ملامح أزمة اقتصادية سعودية
بقلم: ناصر العربي ...عندما خرج ابن سلمان للإعلام لأول مره في حوار مع تركي الدخيل في 25 أبريل من عام 2016 ، كان حديثه جازماً ومتفائلا جداً بالتحول الاقتصادي، أن المملكة لديها قدرات كبيرة وقادرة عن الاستغناء عن النفط وخلق وظائف جديدة وزيادة دخل الفرد وخلق حالة طفرة اقتصادية جديدة.
في هذا اللقاء تم تقديم محمد بن سلمان لأول مره كصاحب مشروع تنموي ورؤية اقتصادية بالمقام الأول، مع أن العارفين بالحد الأدنى من المعرفة الاقتصادية والسياسية أن هذا مستحيل وليس فقط شبه مستحيل، أي أن الدولة لا يمكن أن تستغنى عن مداخيل النفط تمشية أمور الدولة والتي في الغالب تختصر في أمرين رواتب الموظفين وتشغيل مؤسسات الدولة. هذا في حال أن أسعار النفط في أحسن أحوالها كما هو سعر السوق الآن فوق 70 دولار للبرميل الواحد. أما في حال نزول الأسعار فإن الدولة معرضة لأزمات مالية. فضلا عن عدم وجود أي مداخيل حقيقية للدولة غير النفط.
عهد محمد ابن سلمان، تم اعتماد ضريبة المشتريات كمصدر إضافي للدخل، ومع هذا يبدوا أن الدولة تواجهه أزمة اقتصادية جديدة وحادة.
أول ملامح هذه الأزمة، هو طلب الحكومة السعودية 16 مليار دولار من دولة الكويت لتمويل المشاريع وعلى رأسها نيوم. ثاني هذه الملامح، هو إعلان نيوم عن توقيع اتفاقية مع أهم المؤسسات البنكية والمالية في السعودية لأجل الحصول على تسهيلات مالية بقيمة 10 مليارات ريال. مع العلم أن هذه البنوك ذاتها وقعت " في وقتٍ سابق من عام 2023 بقيمة 23 مليار ريال بهدف إنشاء شركة نيوم للهيدروجين الأخضر، كما وقعت نيوم اتفاقية بقيمة 3 مليارات ريال لتمويل جزء من مشروع تطوير جزيرة سندالة وتجهيزها لاستقبال الزوار هذا العام." (صحيفة أرقام). ثالث ملامح هذه الأزمة، هو الإعلان عن تخفيض سداد غرامات المخالفات المرورية على مرتكبيها بنسبة 50٪. رابع هذه الملامح، هو الإعلان تقيم مشروع نيوم وتأجيل مشاريعه. أن المقرر لهذه المدينة الخيالية أن تكون بطول 170 كيلو متر وتتسع لمليون نسمة تحولت إلى 2.4 كيلومتر فقط بحلول عام 2030.
خامس ملامح هذه الأزمة، هو الإعلان عن عجز مالي في الميزانية المالية للربع الأول للسنة المالي.
ليست هذه فقط الملامح الأساسية للأزمة المالية، بل هي أكثر من ذلك، و يراها المواطن في القرارات الارتجالية لوزير المالية أو الأخبار التي تتسرب للصحافة الأجنبية. من أطرف الأمور أن وزير المالية يبحث عن توفير لمصروفات الدولة، فما كان منه في الشهر الماضي إلا الإعلان عن إعادة هيكلة رواتب المتقاعدين العسكريين وإعادة ضبطها وصرفها بالتاريخ الميلادي، لأن الميلادي سوف يوفر عليه صرف شهر. في المقابل أن وزير المالية ومحمد بن سلمان لا يرى كمية الصرف المالي والإنفاق على مشاريع هي حرق للثروات قبل كل شيء وهو بكل تأكيد دون أي جدوى اقتصادية.
عند مراجعه هذه الملامح الخمسة الأساسية نكتشف أن الدولة لديها خلل جلي وهو ظاهر لأي مواطن وهو أن الدولة مصروفاتها زادت في عهد محمد بن سلمان أكثر من المداخيل الأساسية (النفط، الضرائب). حيث مصروفات الدولة التقليدية هي (رواتب الموظفين +مصروفات تشغيل مؤسسات الدولة). اليوم هناك إنفاق ضخم طوال العام ودون مراقبة أو محاسبة على مشاريع لا حصر لها من صندوق الاستثمار والهيئات المستحدثة مثل الترفية والرياضة التي تتجاوز مصروفاتها مصروفات وزارة مثل التعليم والصحة. هذا الإنفاق الهائل الغير محسوب هو مؤشر حقيقي على رؤية محمد بن سلمان لإدارة الوطن، هو يريد أن تقوم هذه المشاريع السخيفة والتافهة والغير تنموية لأجل مزاجه الذاتي فقط. ويريد أن تكون هذه المشاريع تحت رعايته وحمايته.
فعلى سبيل المثال، في رؤيته للترفيه هو لا يريد أن يترك هذا الحقل للقطاع الخاص والجمهور الذي يخضع لمبدأ العرض والطلب. لكنه يريد أن تكون هذه المهرجانات مستمرة طوال العام منها ما هو محلي وإقليمي ومنها ما هو دولي. حتى أضحى الكثير من صناع المحتوى يعلمون أن هذه فرصة لا تعوض لجني القدر الأكبر من الربح، لأنه طال الزمن أو قصر سوف تنتهي هذه الحقبة بالإفلاس. وكذلك الرياضة، فهو لا يريد أن تتولى القطاعات المعنية بالرياضة بتولي هذه الحقل وإدارته حسب الإمكانيات المتاحة، بل أنه ورط هذا المجال بأن جعلها جزء من هيئات في أساسها غير معنية بالرياضية من الأساس لأنه يراد لها أن تتورط في الانفاق عليها بدل التركيز على ما وجدت من أجله مثل الهيئة الملكية للجبيل، ما علاقتها بنادي الاتفاق؟
في أخر المطاف، محمد ابن سلمان اليوم يبحث عن "كاش" مال حقيقي لإنقاذ المشاريع الأساسية التي وعد بها، وهو يلجأ للحل الأكثر بساطة بالنسبة له وهي جيب المواطن، والاقتراض من الجيران، والسطو على المؤسسات المالية المحلية بالقوة من خلال المشاركة في دعم نيوم، واخيراً وهو الأخطر إعلان عن العجز المالي في شفافية غير بريئة والتي تشير أنه ربما تقوم الحكومة خلال الفترة القادمة بطرح ضريبة الدخل على المواطنين أو ضرائب أخرى. لأن الحكومة في حالة أزمة مالية بسب ضخامة المصروفات ومحدودية الدخل. في حال عدم وجود برلمان حر يراقب مصروفات الحكومة ويحاسب لن يتوقف هذا العبث حتى نصل إلى حالة الإفلاس المالي والذي هو متوقع في ظل سياسات محمد بن سلمان المغرورة والطائشة والغير محسوبة. المواطن هو الحلقة الأضعف في هذه السلسة، فهو لا صوت له وليس لديه حق الاعتراض وليس لديه برلمان يحتج من خلال ممثلية.
ارسال التعليق