عقدة بحث #جو_بايدن عن إرث يخلّده
بقلم: د. عبد الله خليفة الشايجي/ أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت…
بالتأكيد أن «هدف الرئيس بايدن بعد نصف قرن في العمل السياسي-سناتور ورئيس لجنة الشؤون الخارجية ورئيس لجنة الشؤون القضائية-احتواء ومواجهة صعود الصين كقوة عظمى والتصدي لأطماع وتوسع وتهديد روسيا بوتين للأمن الأوروبي واستنزاف روسيا في أوكرانيا وقيادة القوى الغربية في النظام العالمي المتعدد الأقطاب قيد التشكل.
وتخليد إرثه بالانتصار على الخصوم الإستراتيجيين روسيا والصين، ومنع تحول إيران في عهده لدولة نووية، وتحقيق اختراق تاريخي بالتطبيع بين السعودية وإسرائيل بتأثير أهم من اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل في عهد الرئيس كارتر عام 1979.
تبقى عقدة الرئيس بايدن كحال جميع الرؤساء الأمريكيين الستة والأربعين من جورج واشنطن حتى جو بايدن على مدى 247 عاماً هي عمر أمريكا، في تخليد إرثهم بإنجازات تدخلهم في قائمة الرؤساء العظام والكبار.
قاد الرئيس واشنطن ثورة وحرب الاستقلال عن بريطانيا العظمى، وصاغ الرئيس جيفرسون مع الآباء المؤسسين أول دستور مكتوب في تاريخ البشرية، ودشن الرئيس مونرو كما أوضحت في الجزء الأول من كتابي مبادئ رؤساء الولايات المتحدة- أول مبدأ حقيقي للرؤساء بجعل أمريكا اللاتينية الحديقة الخلفية للولايات المتحدة الفتية ليبني على مبدئه الرؤساء من بعده. و
الرئيس ثيودور روزفلت أو رئيس قرن القوة الناعمة للدبلوماسية مع القوة العسكرية لقوة أمريكا الصاعدة بمبدئه «تكلم بلطف واحمل عصا غليظة». وكان الرئيس ودرو ويلسون صاحب مبادرة «عصبة الأمم» بتأسيس أول منظمة عالمية لحل النزاعات بطرق سلمية وقدم النقاط 14 وحق تقرير المصير، لكن الكونغرس المحافظ رفض المصادقة على انضمام الولايات المتحدة لعصبة الأمم عام 1920- ما ساهم بفشل عصبة الأمم بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية.
وقاد الرئيس فرانكلين روزفلت أمريكا في أحلك ظروفها في حقبة الفساد الكبير في ثلاثينيات القرن العشرين وفي الحرب العالمية الثانية ونجح مع خليفته نائبه ترومان في هزيمة النازية والفاشية في أوروبا والإمبراطورية اليابانية في آسيا.
وألقى الرئيس ترومان أول رؤساء الحرب الباردة بين الغرب بقيادة الولايات المتحدة والشرق بقيادة الاتحاد السوفياتي قنبلتين نوويتين في نهاية الحرب العالمية الثانية على مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين.
وقتل ربع مليون مدني بريء، ليسرع إنهاء الحرب العالمية الثانية ويختبر قدرات السلاح النووي في جريمة حرب مكتملة الأركان ويدشن عصر السلام الأمريكي "باركس أميركانا" Pax-Americana.
تأثر رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية في مرحلة الحرب الباردة (1947-1991) من ترومان إلى ريغان وجورج بوش الأب- بدءاً بالرئيس ايزنهاور أول رئيس- بخلفية جنرال عسكري في خمسينيات القرن العشرين وقائد القوات الأمريكية في أوروبا في الحرب العالمية الثانية باستقطابات المعادلة الصفرية والمواجهة مع الاتحاد السوفيتي ضمن إستراتيجيات الاحتواء والتعايش والمواجهة في معاقل السوفييت والشيوعية من أوروبا إلى آسيا وأفغانستان، إلى أفريقيا وأمريكا اللاتينية.
قاد ترومان وايزنهاور تشكيل النظام العالمي بعد الحرب العالمية الثانية- بإنشاء مؤسسات ومنظمات دولية لقيادة ما عُرف «النظام العالمي الجديد ما بعد الحرب العالمية الثانية» وقيادة الولايات المتحدة «للعالم الحر» بإنشاء الأمم المتحدة والنظام الاقتصادي- المالي العالمي من رحم اتفاقية بريتون وودز- بإنشاء الغرب البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في نهاية الأربعينيات.
وإنشاء حلف شمال الأطلسي- الناتو-الحلف العسكري الأقوى في التاريخ- الذي يواجه روسيا في أوكرانيا وأوروبا اليوم. وأجهزة الاستخبارات CIA- وأجهزة استخبارات العيون الخمسة (أمريكا- بريطانيا- كندا- أستراليا ونيوزيلندا) للتنسيق والتعاون الأمني- ضمن الحرب الباردة لاحتواء ومواجهة الاتحاد السوفيتي والشيوعية.
والتي نجح الرئيس ريغان ومعه الرئيس بوش الأب في هزيمتها وسقوط الاتحاد السوفيتي وتفككه لخمس عشرة جمهورية- وتدشين ما أطلق عليه الرئيس بوش الأب بعد تحرير الكويت من الاحتلال العراقي عام 1991- «نظام عالمي جديد» بانتصار الغرب الديمقراطي-الرأسمالي التعددي على الشيوعية والنظام التسلطي والحزب الواحد.
ولهذا يفاخر الغرب وحلف الناتو «انتصرنا دون إطلاق رصاصة واحدة» في مواجهات مباشرة. بل عبر حروب بالوكالة واستنزاف امتدت حول العالم بما فيه منطقتنا-الشرق الأوسط في حروب العرب وإسرائيل.
ويجد الرئيس بايدن نفسه اليوم في بحث محموم عن إرث وتحقيق اختراق تاريخي بضمان هزيمة وإنهاك روسيا إستراتيجياً في أوكرانيا واحتواء الصين وعرقلة وتأخير صعودها على المسرح الدولي كأقوى لاعب يمكنه منافسة، بل انتزاع الزعامة العالمية من الولايات المتحدة الأمريكية عالمياً.
شرق أوسطياً يضع الرئيس بايدن أولوية برغم تراجع أهمية ودور منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط مع تراجع وانكفاء أمريكا عسكرياً ومعه الثقة بدورها كحليف أمني موثوق، بعد الانسحاب من أفغانستان والعراق وخفض عديد القوات في الخليج العربي والتباين مع السعودية حول ملفات النفط وأوبك+ والعلاقة مع روسيا والصين وإيران واليمن وحقوق الإنسان.
وخاصة نجاح وساطة الصين بإعادة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران، بعد قطيعة 7 سنوات وحرب باردة في المنطقة وفي عقر دار النفوذ الأمريكي التاريخي والتقليدي.
لذلك يبدي الرئيس بايدن شخصياً، الذي دخل دورة الترشح لفترة رئاسة ثانية ضد خصمه المتوقع دونالد ترامب من الحزب الجمهوري، حرصاً واهتماماً بتحقيق تطبيع بين إسرائيل والسعودية، تتوج مسيرته كصانع سلام وربما الحصول على جائزة نوبل للسلام- كحال رئيسه أوباما الذي نالها عام 2009.
لكن بالنظر للظروف القائمة ونهج حكومة نتنياهو الأكثر تطرفاً وعدوانية، وشروط السعودية للتطبيع بما يضمن حقوق ودولة للفلسطينيين وبرنامج نووي سلمي وضمانات أمنية شبيهة بما تقدمه أمريكا لأعضاء حلف الناتو، وعجز إدارة بايدن عن ممارسة ضغوط واقعية تلجم إسرائيل وتوقف الاستيطان وتدفع بمفاوضات فعالة للتوصل لحل الدولتين، لا يبدو واقعياً تحقيق اختراق وتطبيع تاريخي بين السعودية صاحبة المبادرة العربية في قمة بيروت 2002- وإسرائيل في المستقبل المنظور!
ارسال التعليق