اكتتاب أرامكو: حتى لا يكرر ولي عهد آل سعود أخطاءه
التغيير
أرامكو، شركة النفط الأكبر في العالم، التي تبلغ كلفة إنتاجها، سواء الأدنى في مجالها وسمعتها هي سمعة شركة جيدة الإدارة، نفذت يوم الخميس الاكتتاب الأكبر، ولكنه لا يزال أدنى جداً من قيمة السوق بمبلغ 2 تريليون دولار – مثلما سعى ولي عهد آل سعود بن سلمان لأن يحققه.
التطلع الذي حرك العملية كان واضحاً: ولي عهد آل سعود محمد بن سلمان، توقع أن يزوغ بصر المستثمرين في ضوء الاحتياطات الغنية للشركة، والكلفة المتدنية والأرباح الهائلة، ولكن هؤلاء لم يقتنعوا بجموعهم.
بعد أن جندت 25.6 مليار دولار يوم الخميس –وهكذا هزمت “علي بابا” التي جندت 25 مليون دولار في 2014 – أفادت الشركة بأن سعر سهمها المتوقع هو 32 ريال سعودي (8.53 دولار). في مثل هذا المستوى، فإن القيمة السوقية للشركة ستكون 1.7 تريليون دولار، وستتجاوز القيمة السوقية لـ “أبل” التي هي اليوم الشركة ذات القيمة السوقية الأعلى في العالم، وسيبدأ التداول بالسهم في البورصة المحلية “تداول”، في 11 كانون الأول.
0.5 في المئة من أسهم الشركة، نحو ثلث إجمالي الأسهم التي عرضت للاكتتاب (3 مليار سهم)، عرضت على مواطني الجزيرة العربية– كمية غير مسبوقة مقارنة باكتتابات سابقة في مجالها، وتخطط أرامكو لمنح أرباح بمبلغ 75 مليار دولار للمستثمرين حتى 2024، خمسة أضعاف أكثر من الأرباح التي توزعها “أبل”.
عراقيل في الطريق
الاكتتاب الذي اقترحه بن سلمان في 2016، تأجل عدة مرات بعد أن امتنع مستثمرون أجانب من تقويم القيمة بـ 2 تريليون دولار التي قصدتها حكومة آل سعود وخطة إجراء الاكتتاب الذي جرى في منتصف تشرين الأول تأجل هو أيضاً بعد أن لاقى اهتماماً فاتراً فقط من المستثمرين. واعتمدت حكومة آل سعود ضمن أمور أخرى على المستثمرين من المؤسسات المحلية للمشاركة في شراء 1.5 في المئة من أسهم أرامكو. وقالت مصادر لـ “رويترز” إن أرامكو كفيلة بأن تحقق خيارات تزيد حجم التجنيد إلى 29.4 مليار دولار.
التغييرات المناخية والمخاطر السياسية وعدم الشفافية، كلها أدت إلى ابتعاد المستثمرين الأجانب عن الاكتتاب، بحيث اضطرت المملكة لترك تطلعاتها لتجنيد 100 مليار دولار من خلال بيع 5 في المئة من أسهم الشركة لمستثمرين دوليين ومحليين. ومع ذلك، حتى وفقاً لقيمة سوق بمقدار 1.7 تريليون دولار، تردد المستثمرون الدوليون. وفي أعقاب ذلك، ألغت أرامكو العرض في نيويورك ولندن، وركزت على بيع 1.5 في المئة من أسهم الشركة لمستثمرين محليين ودول الخليج المجاورة.
إضافة إلى ذلك، فإن المستثمرين في اكتتاب أرامكو يتوقعون على ما يبدو ارتفاعاً في الطلب على النفط، مع أن توقعات المحللين هي للانخفاض في الطلب ابتداء من 2025، على خلفية المطالبة بتخفيض انبعاث غازات الانحباس الحراري والارتفاع في استخدام السيارات الكهربائية.
وتقول مونيكا مالك، الاقتصادية الرئيسة في بنك أبو ظبي التجاري، إن “المبلغ المجند متواضع نسبياً مع حجم الاقتصاد ومتطلبات التمويل للمدى المتوسط من أجل السماح بالتغيير في المملكة وفك الارتباط عن النفط. ومع ذلك، فإن دمج هذه الأموال مع التمويل من قطاعات أخرى سيخلق، برأينا، مالاً كبيراً سيسمح بالاستثمارات التي تحتاجها السعودية كي تنوع اقتصادها”.
لقد دفعت حكومة آل سعود بقوة أكبر نحو تنفيذ الاكتتاب، بعد هجوم الحوامات على منشآت تصفية النفط لأرامكو في أيلول، والذي أدى إلى انهيار في إنتاج النفط في الدولة بمعدل 50 في المئة بشكل مؤقت. وقالت مصادر ضالعة في الموضوع إن سلطة الاستثمارات في أبو ظبي والكويت، وهما صندوقان حكوميان للاستثمار في الخليج، خططا للمشاركة في الاكتتاب. أما الشركات فرفضت التعقيب.
السوق ستقرر السعر
لقد ركزت معظم التحليلات التي نشرت قبل الاكتتاب على القيمة السوقية المتوقعة لأرامكو. وحسب معهد واشنطن الذي يختص بتحليل السياسيات في الشرق الأوسط، فبلا صلة بإرادة ولي العهد، فإن السوق هي التي ستقرر السعر في نهاية الأمر، ولا سيما بعد أن يبدأ تداول الأسهم في البورصات الأجنبية، وليس في السعودية نفسها. مهما يكن من أمر، فإن سعر السهم الأعلى من ذلك ليس أمراً مؤكداً.
وفقاً لتحليل المعهد، فإن قسماً من أرباح الاكتتاب سيستثمر خارج المملكة، وإن كان اختيار شركات رائدة أثبت نفسه بالنسبة للرياض، لقد خسرت المملكة حتى الآن على الاستثمار بمبلغ 4 مليار دولار التي استثمرها صندوق اكتتابها في أوبر، إضافة إلى ذلك، فإن دعمها لصندوق استثمارات سوفت بنك الياباني يبدو مشكوكاً فيه في ضوء فشل اكتتاب فيفراك مؤخراً، والتي يستثمر فيها سوفت بنك مبلغاً كبيراً.
يوصي العديد من محللي نظام آل سعود ولي العهد بأن يعرض اكتتاب أرامكو كانتصار، ومع أن السعوديين الشباب وأسرة أصحاب الأعمال يؤيدون الكثير من التغييرات التي أجراها، بما في ذلك منح النساء حق السياقة والتسهيل على السياح الذين يرغبون في زيارة المملكة، ثمة أيضاً جوانب سلبية في سلوك الأمير.
إن الحرب الطويلة وباهظة الثمن في اليمن تثقل على نظام آل سعود كما أن الضرر الذي لحق بسمعة الأمير بسبب قتل الصحافي السعودي جمال جاشقجي في إسطنبول السنة الماضية لا يساعد. فقد قال بول ستيفنز، العضو في شاتهام هاوس، بمعهد بحوث في لندن، إنه “لا يمكنه أن يسمح لنفسه بفشل آخر، فالناس يشككون بقدرته وبأفكاره”.
وحسب ستيفنز وغيره من المحللين، فإن وضع سعر الاكتتاب عند 2 تريليون دولار كان خطأ فادحاً لأنه حدد سقفاً ستعد كل قيمة أدنى منه فشلاً.
ارسال التعليق