تقارب أردني سوري.. هل تخرج عمان من العباءة السعودية؟
حراك سياسي ودبلوماسي تقوده الأردن خلال هذه الأيام، يفتح الباب أمام تساؤلات حول تمرد أردني على حلفائها في الخليج واتجاهها إلى إعادة علاقاتها مع سوريا ومن ثم تحالفها الروسي الإيراني، خاصة في ظل الحديث عن خلافات سعودية أردنية بشأن القدس ورد الفعل السعودي الذي اتسم بالخذلان حول قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بشأن اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، ويبدو أن المملكة الهاشمية تحاول نفض يدها من تحالفها مع السعودية بعد أن لحقت الأخيرة انتقادات شعبية وجهتها العديد من الدول العربية.
تمرد أردني
ظهرت أولى مؤشرات التمرد الأردني في حديث دبلوماسيي المملكة عن سوريا، والتلويح بمحاولات إعادة دمشق إلى المؤسسات العربية مُجددًا وعلى رأسها جامعة الدول العربية، خاصة في ظل التحولات السياسية والعسكرية التي حدثت في سوريا بعد إحكام الجيش السوري سيطرته على جميع مؤسسات الدولة وتحرير أراضيها من التنظيمات الإرهابية والمسلحة، وكشف رئيس مجلس النواب الأردني عاطف الطراونة، الأربعاء الماضي، أن عمان تقدمت باحتجاج لدى الاتحاد البرلماني العربي، على عدم دعوة سوريا إلى اجتماع الاتحاد الطارئ بشأن القدس في المغرب، والذي انعقد الأسبوع الماضي، وقال الطروانة، إن الوفد الأردني المشارك بأعمال الاجتماع أكد أهمية دعوة سوريا للاجتماعات العادية والطارئة.
في ذات الإطار، اجتمع رئيس مجلس النواب الأردني مع القائم بالأعمال السوري في الأردن أيمن علوش، والسفير الإيراني في عمّان محبتي فردوس، في مكتب طراونة بالبرلمان، الأربعاء الماضي، وذلك في اجتماع نادر الحدوث، ونقلت أوساط برلمانية عن رئيس مجلس النواب الأردني، تقدمه بمقترح للقيام بزيارة مجاملة لدمشق في إطار مناخ تحسين العلاقات بين البلدين، وأكدت التقارير أن هذه المسألة تم التطرق لها خلال استقبال الطراونة، للقائم بالأعمال السوري في عمان، فيما بارك الطراونة، انتصارات الجيش السوري على تنظيم “داعش” واستعادة الأراضي التي كانت تسيطر عليها، وجدد التأكيد على موقف الأردن الداعي إلى الحل السياسي في سوريا، بما يحفظ أمنها واستقرارها ووحدة أراضيها، وأشار الطراونة، إلى ما قدمه الأردن للاجئين السوريين في المملكة، وقال إن ما قام به واجب أخلاقي تجاه أشقاء وليس منة أو فضلاً عليهم.
عقب الاجتماع غرد علوش، على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي “تويتر” قائلًا: حمى الله الأردن وسوريا، وتحدث القائم بالأعمال السوري في تغريدته عن “كلام قومي ووطني يعكس روح الشعب الأردني الشقيق سمعه خلال اللقاء مع رئيس البرلمان”، مضيفًا: لم تغب فلسطين ولا القدس عن اللقاء وتحدثنا عن حتمية العلاقات الأردنية السورية.
الجدير بالذكر أن العلاقات الأردنية السورية أخذت في التصاعد منذ أغسطس الماضي، وذلك بعدما أعلنت الحكومة الأردنية صراحة أن علاقة الأردن مع سوريا مرشحة لأن تأخذ منحى إيجابيًا، وذلك بعد أن شهدت العلاقات الأردنية- السورية خلال الستة أعوام الماضية توترًا كبيرًا على خلفية اتهام دمشق لعمان بدعم الإرهاب والمسلحين على الأراضي السورية، وهو ما دفع في نهاية مايو عام 2014، إلى طرد الأردن سفير سوريا، ليتم تخفيض مستوى العلاقات إلى درجة القائم بالأعمال.
خلافات أردنية سعودية
يبدو أن الأردن يحاول الخروج من الوصاية السعودية وذلك بعد أن أصبحت المملكة تمارس ضغوطًا غير مسبوقة ومثيرة للاشمئزاز على حلفائها وجيرانها العرب لدفعهم إلى تأييد المخططات الصهيوأمريكية في المنطقة بشكل عام وفي فلسطين على وجه التحديد، حيث ظهرت مؤخرًا خلافات سياسية بين المملكة السعودية والهاشمية، وذلك بعد أن حاول الوفد السعودي المشارك في الدورة الـ24 للاتحاد البرلماني العربي، الذي عقد في المغرب الأربعاء الماضي، الاعترض وبشدة على رغبة الوفد الأردني في التحدث عن تأكيد الوصاية الهاشمية الأردنية على الأوقاف والمقدسات الإسلامية والمسيحية في مدينة القدس المحتلة، حيث حاول الوفد السعودي خلال الاجتماع الاعتراض على فكرة الوصاية الأردنية لصالح مفهوم مرن يمكن أن يؤثر مستقبلًا بالسلب على طبيعة الدور الأردني في القدس، حيث اقترح الوفد السعودي منح المسألة “بعدًا إسلاميًا أوسع”، لكن الوفد الأردني الذي ترأسه عاطف الطراونة، تصدى بخشونة للتوصية السعودية ووقعت ملاسنات ونقاشات حادة بين الطرفين، وإزاء إصرار الوفد الأردني وتشبثه بالوصاية على القدس، لم يتمكن الوفد السعودي من فرض رأيه وتصوره على الاجتماعات الباطنية للمكتب الدائم للاتحاد البرلماني العربي.
في ذات الشأن، كشفت تقارير صحفية عن قلق عمان إزاء الموقف السعودي، خصوصًا أنها المرة الأولى التي يعلن فيها السعوديون في اجتماعات برلمانية إقليمية اعتراضهم على الدور الأردني في القدس الشريف، وأكدت مصادر أردنية أن الطراونة، وضع سلطات بلاده ومسؤولين كبارًا بصورة ما حدث.
يأتي هذا الخلاف الدبلوماسي الذي انطلق من اجتماعات الاتحاد البرلماني العربي، ليتزامن مع حادثة اعتقال السلطات السعودية للملياردير الأردني الذي يحمل الجنسية الفلسطينية ويعتبر الصديق المقرب من العاهل الأردني الملك صبيح المصري، حيث وأرجع العديد من المراقبين هذا الاعتقال إلى أن الرياض بدأت إجراءاتها العقابية اقتصاديًا ضد عمان من باب الجنسية السعودية التي يحملها المصري، وربط العديد من الخبراء اعتقال المصري، بالتهديدات التي سبق أن أطلقها السفير السعودي في عمان خالد بن فيصل، وأكد فيها أن التعرض لرموز بلاده لن يكون دون عقاب، وذلك على خلفية انتقادات وجهها إعلاميون أردنيون إلى القيادات السعودية.
بالتزامن مع النقاشات الحادة في اجتماعات الاتحاد البرلماني العربي، والأزمة التي خلقتها المملكة السعودية باعتقالها رجل الأعمال الأردني في الرياض، تأتي مجاهرة العديد من المسؤولين والإعلاميين الأردنيين بانتقاد الموقف السعودي من الاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة لإسرائيل، ليثير المزيد من الأزمات بين الطرفين، ويصعد الخلافات بشكل كبير، وأغضبت هذه الانتقادات الشعبية والرسمية الأردنية الدبلوماسية السعودية، خاصة بعد أن أعرب مسؤول أردني مقرب من البلاط الملكي، عن قلق بلاده البالغ من تجاوز السعودية الأردن في اندفاعها نحو تطبيع العلاقات مع إسرائيل والارتماء بأحضانها، وتقديم تنازلات فيما يتعلق بملف اللاجئين الفلسطينيين بما يعرض استقرار المملكة الهاشمية ومركزها للخطر كحارس للأماكن المقدسة في القدس، وتابع المسؤول أن “الأردن بات مستهدفًا علنًا من السعودية، وأن عمّان لا تدفع ثمن موقفها من القدس وحسب، وإنما على ما يبدو فهناك سعي لتصفية شاملة في الحسابات”، وفي الوقت نفسه رفع العديد من المتظاهرين الغاضبين شعارات تندد بالموقف السعودي المتخاذل بشأن القدس، ومحاولات المملكة التطبيع مع الاحتلال بخطوات متسارعة.
بقلم : هدير محمود
ارسال التعليق