التدهور الاقتصادي وغلاء الأسعار يجبران عائلات أردنية على مغادرة السعودية
ما زالت الآثار السلبية للقرارات السعودية على المغتربين الأردنيين مرشحة بالاستمرار، حيث تهدد الأوضاع المعيشية التي باتت صعبة، رزق آلاف العائلات الأردنية التي سافرت إلى “بلاد الأحلام” لكسب عيشها، الأمر الذي أثر على عائدات المغتربين التي بلغت 3.2 مليار دولار، بعد أن كانت تصل إلى نحو 4 مليارات دولار سنويا.
فقد أثارت بيانات رسمية بشأن تراجع مضطرد في أعداد العمالة الأجنبية بالقطاع الخاص بالسعودية، مخاوف أردنية بشأن العاملين هناك، في ظل فرض إجراءات مشددة ورسوم إضافية على المقيمين وعائلاتهم، وتوجه الكثيرين منهم للعودة إلى بلادهم.
يأتي ذلك إثر سلسلة من الإجراءات المالية فرضتها السعودية، واستهدفت العمالة الوافدة التي منها الأردنية، على إثرها عادت آلاف العائلات إلى الأردن، والعدد مرشح للارتفاع بمرور الوقت، وقد شهد الأردن في غضون الأشهر الأخيرة، عودة تلك العائلات، إذ لا يكاد يمضي يوم إلا ويعود مغترب أردني بصورة نهائية إلى المملكة.
وفي ظل “تفنيش” العائلات الأردنية من السعودية إلى بلادهم بـ”الجملة”، تجد تلك العائلات نفسها أمام معضلة الأوضاع الاقتصادية السيئة التي تعيشها البلاد أصلا. فمعظم الأردنيين العائدين ليسوا مستثمرين أو أصحاب رؤوس أموال، ولن يستطيعوا إنشاء مصانع أو شركات، إنما هم أطباء ومهندسون ومقاولون ومدرسون وموظفون يمتلكون خبرة، وسيبدؤون فورا عملية البحث عن عمل في الأردن، في حين تشهد المملكة ركودا اقتصاديا غير مسبوق.
وبدأت السعودية التي تحتضن نحو 430 ألف أردني مغترب، بعملية استبدال العمالة الوافدة بعمالة سعودية تحت عنوان “سعودة” الوظائف، وذلك بعد إعلان وزارة العمل بالمملكة أنها ستلحق مليونا و300 ألف سعودي بسوق العمل.
كما فرضت الرياض رسوما على العمالة الأجنبية ومرافقيها، وأعلنت البدء بتطبيقها بواقع 100 ريال سعودي، أي 26.6 دولارا عن كل مرافق، ليرتفع الرسم الشهري إلى 200 ريال، أي 53.3 دولارا في 2018، و300 ريال أي 80 دولارا في العام اللاحق له، و400 ريال، أي 106.6 دولارات بحلول 2020.
وحسب دراسة لمنتدى الاستراتيجيات الأردني حول المغتربين الأردنيين في دول الخليج، فإن 61.4% من مغتربي الأردن يعملون بالسعودية، في حين يعمل 14.1% منهم بالإمارات، و12.5% في قطر.
ورغم أن جميع هذه الإجراءات باتت تؤثر بشكل كبير على المغتربين الأردنيين، إلا أن بعضهم آثر البقاء هناك لكن دون عائلاتهم، فقد أعادوا زوجاتهم وأولادهم إلى بلادهم بهدف التخفيف من رسوم المرافقين. فقد أكد مغتربون أن الاغتراب لم يعد مجديا في ظل الأعباء المالية الإضافية التي فرضت عليهم، خاصة الرسوم على المرافقين، فقد دفع هذا الإجراء تحديدا بأرباب أسر، إلى التفكير جديا بترتيب عودة عائلاتهم إلى الأردن لتجنب دفع الرسوم، وبالرغم من صعوبة المسألة، إلا أنها تبدو الخيار الأخير الذي يجعل من الغربة أمرا مجديا.
مغتربون: الاغتراب لم يعد مجديا في ظل الأعباء المالية خاصة الرسوم على المرافقين
أما بالنسبة للمهددين بفقدان وظائفهم جراء عمليات الهيكلة، وإحلال العمالة الوطنية محل الوافدة، فإن الوضع أكثر صعوبة وتعقيدا، في ضوء الأوضاع الاقتصادية الحالية بالأردن، وشح فرص العمل وتدني الأجور.
حيال ذلك، أكد عامر سيف وهو مهندس، على أن “شركات كبرى بالسعودية تواجه صعوبات اقتصادية أدت للاستغناء عن خدمات كثير من موظفيها الأردنيين”. وقال سيف لـ “أردن الإخبارية” إن “كثير من المؤسسات توقفت عن دفع الرواتب لمستحقيها نتيجة الأزمة الاقتصادية، ما دفع المغترب الأردني إلى العودة للأردن بصورة نهائية أو إعادة أفراد أسرته، على أن يبقى هو هناك توفيرا للمصاريف وتفاديا لدفع رسوم المرافقين”.
لكن سيف الذي عاد من السعودية للاستقرار في الأردن، استدرك قائلا ، “رغم أن هذا التخطيط في ظاهره ناجح، إلا أن فتح بيتين واحد في الأردن للعائلة والآخر في السعودية للمغترب نفسه، رتب التزامات مالية مضاعفة، عوضا عن غياب رب الأسرة عن أبنائه، وهو ما شكل ضغطا على الأم وخلق المشاكل الأسرية بين الأولاد المراهقين والأم بغياب الأب”.
وكان ليوسف جابر الطبيب المغترب في السعودية، رأيا وجيها، فقد رأى أن “عودة العائلات للأردن سيكون له مردود إيجابي على الاقتصاد، مع الزيادة المتوقعة في تحويلات المغتربين للوفاء باحتياجات أسرهم ونفقاتها المعيشية”.
وقال جابر الذي قرر العودة إلى الأردن نهائيا، إن “ما كانت تنفقه العائلة كاملة في بلاد الغربة على التعليم والعلاج وتأمين مستلزمات المعيشة، سيدخل دورة الاقتصاد المحلي وقد ينسحب ذلك أيضا على القطاع العقاري، حيث تشتري العائلة منزلا لتعيش فيه”.
بينما اعتبر الممرض خليل الفقيه، أن “القوانين السعودية اضطرت الأردنيين العاملين هناك، إلى فصل عائلاتهم عنهم، فالأب مغترب والأم والأولاد في الأردن، وهذا ما دعا إلى ظهور مشاكل وعوائق أمام العائلة واجتماعها”.
وقال الفقيه الذي يزور عائلته التي أعادها إلى الأردن، وبقي وحيدا في السعودية، إن “من المشاكل البارزة التي باتت تظهر على سطح تلك العائلات، الضجر بين أفراد العائلة، ما تسبب في قلق الأم وعدم مجاراتها لوحدها على تربية الأولاد في غياب الأب، الأمر الذي تسبب في تسيب بعض الأولاد وانفلاتهم من عين الرقابة الأبوية، بالتالي وقوع المشاكل الأسرية التي لم تكن من قبل”.
مازن مرجي: المخاوف من عودة المغتربين الأردنيين من السعودية موجودة منذ سنوات لكنها تزايدت مؤخرا”.
ووفقا لبيانات رسمية أردنية، فإن 785 ألف موظف أجنبي أُنهيت وظائفهم في القطاع الخاص بالسعودية، خلال 15 شهرا منذ مطلع 2017، في حين تراجع عدد الموظفين الأجانب إلى 7.71 مليون فرد نهاية الربع الأول من 2017، مقابل 8.495 مليون نهاية 2016، في المقابل، صعد عدد الموظفين السعوديين إلى 1.76 مليون مع نهاية الربع الأول من 2017، مقابل 1.68 مليون في 2016.
إلى ذلك، أشار الخبير الاقتصادي مازن مرجي، إلى أن “المخاوف من عودة المغتربين الأردنيين من السعودية، موجودة منذ سنوات لكنها تزايدت مؤخرا”. وقال مرجي لـ”أردن الإخبارية” إن “تراجع أسعار النفط بالإضافة إلى إجراءات السعودة، انعكس على المغتربين الأردنيين العاملين في السعودية سلبا”. ولفت إلى أن “الإجراءات بحق الأردنيين في السعودية باتت أكثر صعوبة، حتى أن بعضهم في الآونة الأخيرة لم يتسلم راتبه، فاضطروا إلى طلب مصاريفهم من ذويهم في الأردن”.
وختم مرجي القول بأن “عودة المغتربين سيشكل ضغطا وانتكاسة كبيرة على الاقتصاد المحلي، الذي يعاني أصلا من مصاعب كثيرة أبرزها التباطؤ في النمو، علاوة على التسبب بازدياد نسب البطالة التي وصلت إلى مستويات مرتفعة في الأردن”.
ارسال التعليق