ترامب في البيت الأبيض: ملامح العلاقة مع السعودية
عاد دونالد ترامب إلى البيت الأبيض حاصداً 295 صوتًا في المجمع الانتخابي متخطيًّا العدد المطلوب 270 صوتًا.
عودت ترامب كانت عودة "تاريخية" وسريعة في تاريخ الرئاسيات الأميركية، مقرونة بتغيرات في المزاج الشعبي الأميركي بعد 4 سنوات من حكم الحزب الديمقراطي. إذ ركز خطاب ترامب الرئاسي في الداخل على القضايا التي تهمّ الناخب الأميركي، وتحسين الأوضاع المعيشية، سيّما الوضع الاقتصادي، حتى وصل به الأمر لوصف الولايات المتحدة الأميركية في عهد جو بايدن بـ"المزبلة للعالم".
وقد تمكن ترامب من إقناع شريحة واسعة من الشباب بجدارته وخبرته التي تسمح بتوليه المنصب، بعد 4 سنوات من حكم "العجوز" وما فضحته اللقطات من حالة الرئيس بايدن الذهنية. وطبقاً لاستطلاع واسع أجرته وكالة "أسوشيتد برس"، فقد قوّضت الحرب القائمة في الشرق الأوسط آمال الديمقراطيين في حشد الدعم بين الناخبين الشباب، وهي فئة ديموغرافية ذات ميول ديمقراطية، إنّما معروفة أيضاً بأنها "متقلّبة". هذا ولم تتمكن المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس من اقناع الشباب بقدرتها على إدارة الملفات الصعبة فى المرحلة المقبلة وفى مقدمتها الملف الاقتصادي.
وبالإضافة إلى العامل الاقتصادي وأصوات الشباب يبدو جليا أن المجتمع الأميركي ثبّت مرة جديدة عدم ميل غالبية الأصوات الأميركية للتصويت لإمرأة، كما سبق وحدث مع هيلاري كلينتون.
على مستوى العلاقات الخارجية، في "السعودية" تحديدا، اختارت الرياض عام 2016 عن رضا وقناعة تخطي التجاوزات "المسيئة" للمرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية آنذاك، دونالد ترامب. وكذا الإغداق والمبالغة في مراسيم استقباله بعد توليه رئاسة البيت الأبيض خلال الزيارة الخارجية الأولى له، والبناء على ذلك.
ووافق محمد بن سلمان على الدفع ووقع "شيكا على بياض" لرجل الأعمال الثري الذي كان واضحا وصريحا في تقديم قراءته لعلاقة بلاده مع النظام السعودي واصفا إياها بـ"البقرة الحلوب".
اليوم، من الخطأ الاعتقاد بأن عقلية كلا الرجلان قد طرأ عليها متغيّرات تسمح بتبدل شكل العلاقة. ترامب مازال هو نفسه رجل الأعمال الذي رفع شعار "أميركا أولاً" وبن سلمان نفسه من يطمح بتحويل "السعودية" إلى نموذج شبيه بدبي، ولتحقيق حلم الأخير لا بدّ من الكثير من المال والتغطية والرضا الغربيين. والأخيرة لا تأتي، بطبيعة الحال، عبر تقديم تعهدات بالمضي قدما في مجال حقوق الإنسان في البلاد، ولا بمحاولات التهدئة والاتفاق مع إيران، بل على العكس من ذلك.
تحكم العلاقة بين ترامب وبن سلمان ثلاث ملفات:
أولاً، الاستثمارات والاقتصاد:
يعتبر ما يسمى "صندوق الثروة السيادية" السعوديِ المستثمر الرئيسي في شركة الاستثمار التي أنشأها جاريد كوشنر، صهر ترامب، بعد مغادرته منصبه كمستشارٍ لترامب. كما يمثّل دوري “لايف غولف”، المدعوم من الصندوق السيادي، مصدرًا رئيسيًا آخر للإيرادات الجديدة لعائلة ترامب. تجسِد هذه الاستثمارات توسّع علاقات ترامب مع النظام السعودي.
ومن الجانب الآخر، أعلن مطور عقاري سعودي عن اتفاق شراكة مع مجموعة ترامب لبناء برج شاهق في مدينة جدة الساحلية في يوليو 2024، ليكون أحدث مشروع تتولاه شركة الرئيس الأمريكيِ المنتخب دونالد ترامب في المنطقة الغنيةِ بالنّفط. يأتي هذا الإعلان بعد أسبوعين من توقيعِ “دار غلوبل”، الذراع الدوليِ لشركةِ “دار الأركان” السعودية للتطوير العقاريِ، اتفاقًا منفصلًا مع مجموعةِ ترامب لبناء برج شاهق في جدة.
على هذا النحو، قد يستمر النظام السعودي في الاغداق على الشركات الأميركية، حتى تلك الخاسرة منها. ففي أحدث تقارير أفادت بأن شركة الأسهم الخاصة التي يديرها كوشنر، والمعروفة باسم “أفينيتي بارتنرز”، تلقت ما لا يقل عن 112 مليون دولار كرسوم من “السعودية” ومستثمرين أجانب آخرين، دون تحقيق أي أرباح ملموسة لهذه الحكومات حتى تموز/ يوليو من هذا العام.
ثانياً، ضبط السعودية لعلاقاتها الخارجية:
مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، قد يقدم محمد بن سلمان إلى تقييم علاقاته مع كل من الصين وإيران، ربطا بخطاب ترامب وممارسته خلال الأعوام الأربعة التي حكم خلالها.
حيث أن الرياض وخلال فترة حكم جو بايدن كانت قد اتبعت سياسات تقارب مع الجانبين المذكورين، فوقعت مع بكين، في 20 نوفمبر 2023، اتفاقية لتبادل العملات لمدة 3 سنوات، بالإضافة إلى أكثر من 60 مذكرة تفاهم واتفاقية استثمارية تتجاوز قيمتها الإجمالية 26.5 مليار دولار خلال فعاليات مؤتمر الاستثمار الصيني السعودي، هذا من جهة. ومن جهة أخرى تبنى ترامب سياسة الضغط الأقصى على الجمهورية الإسلامية في إيران وصدّق على قرار اغتيال القائد قاسم سليماني .
مع عودة ترامب إلى سدّة الحكم، قد نشهد "ركلجة" سعودية لسياسات التقارب المزعومة مع دول المنطقة والصين.
ثالثاً، التطبيع مع إسرائيل:
في فترة حكم ترامب، لا بد من التركيز على كونه "طبّاخ" ما سمي بالاتفاقات الإبراهيمية، والاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الإسرائيلية إلى القدس الشرقية. وبالتالي، إن الحديث عن وصول ترامب إلى سدّة الرئاسة لا يعني بالضرورة إيقاف حرب الإبادة المستمرة منذ أكثر من عام في قطاع غزة والوصول إلى وقف إطلاق النار في لبنان.
من الممكن أن تشهد العلاقات الأميركية الإسرائيلية مرحلة انتعاش بعد سيطرة الحزب الجمهوري على الكونغرس الأميركي ومجلس الشيوخ، يسعى من خلالها ترامب إلى تسريع عملية التطبيع بين النظام السعودي وإسرائيل مع تجّنب الخوض بحل الدولتين، وهو الذي امتنع في مناظرةٍ رِئاسيةٍ أجريت في 1 يونيو 2023 عن التأكيدِ على دعمه لإقامة دولة فلسطينية مستقلة.
ختاما، لن يؤول ترامب أي جهد للظفر بـ"عطاءات" محمد بن سلمان المالية من جيب الشعب، وذلك من بوابة تعزيزِ التعاونِ مع الرياض في مجالاتِ الدفاعِ والاقتصادِ والابتعاد عن البحث في أي أمور وملفات حقوقية وسياسية داخلية.
ارسال التعليق