التلغراف: ابن سلمان خاض "مغامرة".. والمملكة الآن في خطر
التغيير
نشرت صحيفة "التلغراف" البريطانية تقريرا أعده "إد كلاوز"، اعتبر فيه أن مملكة آل سعود بدأت حرب أسعار النفط "وها هي المملكة بكاملها في خطر"، مذكرا بـ"تهور" ابن سلمان وما اشتهر به من ممارسات جعلته يحمل لقب "أبو رصاصة".
ولفت الكاتب إلى أن القرار بخوض تلك "الحرب" جاء بعد سلسلة من الخطوات "المتهورة" التي اتخذها محمد بن سلمان بشكل يضع آل سعود أمام مستقبل مجهول.
وتطرق "كلاوز" إلى بدايات ابن سلمان، عندما كان مجرد أمير مجهول من بين آلاف الأمراء، قبل أن يصبح وليا للعهد.
وفي بداية شبابه حاول محمد بن سلمان مراكمة قدر ما يستطيع من الثروة، وكان الطريق الأقصر للغنى أمام أمراء الخليج هو العقارات، وحاول ابن سلمان ذلك بالفعل مع بداية الألفية الثانية، فيما عكست تلك التجربة طبيعة شخصيته.
وتوضح الصحيفة أن ابن سلمان حاول الحصول على قطعة أرض من رجل أعمال بمدينة جدة كان مترددا في بيعها، ولكن "الأمير" ذهب مباشرة إلى القاضي المسؤول عن تسجيل الأراضي وضغط عليه لكي يوقع عقد الشراء بدون موافقة صاحب الأرض، لكن القاضي رفض لأن ما سيقوم به غير قانوني، فما كان من ابن سلمان إلا أن أرسل له رسالة وفيها رصاصتان، ولهذا صار يعرف بـ"أبو رصاصة".
وأصبحت القصة، بحسب "كلاوز"، رمزا لطبيعة ابن سلمان المتهورة والغاضبة، وهي صفات يقول الخبراء إنها لن تخدم الحاكم الفعلي للسعودية التي تواجه أخطر أزمة لم يسبق أن مرت عليها.
وباتت أحلام إقامة مشاريع عملاقة مثل المدينة الكبيرة "نيوم" على شاطئ البحر الأحمر محطمة، وكذا رؤية 2030، التي وصفها الكاتب بـ"الحلم الكبير" لإصلاح اقتصاد ووقف تبعية المملكة للنفط والتي كان يأمل ابن سلمان أن تكون جوهرة "إنجازاته".
ونقل الكاتب عن مايكل ستيفنز، محلل شؤون الشرق الأوسط في المعهد الملكي للدراسات المتحدة "أعتقد أن رؤية 2030 قد توقفت بشكل أكثر أو أقل" و"أعتقد أنها انتهت". وأضاف أن مملكة آل سعود تواجه "أصعب الأوقات التي تمر عليها وبالتأكيد أصعب فترة منذ بداية عهد محمد بن سلمان".
وأشار كلاوز إلى سلسلة من إجراءات التقشف التي أعلنت عنها المملكة الأسبوع الماضي وكرد على الدمار الاقتصادي الذي جلبه كوفيد-19. وقالت الحكومة إنها سترفع ضريبة القيمة المضافة على البضائع والخدمات إلى 15 بالمئة. وفي الوقت ذاته قطعت برامج المساعدات لموظفي الحكومة ووضعت برامج مساعدات أخرى للمواطنين السعوديين قيد المراجعة.
كما لفت إلى تصريحات وزير المالية السعودي محمد الجدعان، الذي قال: "نواجه أزمة لم يشهد العالم مثلها في تاريخه الحديث"، مضيفا أن الإجراءات التي اتخذتها مملكة آل سعود "مفيدة وضرورية للحفاظ على استقرار اقتصادي ومالي شامل".
وتقدر الحكومة أن هذه الإجراءات ستضيق أزمة العجز في الميزانية بـ 100 مليار سعودي أي 3.2 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.
وينقل الكاتب عن "جيسون توفي"، الاقتصادي البارز في الأسواق الصاعدة، قوله إن هذه الإجراءات وإن لم تؤد لسد العجز بالميزانية لكنها قد تحد من الأثر السيء الذي تسببت به أسعار النفط المتدنية.
وتقول كارين يانغ الباحث المقيمة في معهد "أمريكان انتربرايز" إن هدف هذه الإجراءات هو فهم النفقات العامة في المملكة، وتقول: "يعني التقشف في مملكة آل سعود التحرك نحو سياسة مالية مستدامة: تخفيض النفقات على المشاريع الكبيرة والخدمات الإجتماعية بما فيها المخصصات للعناية الصحية والمنافع ومحاولة تخفيض فاتورة القطاع العام".
وتضيف: "كان هذا سيحدث في وقت ما لكن الأزمة المزدوجة من كوفيد-19 وانهيار أسعار النفط عجلت بحدوثها".
وفي ضوء انهيار أسعار النفط، توقعت المملكة في آذار/مارس توسع العجز في ميزانية 2020 بـ 61 مليار دولار أو 8 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، وتشغل الدولة نسبة 70 بالمئة من القوة العاملة فيما يعتمد القطاع الخاص على عقود من الدولة، وهو ما يعني أن أي أثر على موارد الدولة يترك تداعيات ضخمة على الاقتصاد بشكل عام.
ويرى كلاوز أن معظم المصاعب التي تواجهها البلاد اليوم نابعة من حرب الأسعار مع روسيا التي لم تقم على تفكير وأعلن عنها في آذار/مارس.
وزاد البلدان من معدلات الإنتاج بعد انهيار الإتفاق المتبادل بينهما. وتزامن هذا مع الضربة المدمرة التي تعرض لها الطلب العالمي ونجمت عن القيود العالمية على السفر والتصنيع، ونتيجة لذلك خسر نفط برنت الخام نصف قيمته في أقل من شهر، بشكل أضعف الموقف المالي السعودي. ورغم الاتفاق بين البلدين على تخفيض معدلات الإنتاج إلا أن عملية الإغلاق العالمي تعني أن الطلب على النفط ظل منخفضا بشكل أثر على مستوى سعر النفط الخام.
ويقول الكاتب إن فيروس كورونا سيترك أثره على الاقتصاد السعودي بسبب النظرة القاتمة للاقتصاد العالمي، وينقل عن مصرفي في الخليج قوله: "يبدو الوضع المالي مخيفا وقد يقود إلى تدهور سريع في الميزان المالي بشكل يؤكد الفرص الضائعة خلال العشرين عاما الماضية لتنويع الاقتصاد" وأضاف: "لن يعود أبدا سعر برميل النفط إلى 80 دولارا".
إلا أن البلد لا يواجه أزمة مالية بالمعنى التقليدي كما تقول يانغ "فهي أزمة في النموذج الاقتصادي السعودي والذي تقوم فيه الدولة بتوليد كل النشاط الذي يعتمد على موارد النفط". وتضيف أن "القطاع الخاص ظل ضعيفا في مملكة آل سعود وأصبح الآن واهنا بسبب انخفاض الاستهلاك".
وهناك قضية رئيسية في الأزمة وهي سعر عملة آل سعود بالنسبة للدولار، والذي كان عاملا تجاوز الأزمة بعد الأزمة، بحسب الكاتب.
وساعد تقدير سعر النفط والغاز بالدولار وربطه بالعملة المحلية دول الخليج على تجاوز أسوأ مراحل التقلب التي شهدها سوق الطاقة وسمحت للبنوك المركزية بجمع احتياطات أجنبية قوية.
إلا أن هذا له سلبياته، فعندما انهار سعر النفط في آذار/مارس تم محو 27 مليار دولار من احتياط العملة الأجنبية بمملكة آل سعود، أي انخفاض بنسبة 5 بالمئة. ويقوم المضاربون اليوم بشن تحد ضد ارتباط آل سعود بالدولار، وهي تشبه الأزمة المالية الآسيوية في تسعينات القرن الماضي والتي أجبرت دولا مثل تايلاند وكوريا الجنوبية على التخلي عن سعر صرف عملاتها بالنسبة للدولار.
ويتم تداول الريال السعودي منذ بداية الأزمة المالية في أدنى مستوياته أمام الدولار. ويقول توفي إن أزمة التقشف قد تساعد على تخفيض قيمة الريال "لقد ناقشنا أن السلطات ستختار طريقة تعزيز الوضع المالي من أجل التكيف مع أسعار نفط متدنية بدلا من التخلي عن ربط العملة بالدولار".
ارسال التعليق