عُمان وأطماع أبوظبي والرياض في المهرة اليمنية.. ما مآلات الصراع
تسير الإمارات والسعودية نحو تحقيق حلمهما في توسيع دائرة نفوذهما الإقليمي، عبر إحكام السيطرة على المنافذ البحرية الواقعة على الخليج العربي وخليج عدن، دون اعتبار لما يمكن أن يتمخض عن هذه التحركات من أزمات قد تهدد علاقاتهما بجيرانهما.
وتعتبر محافظة المهرة إحدى أكبر المحافظات اليمنية، والأكثر حيوية فيها، ومنذ بداية الحرب تحاول الرياض وأبوظبي السيطرة على موانئها وبناء قنوات نفطية عبرها، كبديل عن مضيق هرمز، فيما يصف السكان وسلطنة عمان هذه التحركات بـ"الاحتلال الجديد".
التحركات السعودية الإماراتية المشبوهة في تلك المحافظة الحدودية المستقرة منذ اندلاع الأزمة اليمنية أثار حفيظة مسقط التي ترى في ذلك فتحاً لنافذة نحو إحداث القلاقل وتصدير الأزمات للداخل العُماني.
أهمية المهرةمحافظة المهرة هي المحافظة الأكثر عزلة في اليمن، وقد نجت حتى الآن من ويلات الحرب التي شهدتها معظم مناطق البلاد منذ مارس 2015، إلا أنها تواجه حالياً اضطرابات عديدة نتيجة صراع على النفوذ الجيوسياسي حولها يشمل كلاً من السعودية والإمارات وسلطنة عُمان.
ومنذ سبعينيات القرن الماضي تعتبر مسقط محافظة المهرة امتداداً طبيعياً لمحيط أمنها القومي، إلا أن الرياض في العقود التي تلت سعت لبناء خط أنابيب نفطي يعبر المحافظة باتجاه بحر العرب؛ فيما لم تبرز اهتمامات أبوظبي بالمهرة إلا مع تفجر النزاع الحالي في اليمن.
وتطل هذه المحافظة على أحد أهم المضايق البحرية في المنطقة، وهو مضيق هرمز، الذي يفصل بين مياه الخليج العربي من جهة ومياه خليج عُمان وبحر العرب والمحيط الهندي من جهة أخرى، ويمر منه 40% من نفط العالم المنقول بحراً، ومن ثم فإن من يسيطر على هذه المحافظة يبسط نفوذه الكامل على هذا الممر المائي ذي الأهمية الاستراتيجية الهائلة.
وسعت كل من السعودية والإمارات، تحت مظلة تدخلهما العسكري المستمر في اليمن، إلى حماية مصالحهما الخاصة في المهرة، وقوبلت الجهود التي بذلتها الدولتان بالرفض في النهاية، بسبب المعارضة المحلية للتدخل الأجنبي.
نفوذ مسقط في المهرةتستند سلطنة عُمان في تحركاتها داخل المهرة إلى أرضية مهيأة للنجاح؛ ذلك أن علاقاتها بالسكان المحليين وزعماء القبائل هناك موغلة في القدم، وتُعَدّ ورقة رابحة في صراع النفوذ مع السعودية.
ويعود النفوذ العُماني في المهرة إلى ستينيات القرن الماضي وما قبل ذلك، ولكن الدولة القوية التي كانت تسيطر على جنوب اليمن، قبل الوحدة، لم تكن تساعد مسقط على توطيد علاقاتها الاجتماعية والثقافية مع محافظة المهرة كما هو الوضع الآن.
ويَعبُر التقارب بين عُمان والمهرة الحدود في الماضي والحاضر، لأن التلاقي الثقافي والاجتماعي يمتد بين الدولة والمحافظة بحدود برية طولها 288 كيلومتراً.
والمهرة صديقة لعُمان، وحدث ما يشبه التداخل في الهويات بين أبنائهما، وحصل عدد كبير من زعماء قبائل المحافظة على الجنسية العُمانية العام الماضي.
وفي سياق سباق النفوذ داخل المهرة، ليس هناك من ورقة تناور بها عُمان سوى التأييد الشعبي الكبير لها في المحافظة، والاعتماد على أصدقائها من زعماء القبائل والقادة المحليين.
خيارات عُمانيةويقول الأكاديمي العُماني المتخصص بالشؤون الاستراتيجية عبد الله الغيلاني: إن "المهرة تعد أمناً قومياً بالنسبة للسلطنة، لأنها المنطقة الفاصلة بين عُمان وسائر اليمن الذي يمر بحالة احتراب وتمزق، خاصة أن مسقط استثمرت في هذه المدينة خلال السنوات الـ40 الماضية؛ عبر البنية التحتية والتنمية ولديها علاقات استراتيجية مع القبائل فيها".
ويرى "الغيلاني"، في تصريح لـ"الخليج أونلاين"، أن هناك صراعاً مكتوماً بين السعودية والإمارات، خصوصاً أن "الوجود العسكري يعد أمراً قائماً، ولكن مسقط لديها جملة من الخيارات، إذ إنها أكثر رسوخاً قبلياً وشعبياً في المهرة".
وأشار إلى أن تحوُّل المهرة إلى منطقة احتراب ومواجهات عسكرية وقتال سينعكس بشكل سلبي على الداخل العُماني، خصوصاً أن قبيلة المهرة المتمركزة في المدينة وكبرى القبائل بتلك المنطقة لديها امتداد في ظفار العُمانية.
وبخصوص أي دور للسلطنة في حل الأزمة اليمنية، يعتقد الغيلاني أنّ "عُمان تبدو مستعدة للجمع بين الحوثيين والسعوديين، فسبق أن جمعت بين الحوثي وخصومه في العاصمة مسقط عدة جولات حوار، لكنها لم تخرج بشيء ملموس".
وقابلت مسقط التحركات السعودية الإماراتية بصدور مرسوم من سلطان عُمان قابوس بن سعيد، قضى بمنح الجنسية العُمانية لأسرتي سلطان المهرة الشيخ عيسى بن عفرار، ومستشار الرئيس اليمني ورئيس أول حكومة في دولة الوحدة اليمنية حيدر أبوبكر العطاس، بالإضافة لمنحه الجنسية لـ69 شخصاً من أبناء الأسرتين.
عُمان واليمن ويرى المحلل السياسي العُماني عوض بن سعيد أن أي عبث بالجغرافيا بمدينة المهرة "اليمنية" له تأثير على الأمن الوطني لسلطنة عُمان، مشيراً إلى وجود تداخل قبلي كبير بين المهرة ومحافظة ظفار العمانية.
وأكد بن سعيد، في حديث سابق لـ"الخليج أونلاين"، أن بلاده لديها سياسة وصفها بـ"المستقلّة التي لا تنقاد فيها وراء الآخرين"، مضيفاً: "سياسة عُمان واضحة واكتسبت احترام المجتمع الدولي".
وأشار إلى أن السلطنة "ترفض المغامرات العسكرية غير المحسوبة، والتي تؤدي إلى مآسٍ إنسانية، كما يحدث الآن في اليمن الشقيق".
وأكد وجود خلافات حول حرب اليمن، موضحاً أن "الخلاف حول الرؤية في شن الحرب على اليمن؛ لأن السياسة الخارجية للسلطنة تدعو إلى أهمية الحوار وحل الخلافات بالطرق السلمية، واليمن الشقيق هو جار لعُمان".
صراع بالوكالةويقول الباحث في العلاقات الدولية الدكتور عادل عبد المغني: إن "السعودية والإمارات اعتمدتا في صراعهما في المهرة مع عُمان على قوات أمنية إماراتية في المهرة، وهي ما تعرف بقوات (النخبة المهرية)".
وأكد "عبدالمغني"، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أن السعودية استخدمت أوراقها بالضغط على الرئيس اليمني لتغيير محافظ المحافظة السابق، في إشارة إلى إقالة محمد عبد الله بن كده في نوفمبر 2017، والذي عزت الرئاسة اليمنية حينها سببه إلى أنه وقف في وجه الوجود السعودي في البلاد، وعيّن مكانه راجح باكريت الذي تربطه علاقات وثيقة مع الإمارات.
وأضاف: "حرب السعودية لم تتوقف عند ذلك، بل أجبرت السلطة المحلية بالمهرة إلى رفع الرسوم الجمركية على العديد من الواردات، في أغسطس 2018، بنسبة 80%، وصدرت تعليمات تقضي بعدم قبول المستندات الجمركية الصادرة في منطقة التجارة الحرة العُمانية في محاولة منها للقضاء على التجارة الحدودية مع اليمن".
وأشار إلى أن تلك التحركات قابلتها مسقط بورقتها الوحيدة، من خلال استخدام الاحتجاجات المناهضة لوجود السعودية والإمارات في المهرة، حيث تربطها علاقات واسعة مع الكثير من قبائل المحافظة.
وأوضح أن الصراع في المهرة لا يزال في بدايته، وأن "إصرار أبوظبي والرياض على السيطرة على هذه المدينة اليمنية سيجعل الأمر يتطور إلى صراع قبلي، حيث ستستخدم كل دولة نفوذها وأموالها لضرب الطرف الآخر، والذي قد يصل إلى استخدام القوة من جميع الأطراف، ويكون اليمني هو ضحية صراع الدول في أرضه".
وحتى الآن يقتصر رد فعل أبناء المهرة على المطالبة السلمية بمنع استحداث مواقع عسكرية تحاول السعودية بين الفينة والأخرى إنشاءها في مناطق مختلفة من المحافظة.
ارسال التعليق