النظام السعودي... بين إعلامه المتصهين.. وبين تظاهره بالحياد في معركة الأمة مع العدو الصهيوني في فلسطين ولبنان!!
[عبد العزيز المكي]
بعد تقرير قناة ام بي سي السعودية في العراق المسيء للمقاومة في فلسطين وفي لبنان ورموزها وقادتها الشهداء والأحياء ووصفهم "بالإرهاب" ووصف العمل المقاوم والتصدي للهمجية والإبادة الصهيونية في غزة ولبنان بالإرهاب!! وبعد الغضب العارم في الشارع العراقي من إساءات تلك القناة واقتحام مكاتبها هناك من بعض المتظاهرين من الشباب العراقي الأمر الذي دفع بالحكومة العراقية الى سد هذه القناة في العراق... بعد كل هذه التطورات وغيرها.. أعلنت الهيئة العامة لتنظيم الإعلام السعودية إحالة مسؤولين بإحدى القنوات التلفزيونية إلى التحقيق بسبب تقرير إخباري زعم النظام انه مخالف للأنظمة والسياسة الإعلامية للمملكة !! وزعمت الهيئة أنها أحالت مسؤولين بإحدى القنوات التلفزيونية للتحقيق، لاستكمال الإجراءات النظامية تجاه هذه المخالفة وزعمت الهيئة أيضا أنها تتابع باستمرار مدى التزام وسائل الإعلام بالأنظمة الإعلامية للمملكة وضوابط المحتوى، ولن تتهاون في تطبيق النظام تجاه وسيلة إعلامية، على حد زعم الهيئة السعودية لتنظيم الإعلام!
واللافت أن هذا الإجراء، أو تلك الخطوة، وإن اعتبرها البعض خطوة جيدة تحسب لقيادة المملكة إلا أنها جاءت عمومية جدا حتى أنها لم تذكر اسم القناة، ولم تذكر المسؤولين فيها عن الإساءة ! أو الإشارة على الأقل بمعاقبة معد التقرير، الذي بالتأكيد لديه تعليمات مسبقة بتبني هذه المواقف والنعوت المسيئة لرموز المقاومة ولعملها البطولي المقام، ولذلك نرى كما يرى أكثر المراقبين والمتابعين، أن الخطوة السعودية الآنفة لم تكن سوى بالون إعلامي لرفع العتب، ولتحقيق الأهداف التالية:
1- محاولة تصوير ما قامت به قناة الأم بي سي / فرع / العراق، على انه تصرف شخصاني، ومخالفة فردية للخط الإعلامي أو لاستراتيجية النظام السعودي، للتخلص من الفضيحة أمام الرأي العام الإسلامي، الرأي العام في المملكة على وجه الخصوص، لأن الحقيقة أن هذا النظام رغم انه يتظاهر بتبني استراتيجية إعلامية وسياسية محايدة إزاء ما يقوم العدو الصهيوني من مجازر وإبادة بشرية وبشكل يومي في غزة ولبنان. بحجة القضاء على حماس وحزب الله، نقول رغم أن هذا النظام يتظاهر بتبني الحيادية إلا انه يقف بكل ثقله إلى جانب العدو الصهيوني في عدوانه على الشعبين الفلسطيني واللبناني وعلى الأمة والأدلة كثيرة، نذكر منها ما يلي:
أ- في النصف من الشهر العاشر 2024 ، شن الكاتب السعودي عبد الله بن بجاد العتيبي هجوماً لاذعاً وعنيفاً على حركة حماس وحزب الله في مقالة له نشرتها صحيفة الشرق الأوسط السعودية، متهما إياهما بالتسبب بكوارث للمدينيين في فلسطين ولبنان ويحملهما المسؤولية الكاملة عن العدوان والجرائم والمذابح المروعة التي يقوم بها العدو بحق الشعبين الفلسطيني واللبناني، ويدافع عن العدو وعن عدوانه ويمنحه الحق في ارتكاب تلك المجازر والإبادة الجماعية !! فيقول – (حقيقة أخرى يتم التغافل عنها، وهي أن هذه الحروب هي حروب دولة "إسرائيل" لحماية نفسها وشعبها ومصالحها، وليست حروب بنيامين نتنياهو ولا اليمين الإسرائيلي المتطرف وحدهما ومن الغريب ان يستبشر محور المقاومة باي مظاهرة داخل "إسرائيل" ضد هذه الحرب لأنهم يستبشرون بأن يدافع عنهم من يسعون لقتلهم في كل عملياتهم، وهذه واحدة من مفارقات هذا الزمن العجيب الذي بات قلب الحقائق فيه منهجاً ثابتاً لا لدى الجماهير المغيبة ايديولوجيا فحسب، بل ولدى بعض النخب السياسية من الكتاب والمحللين الذين انكشفوا أمام الرأي العام العربي) !! على حد زعمه وافترائه وكذبة! وذهب العتيبي إلى أبعد من ذلك في الدفاع عن الكيان الصهيوني بما يؤكد أن ثمة خط ومنهج واضح يتبناه الإعلام السعودي، من قنوات وصحف وكتاب ومحللين، ويتمثل في الانحياز العام للعدو، والدفاع عنه، والتغطية على هزائمه، مقابل التحريض ضد المقاومة ورموزها وضرب ثقة الأمة بها عبر التشويش على انتصاراتها وكيل الضربات القاتلة للعدو، وعبر التشكيك بهذه الانتصارات !! يقول العتيبي في هذا السياق في مقالته الآنفة "إن اي حديث أو تحليل عسكري يتناول الخسائر الإسرائيلية في الحرب، وتطور قدرات المقاومة في لبنان وغزة هو ترويج للخرافات والأوهام" !! .
وإلى ذلك، أنه وحينما أعلن رئيس الوزراء الصهيوني نتياهو عن استشهاد قائد حركة حماس ومهندس عملية طوفان القدس الكبرى الشهيد يحيى السنوار "عم الفرح والابتهاج أوساط أركان النظام السعودي ومؤيديه في المملكة وفي خارجها!! تعبيراً عن الرضا وعن التأييد والتضامن التام مع العدو الصهيوني!! وأعلن عدد من الناشطين السعوديين المؤيدين لبن سلمان، احتفائهم بإعلان نتياهو، حيث تصدر هؤلاء الناشطين الكاتب السعودي عبد اللطيف بن عبد الله آل الشيخ الذي دعا إلى شرب نخب الانتصار بمناسبة استشهاد السنوار، وقال آل الشيخ في تغريدة على موقع اكس"فرحتنا اليوم كبيرة جداً بهلاك السنوار" تهانينا لكل عربي ومسلم في مشارق الأرض ومغاربها، وحيلهم بينهم" ! على حد قوله وزعمه.. وفاق هذا الكاتب في تعبيره عن الفرح والشماتة بالمقاومة وجمهورها، حتى الصهاينة أنفسهم ! إذ أضاف في تغريدة ثانية قائلا: "الإسرائيليون" خلصوا على روس الكبار من حماس والآن بيمزمزون على العصاعص والأذناب" على حد وصفه. وفي صحيفة عكاظ كتب هذا الكاتب السعودي المحتفل ! قائلاً: "لا توقف البقلاوة يا ولد" !! هذا مثال، وإلا فإن أغلب وسائل الإعلام السعودية احتفلت باستشهاد الشهيد قائد حركة حماس يحيى السنوار!! ولذلك استنكر عدد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي في عدة دول عربية هذه الاحتفالات واعتبروا أن "تغطية الإعلام السعودي تتماشى مع الروايات التي يسعى الاحتلال الإسرائيلي لتسويقها، جراء حرب الإبادة التي يواصل شنها على رؤوس الأهالي في قطاع غزة المحاصر" فعلى سبيل المثال كتب أو غرد الكاتب الفلسطيني أدهم أبو سلمية قائلاً: "صدقاً أنا غير قادر على فهم النظام السعودي وأدواته الإعلامية، قد أحاول فهم الرغبة في التطبيع مع العدو الصهيوني والاقتراب منه.. لكني غير قادر على فهم إعلان العداء الواضح للمقاومة الفلسطينية، يا جماعة هل بوابة العلاقة مع العدو لا تمر الا عبر إعلان الولاء له والبراءة من المقاومة !؟"
وكتب حساب آخر يسمى حنظلة "لا أعلم سبب كراهية الإعلام الرسمي السعودي لكل ما يمت لغزة ومقاومتها بصلة، رغم أن حماس لم تطلق رصاصة يوماً ضد أي أحد خارج غزة"
ب – ما تقدم لا يؤكد ان الغبطة السعودية باستشهاد قادة المقاومة الفلسطينية واللبنانية مجرد وقفة عابرة املتها ظروف معينة، بل هي تعبر عن موقف سعودي استراتيجي متجذر في عمق التاريخ منذ نشوء كيان النظام السعودي في فترة الثلاثينيات حيث يؤكد الخبراء أن قيام هذا الكيان هو من أجل حماية وديمومة كيان التوأم، الكيان الصهيوني، والأدلة اكثر من أن تحصى في هذا المجال، نكتفي باشارات عابرة فحسب.. ففي هذا السياق تشير صحيفة ها آريتيز العبرية في تقرير لها الى "أن مسؤولين سعوديين التقوا بمسؤولين صهاينة في بيروت عام ۱۹٣٧م ، وان اللقاء مهد للقاء وزير الخارجية السعودي آنذاك فؤاد حمزة بالزعيم الصهيوني ديفيد بن غوريون، رئيس الوكالة اليهودية، الذي أصبح أول رئيس وزراء للكيان الصهيوني" .. ومنذ ذلك الوقت استمرت الاتصالات السرية بين الطرفين، كما أن السعودية لم تشارك في حرب عربية ضد العدو! ولم تقف على الحياد، بل انحازت للعدو، في العدوان الثلاثي على مصر رفضت مساعدة الأخيرة، وفتحت أجواءها للطائرات الصهيونية التي كانت تستهدف الجيش المصري ! وظلت العلاقات على هذا المنوال لكنها في تطور مستمر، ففي عدوان 2006 على لبنان جرت محادثات سرية مباشرة بين بندر بن سلطان رئيس جهاز الأمن القومي السعودي يومذاك، وايهود اولمرت رئيس الوزراء الصهيوني آنذاك، وبرفقه رئيس الموساد مئير داغان.. وحينها أعلن أولمرت أن السعودية تشجعنا على "سحق"حزب الله، ذلك في الوقت الذي منع النظام السعودي الدعاء للمقاومة الإسلامية لحزب الله وحمل الحزب المسؤولية عن اشتعال الحرب ! وهكذا استمرت الاتصالات بين الطرفين وتوسعت محطات التعاون بينهما بشكل سري حتى بدأت تظهر للعلن في السنوات الأخيرة، فقد زار رئيس الموساد يئير داغان المملكة عام 2010 وهي المرة الأولى التي تطأ فيها قدم مسؤول صهيوني أرض المملكة بشكل علني! ومنذ ذلك التاريخ توالت الزيارات الصهيونية بشكل علني، ومنها لقاء نتنياهو بالأمير بندر عام ٢٠١٤. وفي عام ٢٠٢٠ زار نتنياهو ورئيس الموساد آنذاك يوسي كوهين ، المملكة واجتمعا بولي العهد بن سلمان. ثم توالت الزيارات واللقاءات المتبادلة بشكل مكثف في الآونة الأخيرة.. وفي هذا العدوان تواترت الأنباء والتقارير عنى دور السعودية والإمارات في مساعدة العدو اقتصاديا وماليا بعد فرض أنصار الله الحصار التجاري على هذا الكيان، أكثر من ذلك، ان السياسية الصهيونية ناحوم نائبة رئيس بلدية القدس فضحت التعاون السري بين السعودية والاحتلال الصهيوني، خاصة في مواجهة ايران ! وقالت ان رجال اعمال سعوديين كانوا على ارتباط وثيق بإسرائيل، ا وتأكيداً لما كشفته السياسية الصهيونية ناحوم .. كشفت القناة (11) العبرية في تقرير لها أن أحد الامراء السعوديين أخبرها ان الرياض ساهمت في صد الهجوم الايراني على الكيان الصهيوني !
ج - تعتبر قناة الام بي سي، من أهم أدوات بن سلمان الإعلامية الرسمية التي يمرر من خلالها سياسات المملكة المتسقة بالطبع أو التي ترسمها له في بعض الأحيان دوائر القرار في واشنطن وتل أبيب، خصوصا فرع القناة في العراق والذي أثار الضجة المشار إليها بالإساءة الى رموز المقاومة.. يعتبر بنظر عدد من المراقبين، وكما يقول أحد الصحفيين اليمنيين أنه "أحد أدوات الحرب الناعمة التي استهدفت القيم الدينية والأعراف الاجتماعية والثوابت الأخلاقية للمجتمع العراقي، فمختلف برامجها وأعمالها الدرامية والكوميدية كانت تنطوي على رسائل سلبية للغاية" ، وتؤسس لثقافة مشوهة وتعمل على تسطيح الوعي والإساءة إلى الرموز بأشكال وأساليب وصور مختلفة" إذن الخط العام للإعلام السعودي هو هذا الذي عبرت عنه قناة الأم بي سي، كما مر بناء ووصم المقاومة ورموزها بالإرهاب، هو من صميم مهمة هذا الإعلام، فتغيير المصطلحات وقلب معانيها بالشكل الذي يشوه المقاومة ويبرر للعدو وأمريكا الداعمة له، ضربها، بات سياسة ثابتة في سياسات النظام السعودي ! من أجل او مقابل حمايته !! لكن المشكلة ان القناة المذكورة فضحت النظام السعودي في وقت حرج وبشكل فج ومتعالي جدا استفز مشاعر الأمة ورفع منسوب غضبها إزاء العدو وإزاء تقاعس الأنظمة ومنها النظام السعودي عن نصرة المظلومين في غزة.
2- إن تظاهر النظام السعودي بمعاقبة أو بالأحرى بالتحقيق مع معدي تقرير الام بي سي المسيء للمقاومة، كما قلنا فيما تقدم من حديث، هو لأن تقرير القناة فضح النظام السعودي ، في وقت حرج كما اشرنا قبل قليل، حيث يشهد الرأي العام العربي والإسلامي توتراً وغضباً من الجرائم التي يرتكبها العدو الصهيوني في غزة والضفة الغربية وفي لبنان، ومن إطالة سكوت الأنظمة العربية على هذه المذابح المروعة وحرب الإبادة التي لم يشهد التأريخ الحديث مثلها. ولذلك يعتقد النظام السعودي وحماته ان إساءات الام بي سي للمقاومة ورموزها من شأنه أن يوجج الغضب لدى الجماهير العربية والإسلامية، وتتحول هذه الإساءات إلى فتيل يشعل الساحات، وإذا اشتعلت النيران، فإنها ستحرق الأخضر واليابس، وأول ما تحرق هذه الأنظمة العميلة ومنها النظام السعودي ولذلك سارع هذا الأخير ليلمع نفسه، ويحاول امتصاص الغضب بهذه الخطوة الشكلية !!
3- صحيح ان النظام يتخوف من تحرك جماهيري، لكنه يتخوف أيضاً من عدم قدرة أمريكا والعدو على "الانتصار" على المقاومة سيما وان كل المعطيات الميدانية منذ 7 أكتوبر العام الماضي ولحد الآن تؤكد بما لا يقبل الشك أن محور أمريكا والعدو آيل إلى الهزيمة المؤكدة والنكراء، ولذلك تزعزعت قناعة النظام في الآونة الأخيرة بما كانت أمريكا والعدو يصدرانه من مقولات لهذا النظام حول الحماية وحول دحر محور المقاومة بقيادة إيران بات كله هراء ووهم!! وأمام اهتزاز هذه القناعات لا يريد النظام أن يتبنى الخط الإعلامي والسياسي لمحور العدو - أمريكا، إنما يريد الاحتفاظ بخط رجعه للحفاظ على نفسه عبر التظاهر بالوقوف على الحياد أو حتى الميل ظاهريا نحو محور المقاومة، ولذلك فخطوته الشكلية الأنفة تأتي في هذا الإطار!
عبد العزيز المكي
ارسال التعليق