بين الدوحة وأوتاوا.. معالم دبلوماسية الابتزاز
بقلم: ماجد محمد الأنصارياستهلت السعودية منذ بداية عهدها الجديد نهجاً دبلوماسياً جديداً مختلفاً عن ما عرفت به سابقا. كانت المملكة دائماً تلعب لعبة الدبلوماسية الدولية عبر توظيف قوتها الناعمة وتأثيرها لدى القوى العالمية والإقليمية لتحقيق أجندتها.
اليوم تتحرك السعودية بسياسة صلبة ولكنها غير مدعومة بمتطلبات هذه الصلابة، تستنفد السعودية اليوم رأس مالها السياسي لدى العديد من الدول، التي طالما نجحت بدفعها نحو أجندتها باستخدام العطاءات المادية والمعنوية، عبر الابتزاز المباشر.
من الدوحة إلى بيروت وعواصم أفريقية وآسيوية عدة وانتهاءً بأوتاوا تنشر الرياض انطباعاً بأنها غير معنية بأعراف الدبلوماسية الدولية ولا بالمصالح الاستراتيجية لها أو لحلفائها، هذه السياسة سيكون لها تبعاتها ليس على الرياض وحسب ولكن على منظومة العلاقات بين المنطقة والعالم.
يمثل النزاع مع كندا منعطفاً خطيراً بالنسبة للرياض، فالغرب بشكل عام معتاد على طبيعة النزاعات العربية كما اعتاد على توجيه رسائل لا يسمع لها حيال حقوق الإنسان. الجديد هو أن الرياض تريد أن تمارس نفس الابتزاز الذي مارسته على قطر ولبنان وغيرهما في نزاعها المفتعل مع كندا.
وهذه سابقة لها توابعها لأنها اضطرت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى التضامن مع كندا من خلال المطالبة بما طالبت به، ما يعني أنه سيتعين على صانع القرار في الرياض، والذي لا يشي سلوكه السابق بمرونة، أن يتعامل مع أزمة دبلوماسية واسعة.
وحتى إن لم يصل الأمر إلى ذلك الحد يكفي الرياض أنها سلطت الأضواء على ممارساتها الدبلوماسية ما استدعى استعراضاً لسلوكها السابق في أوساط لم تكن مهتمة لا بالأزمة الخليجية ولا غيرها.
البحث في سبب ردة الفعل العنيفة للرياض على "التغريدة" الكندية سيذهب بنا إلى تقارير تناولت مطالبات سعودية سابقة لكندا بترحيل معارضين سعوديين والتوقف عن منح اللجوء لمواطنيها الأمر الذي رفضته كندا حسب ذات التقارير، ويبدو أن البيان الكندي المطالب بالإفراج عن سمر بدوي كان القشة التي قصمت ظهر البعير السعودي.
ولو اكتفت الرياض ببيان استنكار كما هو معتاد لرحلت الأزمة قبل أن تبدأ ولكن التصعيد السعودي الذي وصل إلى حد مشابه للإجراءات مع قطر اضطر الحكومة الكندية إلى إعلان موقف واضح تجاه الرياض رغم عدم استيعابهم لحدة الإجراءات تجاههم.
غير المفهوم في هذه الأزمة هو استخدام الرياض المتكرر لذات أدوات الابتزاز التي لم تتحقق معها أهدافهم في السابق، والأدهى والأمر في هذه الحالة هو أن المتضررين كانوا حصراً المواطنين السعوديين الدارسين في كندا والذين يتلقون علاجهم هناك.
أولئك وجدوا أنفسهم في ورطة بخسارة ما قضوه من وقت وجهد سواء في إطار التحصيل العلمي أو العلاج مع عدم وجود بدائل واضحة تغطيهم، وفي الوقت نفسه تعلن الحكومة السعودية عن استمرار شحنات النفط بشكل طبيعي إلى كندا ما يصل بنا إلى نتيجتين:
- النتيجة الأولى هي أن الرياض غير معنية بالضرر الواقع على مواطنيها في سبيل مغامرتها السياسية،
- النتيجة الثانية هي أن السبب الخفي خلف التصعيد السريع لهذه الأزمة هو التعامل مع مشكلة لجوء مواطنين سعوديين مع كندا من خلال إيقاف الابتعاث لها وربما تدريجياً منع المواطنين السعوديين من زيارتها.
لا شك أن الرياض أرادت كذلك إيصال رسالة لكل من يتعامل معها أنها لن تتساهل مع النقد من الخارج كما لا تتساهل معه في الداخل، ومن خلال هذه الرسالة العنيفة ستمتنع، كما تعتقد الرياض، بقية دول العالم عن انتقادها مخافة ردة فعل مشابهة.
لكن المخيال السياسي الغربي لا يقبل بفكرة الابتزاز خاصة بهذا الشكل الفج ومن هكذا دولة لذلك يمكننا توقع مزيد من "الاستفزاز" للرياض، وعلى الرياض أن تستوعب أن هذا النزيف الدبلوماسي الذي يصيبها لا يمكن أن ينتج عنه إلا إضعاف لموقفها الدولي والإقليمي.
ارسال التعليق