السعودية تعلن تحالفاً دولياً لدعم حل الدولتين في الأرض المحتلة. !! ماذا تعني هذه الخطوة المفاجئة !؟
[عبد العزيز المكي]
لقد بات معروفاً للقاصي والداني، الموقف السعودي من القضية الفلسطينية وفي تطوراتها وتداعياتها قبل وبعد عملية طوفان الأقصى في ٧ أكتوبر عام ٢٠٢٣ ، فالنظام السعودي كان وما يزال منحازاً كليا إلى جانب العدو الصهيوني قلبا وقالباً: فاعتبر عملية طوفان الأقصى إرهاباً وأدانها وساوى بين قتلى الصهاينة وضحايا العدوان الصهيوني من الفلسطينيين، ووقف بكل ما كنته الإعلامية الجبارة إلى جانب العدو! وفيما قطع نظام بن سلمان شوطاً متقدماً في تحقيق شروط العدو للتطبيع مع السعودية، ومنها تغيير المناهج الدراسية ومنها ثقافة المجتمع في السعودية، كان بن سلمان وأزلامه يؤكدون ان القضية الفلسطينية بالنسبة لهم أصبحت من الماضي وباتت وراء ظهورهم، وأنهم لا يعتبرون الصهيوني عدوا ، بل كحليف محتمل، وهذا ما كان قد أكده بن سلمان نفسه لمجلة ذا اتلانتيك الأمريكية في تصريحاته لها في آذار مارس ٢٠٢٢، والتي قال بن سلمان حينها "لا ننظر لإسرائيل" كعدو، بل ننظر لهم كحليف محتمل في العديد من المصالح التي يمكن أن نسعى لتحقيقها معا، لكن يجب أن تحل بعض القضايا قبل الوصول إلى ذلك" أكثر من ذلك أن المسؤولين السعوديين أكدوا استعدادهم للتطبيع مع العدو حتى بعد طوفان الأقصى، والعدو وقتئذ يرتكب المجازر المروعة بحق أهالي غزة في عدوانه الآثم على العزل المدنيين من النساء والأطفال والرجال المسالمين ! ، بل وأكد بن سلمان هذا الموقف السعودي خلال لقائه مع وزير الخارجية الأمريكي انطوني بلينكن خلال لقائه معه في الرياض في كانون الثاني الماضي من العام الجاري، طبقاً لما أكدته المجلة المذكورة "ذا اتلانتيك" حيث قالت المجلة أن بن سلمان أبلغ بلينكن أن القضية الفلسطينية لا تهمه شخصيا، موضحاً للوزير الأمريكي، أن القضية مهمة بالفعل للشعب في المملكة، ولذلك فهو يطالب بإحراز تقدم في هذه القضية كشرط لاتفاق التطبيع مع "إسرائيل" أكثر من ذلك أن بن سلمان أوضح لوزير الخارجية الأمريكي في ذلك اللقاء، انه على استعداد للتطبيع مع العدو مقابل توقف مؤقت لعدوانه على غزة، وبعد التطبيع بإمكانه العودة إلى العدوان مرة أخرى !!
إذن في ضوء ما تقدم وغيره كثير، ماذا يعني الحماس السعودي الجديد في رفع راية القضية الفلسطينية وتبنيها ومنحها الأولوية في السياسة السعودية بعد تلك الخطوة المفاجئة التي أقدم عليها والتي أعلن عنها وزير الخارجية فيصل بن فرحان ! حيث قال الأخير في اجتماع وزاري بشأن القضية الفلسطينية وجهود "السلام" ، عقد على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ ٧٩ بمدينة نيويورك الأمريكية في 24/9/2024 ((إن تنفيذ حل الدولتين هو الحل الأمثل لكسر حلقة الصراع والمعاناة، وإنفاذ واقع جديد تنعم فيه المنطقة كافة، بما فيها "إسرائيل"، بالأمن والتعايش)) وأضاف بن فرحان قائلا "إننا اليوم باسم الدول العربية والإسلامية وشركائنا الأوربيين، نعلن إطلاق التحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين، وندعوكم للانضمام إلى هذه المبادرة، دون مزيد من التفاصيل".
وما تجدر الإشارة إليه فيما يخص حل الدولتين هو أن العدو الصهيوني على لسان مسؤوليه رفض هذا النوع من الحل جملة وتفصيلاً، كما جاء ذلك على لسان رئيس الوزراء المجرم بنيامين نتياهو، وفضلاً عن ذلك كان ما يسمى بالكنيست أي مجلس النواب الصهيوني، قد صدق في ١٨ تموز الماضي لهذا العام ٢٠٢٤ على قرار ينص على رفض إقامة دولة فلسطينية لكونها تمثل تهديداً وجوديًا لدولة "إسرائيل" بحسب ما يراه الصهاينة ! وجاء في نص القرار: "يعارض الكنيست بشدة إقامة دولة فلسطينية في غرب الأردن، إن إقامة دولة فلسطينية في قلب أرض إسرائيل سيشكل خطراً وجودياً على دولة إسرائيل ومواطنيها، وسيؤدي إلى إدامة الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني وزعزعة استقرار المنطقة" على حد زعمهم !! إذن ماذا سيعمل هذا التحالف الذي أعلنته السعودية!؟ ونحن نشاهد هذا الدعم المنقطع النظير الذي تقدمه الولايات المتحدة والدول الأوربية لهذا العدو في عدوانه الدموي والإجرامي على الشعبين الفلسطيني واللبناني !؟ هذا من جانب، ومن جانب آخر إن "التحالف" الدولي الذي أطلقته السعودية لتبني حل الدولتين في الأرض المحتلة، رغم أن النظام السعودي جند لهذه الفكرة إعلامه ومؤيديه في الخارج للترويج له، ولما يسمونه باهتمام السعودية بالقضية الفلسطينية إلا انه لا يبدو غير أنه مجرد بالون إعلامي لا قيمة له. فوزير الخارجية السعودي لم يشر إلى آليات وخطوات هذا التحالف المجهول في فرض الفكرة على العدو الرافض لها جملة وتفصيلاً كما مر بنا، هذا أولاً، وثانيا: إن بن فرحان لم يشر إلى أي من الدول المشاركة في هذا التحالف، فلم يذكر اسم أي دولة فالتحالف مبهم وغير واضح، إلا إذا كان هناك شيء ما يراد التستر عليه في هذا الأمر. وثالثاً: الآلية لعمل هذا التحالف، التي أشار إليها كبير مستشاري الأمم المتحدة محمد عمر المغير، في تحقيق أهداف هذا التحالف وتتمثل بالمؤتمرات وبالأنشطة الدبلوماسية، وتقديم مبادرات اقتصادية وسياسية تدعم وتدفع نحو حل الدولتين ! وهذا يعني نسف كل "المبادرات السابقة بما فيها اتفاقات أوسلو" والعودة إلى المربع صفر، وبالتالي الدوران في الفراغ حقبة أخرى بينما العدو يسابق الزمن في عملية وخطط التهويد وفرض الأمر الواقع!! ورابعا: إن كل الدول التي يرى محمد عمر المغير إمكانية، انضمامها إلى هذا التحالف، ليس لها أي نفوذ أو قوة يمكن أن تفرض على العدو القبول بهذا الحل، فحتى الولايات المتحدة التي هي ليست عضواً في هذا التحالف، لا تريد الضغط على العدو للقبول بهذا الحل! إذن هذه الفكرة لا طائل منها والنظام السعودي يعرف هذا الأمر تماما، ولكن السؤال ما دام هذا النظام يعرف هذا الأمر في ضوء تجارب العقود الماضية لماذا يتبنى هذه الفكرة !؟
أتصور أن تبنيه لهذه الفكرة وهو يعلم انه لا يمتلك مقومات تطبيقها الأولية،
يهدف إلى ما يلي:
1- لأن القضية الفلسطينية بعد كل هذه التطورات، تصدرت اهتمامات بعض الدول الغربية، فضلاً عن الشعوب الأوربية وحتى الأمريكية التي انضمت وأعلنت ولائها وتأييدها للشعب الفلسطيني وإدانة الهمجية الصهيونية ودموية ومجازر الكيان الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني في غزة ، بل إن البعض من الحكومات الغربية تبنى مفهوم الاعتراف بدولة فلسطينية واعتبر العدو كيانا محتلاً ومجرما وما زال هذا الموقف يتطور لصالح مظلومية الشعب الفلسطيني وضد إجرامية وإرهابية العدو، ذلك وسط توقعات بأنه يمكن أن يتطور هذا الوعي الأوربي السياسي والشعبي، بتبني القضية وبالتالي فرض دعم دولي لها رغماً على أنف أمريكا والعدو الصهيوني لذلك يمكن أن تكون الخطوة السعودية على لسان بن فرحان بعدما لقنه بها محمد عمر المغير أحد مستشاري الأمم المتحدة كما اشرنا، هي لقطع الطريق على أية جهة أخرى تبني القضية تبنيا جدياً واجتراح حلول ناجعة وملبية على الأقل لمعظم طموحات الشعب الفلسطيني، وذلك بتبني هذه الفكرة، ومنع أي طرف آخر بالاضطلاع بها، خدمة لأمريكا وللكيان الصهيوني - بمعنى إدخال القظية في دهاليز المفاوضات والنشاطات الدبلوماسية التي لا تغني ولا تسمن، سوى تضييع الوقت والأهداف وتمييع الجهود، وبالنهاية فرض الحلول المتوائمة مع أهداف الصهاينة والأمريكان وما إليهم!!
2- كما هو معروف، إن عملية طوفان الأقصى، ثم العدوان الصهيوني على غزة ومسلسل المجازر التي ارتكبها وما يزال العدو في غزة وعلى مدى عام تقريبا، حيث استشهد قرابة الأربعين ألف من نساء وأطفال والرجال المسنين في غزة وعشرات الآلاف من الجرحى فضلاً عن تهديم البيوت وتخريبها على رؤوس أصحابها ونزوح مئات الآلاف من القطاع هروبا من قصف الطائرات الصهيونية كل ذلك وغيره ، كشف حقائق أو بالأحرى كرس حقائق كثيرة للشعوب العربية والإسلامية، منها خيانة بعض الأنظمة العربية وانحيازها للعدو صراحة وعلنا أو باعتراف العدو نفسه، ومن ثم انكشاف زيف شعاراتها وضجيجها الإعلامي بتبني شعارات الدفاع عن القضية الفلسطينية ويتصدر هذه الأنظمة النظام السعودي، فحاكم هذا النظام بن سلمان، وكما أشرنا سابقاً، أعلن صراحة انه شخصيا لا يهتم بالقضية الفلسطينية وزعم أيضاً أن شعب المملكة لا يهتم أيضاً ! بل أكثر من ذلك وقف هذا النظام مع نظيره الإماراتي علنا في تقديم الدعم الاقتصادي للعدو، ظناً من هذه الأنظمة أن العدو سيقضي على حماس والجهاد الإسلامي وبقية الفصائل الفلسطينية، بل والقضاء على بقية محاور المقاومة وردع إيران" والتسيد في المنطقة، وبالتالي إلحاق اكبر هزيمة نفسية بالأمة تنسيها قضيتها المركزية فلسطين، لكن الأمور سارت بما لا تشتهي سفن بن سلمان فنتياهو بكل جبروته لم يستطع القضاء على حماس رغم الدعم الأمريكي والغربي والسعودي والإماراتي العسكري والاقتصادي والمالي، وبالرغم من مرور عام على العدوان على غزة ورغم المجازر المروعة بحق الفلسطينيين، وذلك ما أعطى دفعة جديدة لوعي الشعوب وثقتها بالمقاومة وازدرائها بالأنظمة الخائنة التي بانت وتجلت خيانتها، سيما وان ذلك تزامن مع تزايد وارتفاع منسوب مشاعر الغضب والتبرم لدى هذه الشعوب من تقاعس الأنظمة، ولذلك فبن سلمان سارع إلى تبني هذه الفكرة خوفاً من خالد إسلامبولي، جزيري يقوم بقتله على غرار خالد الإسلامبولي المصري الذي قتل السادات بعد زيارته للأرض المحتلة وإبرامه اتفاقات كامبديفيد مع العدو! وهذا ما أشار إليه صراحة بن سلمان لبلينكن في زياراته الأخيرة للرياض بهدف الضغط على بن سلمان لإعلان التطبيع مع العدو، قال لا يمكنه أن يكون مصيره على غرار السادات لان المجتمع في المملكة يكره إسرائيل ويتمنى زوالها. إذن فإقدام بن سلمان على تبني هذه الخطوة هو لخداع الشعب الجزيري ولإيهام الأمة انه مهتم بالقضية، وانه يسعى لتحقيق أهداف الشعب الفلسطيني !!
٢- هي محاولة قطع الطريق على قوى المقاومة المنتصرة من توظيف انتصارها في إطار تعزيز الطموحات والتطلعات للشعب الفلسطيني، وبدلاً من أن تكون قوى المقاومة الطرف المعبر عن هذه التطلعات، ينصب النظام السعودي نفسه ممثلاً للشعب الفلسطيني، ولتطلعاته، وبالتالي يدخل طموحات الشعب الفلسطيني في دهاليز المساومات والتسويف والتمييع والنتيجة تضيع الحقوق !! كما حصل عندما أعلن الملك فهد ما يسمى بمشروع فهد وعندما أعلن الملك عبد الله، ما يسمى بالمبادرة السعودية التي أصبحت فيما بعد بالمبادرة العربية، وهي في الأصل مبادرة أمريكية نقلها الصحفي فريدمان إلى الملك عبد الله وأعلنت باسمه !!
4- ودائماً أن مثل هذه المشاريع تأتي في وقت يعاني منه العدو وربيبته أمريكا في مأزق عسكري وسياسي، فتكون - أي تلك المشاريع - طوق نجاة لهما من ناحية ومن ناحية أخرى تساهم في تضييع الأهداف الكبرى للقضية وكذلك الحلول الناجعة لها كما أسلفنا، وبالتالي مصادرة وتضييع كل الدماء والتضحيات للشرفاء والمقاومين والمجاهدين في سبيل القضية، ومنح العدو الفرص اللازمة للبقاء التوسع والتمدد والعدوان على الشعب الفلسطيني وعلى الأمة !!
عبد العزيز المكي
ارسال التعليق