خلال السنوات الماضية".
ويستبعد "هاشم"، وجود توافق بين أمراء التنظيم على تعيين باطرفي زعيماً، مشيراً إلى أن تعيينه "اعتمد على من تم التواصل معهم".
ويرجع الباحث اليمني ذلك إلى "وجود مشكلة في اتصالات تنظيم القاعدة بفعل المراقبة الكبيرة المفروضة من الولايات المتحدة".
وحول دلالات وجود سعودي على رأس تنظيم القاعدة، يقول عدنان هاشم إن "باطرفي سعودي من أصول يمنية، ويبدو واضحاً أن هناك محاولة لتعزيز التنظيم عبر شخصيته لزيادة شعبيته داخل مملكة آل سعود وزيادة تمويله من قبل مصادر التمويل التي معظمها سعودية".
ويرى مدير مركز الأبحاث اليمني أنه في كل الأحوال فإن وجود باطرفي "قد يحدث شرخاً داخل التنظيم المنهك".
وعزا ذلك إلى كون باطرفي "مسؤول ارتباط التنظيم بصفقات مشبوهة مع الإمارات للانسحاب من المكلا وبعض مناطق أبين جنوبي اليمن عام 2016 مقابل أسلحة وملايين الدولارات".
من هو باطرفي؟
يُلقب باطرفي بـ"أبو المقداد الكندي"، وقاد المتشددين في الفترة التي استغل فيها "تنظيم القاعدة" الفوضى باليمن واستولى على مناطق في الجنوب، وأشرف بشكل مباشر على الشبكة الإعلامية للتنظيم في اليمن.
كما تمكن باطرفي (45 عاماً) وعناصره المتشددون من السيطرة على محافظة أبين في 2011، ليصبح أميراً للتنظيم فيها، وأشرف على العديد من الهجمات ضد الحكومة اليمنية خلال عهد الرئيس الراحل علي عبد الله صالح.
وعمل منذ عام 2011 على استقطاب مئات الشبان إلى صفوف القاعدة، ودعا بشدة إلى تنفيذ هجمات عن طريق "الذئاب المنفردة".
وكانت الولايات المتحدة قد عرضت مكافأة تصل إلى 5 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عن باطرفي، لافتة إلى أنه دعا إلى شن هجمات ضدها وضد مصالحها الاقتصادية.
وألقت قوات الأمن اليمنية القبض عليه في محافظة تعز (مارس 2011)، قبل أن يهرب بعد احتجاز 4 سنوات، وتحديداً في أبريل 2015 من سجن المكلا المركزي في جنوب شرق البلاد، بعدما هاجم مسلحو التنظيم السجن واستطاعوا تهريب قرابة 270 سجيناً.
وجاء الهجوم في أوج معركة المكلا بين مسلحي التنظيم والقبائل المحلية بهدف السيطرة على المدينة التي تقع في محافظة حضرموت.
وخطف "باطرفي" الانتباه بعد صورة شهيرة له ظهر فيها وهو يقف بقدميه على العلم اليمني في أحد المقار الحكومية في المكلا التي استولى عليها التنظيم.
واسم باطرفي موضوع على قائمة "الإرهابيين العالميين"؛ إذ أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية إضافة اسمه إلى اللائحة، وقالت إنه "سيحرم من الحصول على الموارد التي يحتاجها أو الوصول إلى النظام المالي الأمريكي".
وبموجب أمر الوزارة فإن من "المحظور على الأمريكيين التعامل مع باطرفي"، وستكون جميع ممتلكاته أو مصالحه في الولايات المتحدة "محظورة".
وعرضت واشنطن مكافأة مالية تصل إلى 5 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عن باطرفي، لافتة إلى أنه دعا إلى شن هجمات ضدها وضد مصالحها الاقتصادية.
وأشاد باطرفي مرات عدة بإرهابيين هاجموا مصالح أمريكية، ودعا إلى تنفيذ أسلوب "الذئب المنفرد".
تنظيم القاعدة في جزيرة العرب
نشأ تنظيم القاعدة في جزيرة العرب إثر اندماج بين تنظيمي القاعدة بكل من الجزيرة العربية واليمن في بدايات عام 2009 بعد تشديد سلطات آل سعود ملاحقة عناصر التنظيم داخل أراضيها، مما دفع بهم إلى اللجوء إلى الأراضي اليمنية.
واستفاد التنظيم المتطرف من الوضع الأمني المتدهور في البلد وحرب أنصار الله في الشمال ومطالبة الحراك بالانفصال في الجنوب، وعزز نفوذه في جنوب وجنوب شرقي اليمن.
وتبنى تنظيم القاعدة في جزيرة العرب عدة هجمات خصوصاً الاعتداء الذي استهدف صحيفة "شارلي إيبدو" الساخرة في باريس في عام 2015، وأسفر عن مقتل 12 شخصاً.
ويُتهم التنظيم المتطرف بالتعاون مع الإمارات؛ إذ كشفت صحيفة إلكترونية يمنية، في يناير 2020، أن قوات أبوظبي الموجودة بحضرموت أفرجت عن عدد من عناصر تنظيم القاعدة، ينتمون إلى محافظة شبوة.
وهذه ليست المرة الأولى التي يُكشف فيها عن علاقة الإمارات بـ"القاعدة"، ففي 18 سبتمبر 2019، اتهم وزير يمنيٌّ أبوظبي بأنها على علاقة مع تنظيمي "القاعدة" و"داعش"، جنوبي اليمن.
كما خلص تحقيق لوكالة "أسوشييتد برس" الأمريكية، في أغسطس 2018، إلى أن انسحاب مقاتلي التنظيم تم في عديد من المرات دون قتال؛ مقابل أموال دفعتها الإمارات، بما يخالف ادعاء التحالف أنه ألحق هزائم حاسمة بتنظيم القاعدة في اليمن أفقدته معاقل أساسية له.
ويجمع المحللون على أن قدرات تنظيم القاعدة في جزيرة العرب كانت قد تراجعت قبل مقتل الريمي.
وتقول الباحثة المتخصصة في شؤون اليمن في جامعة أوكسفورد، إليزابيث كندال: إن "تنظيم القاعدة في جزيرة العرب في أدنى مستوياته منذ عشر سنوات، أقله لناحية هويته كمجموعة متجانسة ذات عقيدة دينية أساساً (...) وقد تبخّر حلمه في إقامة دولة إسلامية في اليمن".
وأضافت الباحثة أن التنظيم الذي كان "في ذروته في عامي 2015 و2016" حين "استفاد من الحرب للتجنيد والتمويل وتأسيس ولاية" في اليمن "يصارع اليوم للحفاظ على قسم من الأراضي" التي يهيمن عليها.
وتؤكد كندال وجود "مكافآت مالية بملايين الدولارات" لقاء القضاء على باطرفي وغيره من قادة التنظيم، وهو ما "يحد من هامش المناورة لديهم".
ارسال التعليق