خيارات صعبة لتقليص عجز الموازنة السعودية بينها خفض الدعم
تواجه السلطات السعودية عجزاً في موازنتها بلغ حوالي 8 مليارات دولار في الربع الثالث من عام 2024، وهو ما يزيد على نصف إجمالي العجز المالي للبلاد حتى الآن هذا العام، ما يشير إلى تحديات اقتصادية متزايدة ترفع أسهم خيارات قد تكون غير شعبية، مثل زيادة الرسوم على الوافدين، ورفع أسعار الوقود، وزيادة الضرائب، وخفض الدعم، ما يسلط الضوء على تأثير ذلك على اقتصاد الدولة الخليجية الأكبر وقطاعاتها الشعبية، وباقي دول الخليج الأخرى.
ويعزز ترجيح مثل هذه التوقعات، وفق محللين اقتصاديين، أن السعودية سبق أن اتجهت بالفعل نحو فرض رسوم إضافية على العمالة الوافدة لسد جزء من عجز الموازنة، حيث تفرض 400 ريال شهرياً رسمَ إقامةٍ على مرافق العامل المقيم في المملكة.
وتهدف هذه الرسوم إلى سد جزء من عجز الموازنة من جانب وتقليل الاعتماد على العمالة الأجنبية من جانب آخر، بالتواكب مع النظر في زيادة الضرائب، خاصةً ضريبة القيمة المضافة، التي جرى رفعها في السعودية سابقاً إلى 15%.
في هذا الإطار، يشير الخبير الاقتصادي، حسام عايش، لـ"العربي الجديد"، إلى أن من المتوقع أن تسجل الموازنة السعودية عجزاً يستمر حتى عام 2027، على الرغم من انخفاض هذا العجز بنسبة 16% في الربع الثالث مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
ويبلغ إجمالي العجز السعودي في الأشهر التسعة الأولى من عام 2024 حوالي 15.5 مليار دولار، متضمناً عجزاً بقيمة 8 مليارات دولار في الربع الثالث وحده (من يوليو/تموز إلى سبتمبر/أيلول)، ويتوقع عايش أن يتجاوز العجز المتوقع للعام 2024 نحو 31.5 مليار دولار، مع بلوغه ذروته في عام 2027 ليتخطى 37 مليار دولار سنوياً. وتكشف الأرقام الحكومية عن إيرادات بلغت 255 مليار دولار في الربع الثالث، مقابل نفقات وصلت إلى 267 مليار دولار.
ومع ارتفاع الدين العام إلى نحو 309 مليارات دولار، أي ما يتجاوز 30% من الناتج المحلي الإجمالي، يرى عايش أن فوز دونالد ترامب في الانتخابات الأميركية التي جرت في الخامس من نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، قد يؤثر سلباً على أسعار النفط، خاصة مع توقع فرض مزيد من العقبات على التجارة مع الصين وزياردة إنتاج النفط في الولايات المتحدة.
ولمواجهة هذا العجز المالي، يرجح الخبير الاقتصادي لجوء المملكة إلى رفع الضرائب الداخلية وفرض رسوم جديدة، وزيادة الرسوم على الوافدين وعائلاتهم، مع احتمال رفع أسعار المشتقات النفطية وتخفيض الإنفاق، مما قد يؤثر على مشاريع رؤية 2030، خاصة مشروع "ذا لاين". والمشروع واحد من أربع مناطق تابعة للمشروع الأوسع "نيوم"، الذي يتوقع أن تبلغ تكلفته نحو 500 مليار دولار.
وينعكس هذا الوضع على مستوى المعيشة في السعودية، وذلك قد يؤدي إلى خروج شرائح من العمالة الوافدة بسبب ارتفاع التكاليف، كما قد يؤثر على معدلات البطالة وتنفيذ المشاريع المخطط لها، وفق عايش. وباعتبار السعودية الاقتصاد الأكبر في منطقة الخليج، يشير عايش إلى أن هذه التحديات المالية ستنعكس على العلاقات الاقتصادية مع دول الخليج الأخرى، ما قد يدفعها أيضاً إلى اتخاذ إجراءات مماثلة في زيادة الضرائب والرسوم على مواطنيها والمقيمين فيها.
في السياق، يلفت الخبير الاقتصادي، علي سعيد العامري، لـ "العربي الجديد"، إلى أن المملكة العربية السعودية تواجه تحديات متزايدة في موازناتها العامة، واصفاً عجز الموازنة البالغ 8 مليارات دولار في الربع الثالث من العام الجاري بأنه "يستدعي البحث عن حلول عملية، حتى وإن كانت غير مألوفة".
يرى العامري أن الحكومة السعودية تتجه نحو زيادة الرسوم الجمركية والضرائب على السلع والخدمات، خاصة في القطاعات ذات العائدات المرتفعة، رغم تأثيرها المحتمل على معدلات الإنفاق الفردي، كما يُطرح رفع أسعار الوقود خياراً قد يحقق إيرادات كبيرة، مع الأخذ في الاعتبار تداعياته على معدلات التضخم والاستقرار الاجتماعي.
ويقترح الخبير الاقتصادي حزمة من الحلول تشمل فرض ضرائب جديدة وتعديل القائم منها، مع ضرورة تصميم هذه الإصلاحات بعناية لتحقيق العوائد المطلوبة، مبيناً أن زيادة الاستثمارات المحفزة إلى النمو وخلق فرص العمل، إلى جانب تحسين الكفاءة ومراجعة الأنظمة والخدمات الحالية، قد تسهم في تحسين الأوضاع المالية.
وتبرز الشراكة مع القطاع الخاص خياراً استراتيجياً للمساهمة في إيجاد حلول مشتركة لعجز الموازنة السعودية، فيما يتوقع العامري أن تتباين ردات أفعال دول الخليج الأخرى وفقاً لحجم عجزها المالي وظروفها الاقتصادية الخاصة.
ونظراً إلى التشابه بين دول المنطقة، قد تؤدي زيادة الرسوم والضرائب إلى ضغوط اقتصادية واجتماعية عامة تؤثر على نمط الحياة المعتاد للمواطنين في الخليج، بحسب تقدير العامري.
ويؤكد الخبير الاقتصادي أن التعاون الإقليمي في مواجهة التأثيرات الاقتصادية العالمية وتبادل الخبرات حول التحديات المشتركة قد يساعد في تخفيف الآثار السلبية للعجز، ورغم صعوبة التنبؤ الدقيق بالتداعيات الاقتصادية يرجح أن تتبنى دول الخليج حلولاً متشابهة، مع مراعاة الظروف الاقتصادية والسياسية الخاصة بكل دولة.
ارسال التعليق