الملك عقيم؛ وابن سلمان يستعجل ترحيل أبيه لركوب العرش
[جمال حسن]
* جمال حسن
تذكرت مقولة لأبن منظور في معجم لسان العرب: "ويُقال: المِلك عقيم لا ينفع فيه نسب لان الاب يقتل ابنه على المِلك. وقال ثعلب: معناه انه يقتل أباه وأخاه وعمه في ذلك. والعقم: القطع، ومنه قيل: الملك عقيم لانه تقطع فيه الأرحام بالقتل والعقوق".
وهذه المقولة تنسب للخليفة العباسي هارون الرشيد قوله لابنه المأمون: "يا بني المِلك عقيم ولو نازعتني أنت علي الحكم لأخذت الذي فيه عيناك"، اي لقطعت رأسك - الطبري في كتابه "تاريخ الأمم والملوك"؛
عندما نراجع العهد السلماني منذ بدايته وحتى يومنا هذا نرى العجائب والغرائب التي تنطبق عليها هذه الأقوال التي وردتنا من سلاطين الظلم والجور السابقين، فالكل على شاكلته خطوة بخطوة وسيرة على نهج سيرة هذ سياسة وحياة حكام الجور والاستبداد ووحدة السلطة بكل أبعادها؛ وهو الهدف الذي يسير الى تحقيقه "أبن البدوية" منذ دخوله قصر العرش.
ويذكر لنا الطبري في كتابه "تاريخ الأمم والملوك" أن الخليفة العباسي الهادي أرسل لأمه طعاماً فكادت أن تأكل منه لولا أن نبهتها جاريتها، فجاءت بكلب وأطعمته منه فمات فوراً، فأرسل لها ابنها يسألها إن كان قد أعجبها الطعام فأجابت بأنه قد أعجبها فكان رده هو "بل لم تأكلي منه ولو أكلتيه لاسترحت منك! متى أفلح خليفة له أم؟".
استأثرت يا أبن سلمان بالسلطة فأساة الأثر.. ولتعلم أن "ما ظفر من ظفر الإثم به، والغالب بالشرّ مغلوب".. و"لا ظفر مع البغي" وأنت ترتكب كل هذه الجرائم للتمسك بالسلطة بأي ثمن كان.. إذا كانت الوسيلة للغلبة على خصمك، هي ركوب إثم واقتراف إجرام وقتل أبرياء؛ فإنّك حتى وإن حصلت على ما تريد لن تبقى فيها..
يا "أبن البدوية" تسعى جاهداً للأنتقام ممن حولك لتكون القدرة والقوة دون منازع، منتهجاً توصيات ميكافيلي في إدارة السلطة وتوصياته " احتفظ بأكبر عدد من المنافقين الى جوارك، بل وشجع المبتدئين منهم على أن يتمرسوا على أفعال النفاق والمداهنة، لأنهم بمثابة جيشك الداخلي الذي يدافع عنك أمام الشعب باستماتة".
وعندما تتغلب على خصومك والطبقة الشعبية الرافضة لك بسبب إجرامك وكيدك وبغيك وقباحة أعمالك واستهتارك بالمعتقدات والتراث الاجتماعي والتقاليد العائلية لشعب الجزيرة العربية، الى جانب نهبك لثروات شعبها وسعيك الحثيث الى تفسيق الشارع الجزيري ودفعه نحو الإنحطاط الخلقي لن تجني سوى العار والشنار.
فأنت اليوم بت "أبو منشار" حتى مع أقرب الناس منك، أمك التي حملتك وأنجبت وهي لا تزال في حصار جدران قصرها، وأبيك ألعوبة تسيره كيفما تشاء، ابنا شبه الجزيرة العربية يعيشون القمع والتمييز الطائفي والمناطقي والقبلي، بت من ذكرهم الله سبحانه وتعالى القرآن الكريم {أَن لَّعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ}- الأعراف:44، و{وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}- الإنسان:31،و..
فهل يا ترى سيكون حضوراً جديداً لسلمان المصاب بمجموعة كبيرة من الأمراض المعقدة وفي مقدمتها الزهايمر العضال، ليقف سداً أمام سياسة وبطش نجله المدلل "أبو منشار" أم سيبقى جسداً بلا حراك كما هو الحال أو يطاله سيف التصفية الجسدية شأنه شأن من فعل بأخيه عبدالله "وبشر القاتل بالقتل ولو بعد حين"؟!.
ولو رجعنا قليلاً الى الوراء وتصفحنا ما ذكره المسؤول سعد الجبري الأمني الكبير لآل سعود عن تلك الليلة التي استدعاه محمد بن سلمان الى قصره لكسب ولائه، وكان يخشى الى حد كبير من حوله وجواسيس القصر لدرجة أنه سحب المقبس من الحائط ليفصل الهاتف الأرضي الوحيد في المكان.
يقول الجبري، هنا سألته بدهشة عن الحد الذي تنتهي عنده طموحاته، فأجاب "بن سلمان" ببساطة: هل سمعت عن الإسكندر الأكبر؟؛ وهنا أنهى محمد بن سلمان المحادثة في ذلك الاجتماع الذي انعقد في منتصف الليل واستمر لثلاث ساعات بعد أن كان من المقرر أن يستغرق نصف ساعة فقط؛.
إنها قصة الصعود المرعب لنجل سلمان وتخطيه عمه أحمد بن عبد العزيز وولي العهد أبن عمه محمد بن نايف وكيف انقلب عليه وهو في قصره ليبتزه باغتصاب زوجته وبناته أمام عينيه كما نقل عن مقربين، فيما نشرت له صور وهو يقبل يديه وعبائته؛ عين النفاق والمكر والحيلة ليكون مصداقاً لقول الخليفة العباسي هارون الرشيد:
النفس تطمع والأسباب عاجزة .. والنفس تهلك بين اليأس والطمع
ومع تزايد ضعف سلمان بات نجله المدلل مسؤولا بحكم الأمر الواقع عن "مهد الإسلام" وأكبر مصدر للنفط في العالم. وبدأ ولي العهد بالفعل تنفيذ العديد من خططه في بلوغ العرش بأي ثمن، فيما سجل انتهاكاته لحقوق الإنسان بما في ذلك قمع حرية التعبير والاستخدام واسع النطاق لعقوبة الإعدام وسجن ناشطات حقوق المرأة، لم يعد خافياً على أحد - بي بي سي.
صرخات الاحتجاج مدوية متواصلة وسط الشارع اطلقها الناشطون السعوديون في الداخل عبر مختلف مواقع التواصل الاجتماعي بعد أن طفح كيلهم من الوضع المأساوي وانتهاكاته الجسيمة لحقوق الإنسان في الجزيرة العربية واعتماده القمع الذي تشهده المملكة في ظل نظام قمعي يخطط لرسم ملامح مستقبله الغامض، ولي العهد المتهور محمد بن سلمان.
ويؤكد مراقبون أن محاولات "بن سلمان" اعطاءه صورة مغايرة للمجتمع الدولي لتفتح له الباب امام رضا دولي أو صمت بالحد الأدنى او تغطية عبر دفع الأموال خاصة مع الأمريكي الحليف الاستراتيجي، لكن يتوقع ان تقوده ومن لف لفه الى هاوية السقوط ربما قريباً.
وقد كشفت الصحفية الأميركية ريم عبد اللطيف، التي عملت في عدد من وسائل الإعلام السعودية، في مقال لها نشرته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية "أن ما شاهدته في المملكة الخليجية (السعودية) دفعها الى التأكد من أن الإصلاحات التي نادى بها ولي العهد محمد بن سلمان ليست إلا سطحية واستخدمت كوسيلة لقمع الأفراد الذين يؤمنون بالتغيير الحقيقي".
المراقبون للشأن السعودي يشددون على أن محمد بن سلمان لا يفكر إلا بنفسه ومصالحه الخاصة دون الاكتراث لرغبات الأسرة الحاكمة ناهيك عن رغبات المجتمع الجزيري، فهو شخص عنيف حاد المزاج والسلطة، لا يهتم برأي الشعب ويراهم غير مؤهلين للمشاركة في صنع القرار، ويجب الحكم عليه بالقبضة الحديدية.
حقيقة إن "محمد بن سلمان" ثمرة لنظام مستبد وديكتاتور وبالتالي لا يمكن أن يطلق عليه مجدد ومصلح، وأنه إذا أراد الإصلاح فعليه تغيير نظام الحكم، لأن المشكلة ليست في أفراد بل في نظام الحكم وهي الملكية الوراثية المطلقة؛ وجزيرة العرب وصلت لمرحلة الانفجار على المستوى المالي والسياسي، وما يقوم به "بن سلمان" باسم الاصلاح ما هو إلا لعب بالكلمات دون الحقيقة.
ويذكر "كيم داروش" مستشار الأمن القومي لدايفيد كاميرون عندما كان رئيساً لوزراء بريطانيا، أن محمد بن سلمان كان متلهفاً للغاية لصعود والده الى العرش لدرجة أنه، بحسب ما يروي الجبري، اقترح في 2014 قتل الملك آنذاك - عمه عبد الله - بخاتم مسموم حصل عليه من روسيا؛ وبعد انكشاف الأمر منع من دخول البلاط الملكي ومن مصافحة الملك لفترة طويلة.
ارسال التعليق