
النجدنة: سياسة آل سعود في الاستحواذ على البلاد
استحوذ آل سعود على القرار السياسي والمالي، ورسّخوا سياسات التفرقة الطائفيّة والعنصرية في الحجاز التي كانت مقصداً لجميع الناس على اختلاف انتماءاتهم، وأيضاً في عموم بلاد شبه الجزيرة العربية. في المقابل استحوذت نجد على النصيب الأكبر من اهتمام آل سعود، ذلك أن سياسة النجدنة قديمة، بدأت مع تأسيس "السعودية"، لتأخذ نجد الحظ الوافر من التنمية، فكانت الأكثر تمدّناً بالمقارنة مع المناطق الأخرى في البلاد.:مع العلم أن نجد كانت آخر من أسلم في الجزيرة العربية، إذ سبق وأسلم:قبلها كل من البحرين (الخط وهجر وأوال)، ثم أسلم أهل عمان، واليمن، والحجاز. وللإشارة إن:مسجد جواثى في الأحساء ثاني مسجد شُيّد في تاريخ الاسلام.:
يعتمد آل سعود لاستمرار نظامهم حتى الآن بالدرجة الأولى على النفط الموجود حالياً في القطيف والأحساء، وأيضاً على المقامات الدينية الموجودة في الحجاز، وتحديداً::في مكة والمدينة حيث توجد الكعبة الشريفة وضريح النبي محمد (ص) وجمع من الصالحين. وبالتالي لولا هاتين المدينتين لما قامت الدولة "السعودية" الحالية بمراحلها الثلاثة حتى الآن، فالمقدسات الإسلامية في الحجاز هي ما جعلت "السعودية" تتصدر بمرحلة ما زعامة العالم الإسلامي باسم الإسلام، وفي مرحلة ما قبل النفط شكّل الحج المورد الاقتصادي الأساسي للنظام السعودي. وبعد اكتشاف النفط في القطيف والأحساء أو ما يُعرف بالمنطقة الشرقيّة، استفادت "السعودية" من مردوده المالي لتصبح محط أنظار واهتمام الدول الكبرى.
في العودة إلى الوراء، كان آل سعود قبيلة مشرّدة في صحارى شبه الجزيرة العربية لا يملكون شيئاً لولا اكتشاف النفط واستغلال المقدسات الإسلامية. إذاً نجد هي من تدين للحجاز والشرقية وعموم مناطق شبه الجزيرة العربية وليس العكس كما يزعم آل سعود الذين قسّموا المناطق والأهالي إلى طبقات، وصنّفوهم طبقات أولى وثانية وثالثة وعاشرة، وقد استعانوا على ذلك بالخطاب الطائفي التحريضي الذي يثير التفرقة والاقتتال بين الشعوب.
فرض آل سعود ضرائب باهظة الثمن على الحجاج لتحصيل أكبر دخل ممكن من الحج سنوياً، لم يكتفوا بذلك بل فرضوا جزية على أهالي القطيف والأحساء الذين لم يعترف آل سعود بأنهم مسلمون، فقد ورد في مصادر تاريخية أن احتلال الأحساء والقطيف في العهود السعودية حصل بهدف اقتصادي. ذلك أنه في الدولة "السعودية" الاولى كان ما يجبى من الأحساء والقطيف من زكوات يفوق جميع المناطق الأخرى التي خضعت لحكم الوهابيين. تحدّث عن ذلك ابن بشر في معرض تقديراته للزكوات المجبية، وكذلك مؤلف كتاب لمع الشهاب الذي قال: "إن الزكاة المجيبة من مناطق الشيعة الاحساء والقطيف بلغت ستمائة ألف ريال، في حين لم تزد زكوات بادية نجد عن 400 ألف ريال، والحجاز 200 ألف ريال، و رأس الخيمة وعمان 270 ألف ريال.. وهناك محاصين الأملاك في الاحساء ونجد الحاضرة 300 ألف ريال".
بالإضافة إلى المصادرات والزكوات، فرض آل سعود آنذاك نظاماً يقضي بموجبه أن يدفع الأهالي الشيعة تحت مسمى "الرقيبة، أو "الجهادية" وتعطى معنى واحداً هو "الجزية" بالنظر إلى أن الشيعة غير مسلمين. ولكن آل سعود كانوا حريصين على عدم تسميتها بالجزية، وإنما ضريبة الخددمة العسكرية. لم يكن الوهابيون يصنّفون الشيعة من الكفرة كي يدفعوا الزكاة، وقد كان هذا النظام معمولاً به حتى نهاية العشرينات الميلادية من القرن الحالي.:
رد آل سعود بتدمير الحجاز، إذ عمدوا إلى هدم الأحياء السكنية التاريخية، وهدموا المزارات الدينية وأضرحة الصالحين، ودمروا الأبنية التراثية، في مسعى لاجتثاث الجذور التاريخية لهذه المنطقة التي غزاها السعوديين. في المقابل جرى بناء الفنادق الفارهة التابعة لملكية أفراد من آل سعود. بعد تشريد أهالي الحجاز من منازلهم، والأحياء التي يسكنون فيها. هذا عدا عن إنهاء الدور العلمي والثقافي الذي كانت تتمتع فيه الحجاز والقطيف والأحساء ما قبل استيلاء آل سعود على الحكم، إذ طاردوا العلماء والمتعلمين وهدموا الدور التعليمية والدينية. والهدف من ذلك كله هو إنهاء التاريخ وإعدام الذاكرة الشعبية لإحلال واقع آخر فرض بقوّة السيف والنار على الشعب.
:استأثر آل سعود بالحكم بعد الاستيلاء على جميع مناطق شبه الجزيرة العربية، وعمدوا إلى نجدنة البلاد، بتعظيم دور نجد وتقديمها على المناطق الأخرى على مختلف المستويات، لا سيما من خلال حصر التعيينات العسكرية لأهالي نجد حصراً، ثم التعيينات الإدارية في مختلف مؤسسات الدولة فيما بعد. فرضوا الزي الذي يناسب آل سعود، حدّدوا العلماء، وأسماء الشوارع لإضفاء الطابع النجدي على البلاد بشكل تام على حساب تهميش المناطق الأخرى.
لم يكتف آل سعود من كل الجرائم التي ارتكبوها في القطيف والأحساء والحجاز بل لا تزال سياسة القمع مفروضة على عموم المناطق في البلاد، ولا يزال الهدم والتاريخ مستمر لا سيما في مكة والمدينة والقطيف والأحساء. لكن أمام هذا الواقع لا بد للأهالي في الحجاز والقطيف والأحساء من المطالبة بحقوقهم من السعوديين لأن الحقوق تنتزع ولا تعطى، بما في ذلك التمثيل العادل للشعب في المؤسسات الرسمية وفي القطاعات الإنتاجية، وأن تحصل جميع المناطق على نفس القدر من التنمية فليس من المقبول أن تبقى القطيف والأحساء مناطق محرومة على مختلف المستويات وهي أغنى منطقة لناحية بالموارد الطبيعية وخاصة النفط الذي يقوم عليه النظام السعودي حتى الآن.
ارسال التعليق