3 سيناريوهات إسرائيلية لتجميل سمعة السعودية
بقلم: ممدوح عبدالعظيم:
3 سيناريوهات طرحتها إسرائيل وعواصم عربية أخرى خلال الأيام القليلة الماضية عبر قنوات دبلوماسية وسياسية لإخراج القيادة السعودية من أزمة اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي.
السيناريوهات الثلاثة تناولتها الصحافة الإسرائيلية وتستهدف إنقاذ حليف قوي لمخطط التطبيع وتنفيذ ما يُعرف بـ"صفقة القرن".. وتجميل وجه السعودية التي باتت معزولة ومنبوذة دولياً.
وتشمل السيناريوهات الثلاث.. إطلاق مُبادرة جديدة للتطبيع مع إسرائيل مقابل تحرّك واسع وضغوط تمارسها إسرائيل لوقف التوجهات الدولية التي تفرض عزلة على المملكة. فيما يقوم السيناريو الثاني على تقليص صلاحيات وظهور ولي العهد السعودي خلال الفترة القادمة لتهدئة الرأي العام العالمي. فيما يدعو السيناريو الثالث إلى إجراء إصلاحات حتى لو كانت شكلية ترضي الداخل والخارج وتوحي بأن السياسة السعودية تتراجع عن حالة الفوضى والتخبّط التي تعيشها المملكة خلال السنوات القليلة الماضية، ويتضمّن السيناريو أيضاً الذي يتردّد بقوة وطرحته دول عربية عبر رسائل واتصالات دبلوماسية إنهاء الحرب في اليمن وإطلاق الحريات وإطلاق سراح آلاف المعتقلين السعوديين، وإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية وفي مقدّمتها المخابرات السعودية، فضلاً عن حل الأزمة الخليجية التي لطّخت سمعة المملكة ومجلس التعاون.. ليقدّم النظام السعودي دليلاً ملموساً يُقنع العالم بإنهاء مرحلة الطيش أو ما يُسمى "التحفيص السياسي" الذي مارسه ابن سلمان بالمنطقة.
يركز السيناريو الأول على إنقاذ سمعة المملكة والتي تحوّلت بين ليلة وضحاها إلى دولة مارقة تتعامل مع المعارضين على طريقة "المافيا" وتستخدم قنصلياتها كساحة للتعذيب والقتل الوحشي.. وذلك عبر إطلاق مبادرة سلام جديدة بين الفلسطينيين والإسرائيليين تغازل الغرب والفلسطينيين معاً ، وتبدّد فكرة قيادة المملكة مسيرة التطبيع مع الإسرائيليين على حساب الحقوق الفلسطينية وتروّج لمفهوم السعودية الراعية للسلام بالمنطقة.
هذا السيناريو بدأ فعلياً عبر تصريحات وزير الخارجية السعودي عادل الجبير التي أطلقها خلال مؤتمر صحفي على هامش مؤتمر «حوار المنامة» قبل أيام حينما أكد أن عملية السلام لابد أن تكون مفتاحاً لتطبيع العلاقات مع إسرائيل.
الاستعانة بإسرائيل
بيد أن الاستعانة بإسرائيل لغسيل سمعة السعودية في هذا التوقيت مهمة صعبة.. ففي مقال نشرته صحيفة يديعوت أحرنوت العبرية تقول «شيمريت مئير» الخبيرة إسرائيلية في شؤون الشرق الأوسط : إن أحد المتضرّرين الكبار في الولايات المتحدة من القضية هو جارد كوشنر، صهر ترامب، الذي عوّل كثيراً على ابن سلمان، واستثمر جهوداً كبيرة في بناء وتطوير العلاقات بين إسرائيل والسعودية، لتكون أساس «صفقة القرن».
وقللت شيمريت من احتمالات وقوف ابن سلمان بعد أزمة خاشقجي خلف الصفقة، وقالت: «إن ماكينة الدعاية القطرية ستنقض على الفرصة لتصوّره القائد الذي باع فلسطين».
وعن الموقف الإسرائيلي، قالت: ابن سلمان توعّد بأنه لن ينسى من وقف إلى جانب المملكة أثناء الأزمة ومن تخلى عنها، وعلى الأغلب إسرائيل ستكون في الشق الجيد من هذه المعادلة.
وأضافت إنها تعتقد أن إسرائيل يجب أن تحافظ على السريّة بشأن العلاقات مع السعودية وتبقيها علاقات عملية في الحاضر. "لا أعتقد أن هناك دولة أخرى في العالم تسعى لتسويق علاقاتها مع النظام السعودي (بعد أزمة خاشقجي). يجب على إسرائيل أن لا تكون استثناءً في هذا المشهد".
قلة الموهبة
في تقرير آخر نشرته يديعوت أحرنوت يرجّح أن ابن سلمان لن يَفرض بعد الآن «صفقة القرن» الخاصة بترامب على الفلسطينيين، كما أن قلة الموهبة السعودية (التي تتجسّد في تنفيذ العملية المتهاونة لإخفاء خاشقجي) تعني أن إسرائيل، في الواقع، ستبقى وحدها في المعركة ضد الإيرانيين، ويتبيّن أن التصريح العلني لنتنياهو الذي أطلقه في الكنيست بشأن التقارب مع الدول العربية، سيؤجل حتى يفلح ابن سلمان في تثبيت عرشه.
الإعلام القطري
ويؤكد تقرير نشرته نفس الصحيفة العبرية قبل أيام أن قضية خاشقجي ما زالت في العناوين بفضل ماكينة الإعلام القطرية والتركية.. وابن سلمان لن يكون نفس الشخص بعد الأزمة، والسعودية لن تكون نفس السعودية.
وأضافت الصحيفة: إن قضية خاشقجي تأبى أن تهدأ بسبب الماكينة الإعلامية القطرية والتركية التي تكتب عن القضية من دون انقطاع، وتؤثر في الإعلام الأجنبي الذي أصبح كذلك يتابع القضية بصورة مكثّفة ومتواصلة كأنها مسلسل درامي .
وأكدت أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يحاول في الوقت الراهن إعادة الأمور إلى مجراها ليسوّق للعالم أن القضية مجرد أزمة، بدءاً من مصافحة ابن سلمان لنجل خاشقجي وتعزيته، مروراً بمشاركته في المؤتمر الاقتصادي في الرياض وظهوره منفرجاً هناك.
وقالت: حتى لو تجاوز ولي العهد السعودي الأزمة وحافظ على منصبه، لن يكون نفس الشخص قبل الأزمة، والسعودية لن تكون نفس السعودية.
وأضافت: واحدة من نتائج الأزمة هي تراجع المكانة الدولية للمملكة وسمعتها، فإذا كانت دول الغرب تبرّر علاقاتها مع المملكة بالإشارة إلى المساهمة السعودية الكبرى في استقرار المنطقة، فهذا أصبح ادعاءً ضعيفاً.
وقالت: «الخطوات الضخمة التي استثمرها ولي العهد لتحسين صورة السعودية في العالم تهاوت، فالعالم لا ينظر إليها على أنها مركز للإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية في العالم العربي بعد الأزمة».
التحجيم والعزل
وتتحدّث الصحيفة العبرية عن سيناريو ثان يتضمّن تحجيم وعزل ولي العهد السعودي.. وتقول: استخدم ابن سلمان القوة بشكل غير مسبوق في التعامل مع ما أسمتهم "أعداء داخليين في المملكة، مثل أصحاب المليارات الفاسدين، نشطاء حقوق الإنسان، أو صحفيين جريئين جداً مثل خاشقجي، سعياً للتغلب على المعارضة أو تهديد وترهيب الآخرين.
وقالت: ربما تنجح طريقة العمل هذه، ولكن قد تحقق النتائج العكسية، كما نشهد في هذه الأيام.
وأضافت: بدأ مسؤولون سعوديون في القصر الملكي يتحدثون عن أن ابن سلمان يُحدث أضراراً أكثر من الفوائد، وأن تسرّعه يشكّل خطراً على استقرار السعودية. السؤال هو: هل يملك هؤلاء المسؤولون القوة والجرأة للعمل ضد ولي العهد، طالما أن الإدارة الأمريكية تدعمه؟.
إن أكبر خطأ وقع فيه ابن سلمان كما تراه الصحافة العبرية هو عدم تقديره لتقلبات الإعلام الغربي الذي لا يستطيع شراءه.. تقول الصحيفة: ربما شاهد ولي العهد أفلاماً أمريكية كثيرة في صغره، ولعب كثيراً بألعاب الفيديو، ولكن بسبب نقص خبرته، أخطأ ابن سلمان في تقديره سرعة التقلبات في الإعلام الغربي.
وأضافت: عندما يعتاد الشخص على السيطرة بشكل تام على وسائل الإعلام متعدّدة الأذرع، بما في ذلك مواقع التواصل الاجتماعي، يبدو أنه من الصعب تقييم حجم الرد بشكل صحيح على اختفاء كاتب عامود في صحيفة «واشنطن بوست» (خاشقجي).
وقالت: بالطبع، نلاحظ في هذه الأيام حجم تورّط ولي العهد السعودي.. ففي الأيام الماضية أصبح يعتبر الأمير دكتاتوراً ومصدراً للخطر على السلام الإقليمي، بعد أن كان يُعد المثل الأعلى في العالم العربي، وبعد أن ظهرت صوره على أغلفة مجلات كثيرة، وبعد أن كُتِبت مقالات المديح والإطراء الكثيرة له.
وأكدت أن دماء خاشقجي لعنة تطارد المملكة.. تقول الصحيفة: قد ازداد أعداء السعودية، وباتت قنوات الإعلام القطرية هي العدو الأكبر، علاوة على ذلك، استغل الإيرانيون ومنتقدون يساريون الفرصة لشن هجوم ضد الإدارة الأمريكية.
رشاوى المملكة
بيد أن السعودية المتسرّعة لغسل سمعتها لا تتردّد في اللجوء إلى الرشى ودفع أموال طائلة لحكومات وأفراد لهذا الغرض.
فقبل أيام كشفت صحيفة نيويورك تايمز عن أن السعودية بدأت بعملية دفع مبالغ ضخمة للعديد من الدول، من أجل التغطية على مقتل الصحفي جمال خاشقجي داخل مبنى قنصليتها في إسطنبول.
فيما شنّت واشنطن بوست حملة شرسة ضد المملكة وقالت في تقرير ناري: «لن لن نترككم وسنطاردكم بالحقائق وليس بالمناشير ولا بالرصاص أو الرشاوى التي باتت في نظر السعودية طوق نجاة لسمعتها الدولية».
وأضافت: «هناك فريق صحفي غاضب لن يتركوا بقايا لحم على عظام نظامكم».
سيناريو إزاحة ولي العهد السعودي من الصورة تم طرحه بشكل واضح منذ الإعلان عن تفاصيل تصفية خاشقجي ووصل إلى مُطالبة علماء سعوديين معارضين بعزله. وقبل أيام وفي رسالة شديدة اللهجة من قلب البحرين حليفة الرياض المؤتمرة بأمر ولي العهد السعودي، أكد وزير الدفاع الأمريكي جيم ماتيس أن جرائم مثل قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي تزعزع استقرار منطقة الشرق الأوسط، مؤكداً أن بلاده ستتخذ إجراءات إضافية لمحاسبة المسؤولين.
وبعدها حمّل روبرت جوردان السفير الأمريكي الأسبق في السعودية، محمد بن سلمان تقريباً جميع الإخفاقات السياسية في السعودية خلال العامين الماضيين، بداية من الحرب الفاشلة على اليمن إلى الحصار المفروض على قطر وتدمير مجلس التعاون، وحبس الأمراء السعوديين والأوليغارشية (حكم الأقلية) في فندق ريتز كارلتون العام الماضي، واختطاف رئيس وزراء لبنان، والطرح العام المتعثر للمخزون في أرامكو السعودية، وسجن المعارضين اللاعنفيين المعتدلين، بما في ذلك النساء اللواتي أردن ببساطة الحق في القيادة، هذه بالكاد من الإنجازات التي تعزّز السيرة الذاتية للشخص الذي سيكون ملكاً. حيث يجب أن ينظر إلى مقتل خاشقجي المرعب في هذا السياق.
بيد أن القليلين فقط يتحمّسون لإمكان تنفيذ سيناريو الإصلاحات الواسعة من ابن سلمان لإنهاء الفوضى التي قادت المملكة إلى درجة وصفها بالدولة المارقة.
الإصلاح المفقود
يقول الكاتب الأمريكي جاكسون ديهل: إن مقتل الصحفي السعودي، جمال خاشقجي، وأد أحلام البعض من متابعي شؤون الشرق الأوسط ممن كانوا يعتقدون أن بإمكان رجل مثل هذا أن يُحقق الإصلاح، مؤكداً أنه لا يمكن لرجل قمعي أن يكون مُصلحاً.
ويضيف ديهل في مقال له بصحيفة «واشنطن بوست»: إن مقتل خاشقجي أثبت وبشكل مأساوي أن رأيه كان صحيحاً؛ فعلى الرغم من أنه لا تتوفر أدلة كافية على الحادثة فإن كل الدلائل تشير إلى أن الرجل قُتل بطريقة بشعة، وهو أمر لا يمكن أن يتم دون علم بن سلمان.
وقال: يكشف اغتيال خاشقجي أن الأوتوقراطيين (تكون السلطة السياسية بيد شخص واحد بالتعيين لا بالانتخاب)، لا يستطيعون محاربة الفساد أو تعزيز التحديث، فهم يُركّزون على القضاء على كافة المعارضين باستخدام أساليب تزيد من التطرف وتجعل الإصلاح الحقيقي مستحيلاً.
وأضاف: إن قتل خاشقجي يجب أن يُنهي أحلام البعض في إمكانية تحقيق الإصلاح من قبل رجل عنيف.
ارسال التعليق