رؤية ابن سلمان 2030 في مأزق التغير المناخي
نشر مركز ستراتفور تقريرا تطرق فيه إلى أزمة تغيرالمناخ الذي يضع الحكومة السعودية أمام تحدي مضيها بتنفيذ مشاريع رؤية 2030. التحدّي الأساسي لن يكون افتقارها للمال الكافي لتغطية مضاعفات هذه الأزمة، من تضاعف تكاليف التبريد ومواجهة ارتفاع الحرارة وطول أمد فصل الصيف، لكن بأساليب هذه التغطية المالية التي ستكون مستجدة.
وفقا للتقرير الذي أعده المركز، فإن الحكومة التي تنوي أن تغير شكل العقد الاجتماعي مع سكان شبه الجزيرة العربية فتُشرك شيئا فشيئا الاطاع الخاص بدفع فاتورة المعيشة من كهرباء وماء وسواها من الخدمات، وقعت فعليا (الحكومة) بين مطرقة تخليها عن جزء من قبضتها على سيرورة البلاد الاقتصادية وبين سندان التخلي عن هذه الصلاحيات لجهات أخرى ما يهدد سلطتها في وجه من الأوجه؛ سيتم الاستطراد فيه في القادم من التقرير.
يذكر التقرير أن تكاليف هذا التحدي أصبحت واضحة وملومسة: فخلال موسم الحج لعام 2024، أكثر من 1300 حاج ماتوا بسبب الإجهاد الحراري في مكة المكرمة حيث ضربت موجة حر بلغت 125 درجة فهرنهايت، أو 50 درجة مئوية، المنطقة. وهذه الحادثة المميتة هي جزء من اتجاه أوسع، يتجاوز الحج إلى كل ركن من أركان البلاد، التي يجب ريها وتبريدها وتقويتها ضد أنماط الطقس غير المنتظمة بشكل متزايد. وهذه التدابير ليست رخيصة، والتكاليف الاقتصادية لتغير المناخ، أكثر من الوفيات، هي التي تشكل تحديًا للسعودية وتحولها الاقتصادي. أمام هضا سؤال يطرح نفسه فمن سيدفع الثمن المادي لهذا التبدّل؟
الإجابة المختصرة والحالية لهذا التساؤل هي "الدولة السعودية"، ولكن في نهاية المطاف، سوف تقوم الحكومة بتدفيع تكاليف تغير المناخ إلى أولئكالذين لا يملكون ثقلا سياسيا في البلاد، مما يؤدي إلى توسيع فجوة التفاوت، وزرع الانقسام، وتعزيز خطوط الصدع التي قد تندلع في شكل تحركات معارضة وعدم استقرار خلال فترات مستقبلية من الأزمة الجيوسياسية.
لتوضيح المشكلة المناخية المستجدة لا بد من القول أنه في حين أن معظم مناطق "السعودية" عبارة عن صحراء حارة، إلا أن هذا لا يعني أن درجات الحرارة فيها شديدة الحرارة على مدار العام. فمن الخريف إلى الربيع، تكون أجزاء كبيرة من البلاد مريحة وجذابة للسياح الهاربين من المناخات الأكثر برودة في أوروبا أو آسيا. وفي بعض الأحيان، تشهد السعودية فيضانات من الأمطار التي يمكن أن تشل المدن الكبرى مثل جدة. ولكن في ظل توقعات تغير المناخ الحالية، فإن صيف "السعودية" الطويل بالفعل سوف يزداد طولاً وسخونة، ويحل مكان الجزء الأكثر اعتدالاً من العام، في حين ستصبح أحداث الفيضانات النادرة حالياً أكثر تدميراً عندما تضرب المدن الكبرى.
وتتطلب هذه التحديات حلولاً تكنولوجية وبنية أساسية، وهي حلول متاحة نسبياً بالنسبة لدولة غنية مثل السعودية. والسؤال هنا لا يتعلق بالبقاء على قيد الحياة، بل يتعلق بتكاليف التكيف، وربما الأهم من ذلك، من سيدفع ثمنها.
يشير المركز إلى أن التحدي الفريد من نوعهال الذي تواجهه السعودية في مجال تغير المناخ ليس فقط لأن جغرافيتها الحارة تزداد حرارة، ولكن لأنه حتى عقد مضى، كانت إجابة الحكومة على سؤال الدفع دائمًا هي الدولة نفسها.حيث أن العقد الاجتماعي في "السعودية" يتضمن احتكار الحكومة للسياسة بينما يتمتع المواطنون بحياة اقتصادية واجتماعية بعيدا عن هذه التكاليف، لكن الرياض تدرك أن هذا العقد غير مستدام اقتصاديًا في عالم حيث قد يصبح صادراتها الأساسية، النفط، أقل جاذبية بينما ترتفع تكلفة الحفاظ على مستوى معيشة مواطنيها. وبالتالي، تهدف رؤية 2030 إلى تحويل البلاد إلى اقتصاد حيث تضمن قوى السوق مستوى المعيشة ، بدلا من الدولة.
يتابع التقرير بالقول أن قوى السوق ليست دائما ميسورة التكلفة أو مستقرة اجتماعيا حتى تتمكن دائما من تغطية هذه التكلفة بدلا عن الدولة. ففي الوقت الحالي، تدعم الحكومة الكهرباء والمياه للمواطنين والشركات السعودية، مما يمكنهم من الإفلات من التكلفة الاقتصادية الحقيقية لموجات الحر والصيف الحار بشكل متزايد. وكان هذا ولا يزال معيارا إقليميا. وتساعد مثل هذه الإعانات في الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين والمقيمين وشعورهم بالراحة الاقتصادية، وتساعد الشركات على توفير راحة مماثلة لموظفيها لجذب المواهب والاحتفاظ بها وأداء وظائف اقتصاد المعرفة. وعلى الرغم من هذه المزايا، تشير رؤية 2030 إلى أن المملكة العربية السعودية ستتبع خطى الإمارات العربية المتحدة وقطر من خلال التخفيف من دعم المرافق، مما يجعل السكان والمواطنين أقرب إلى تجربة التكلفة الحقيقية للصيف في البلاد. ومع ذلك، فإن السعودية تعاني من عيب ملحوظ مقارنة بجيرانها في متابعة هذا المسار.
وفي مقاربة مع جيرانها من الدول الخليجية التي تعاني من مشكلة طقس مشابهة، يعطي المركز مثالاً عن كيفية تعاطي الإمارات وقطر مع هذه المشكلة. في حين تهيمن العمالة الأجنبية على هذه الدول، والتي يمكن ترحيلها بسهولة استجابة لارتفاع تكاليف المعيشة، فإن التحول الاقتصادي في السعودية يعتمد على المواطنين الذين لا يملكون خيار أن يذهبوا إلى مكان آخر. لذلك، يجب على الرياض أن تجد طريقة لزيادة الأسعار على المواطنين دون إثارة الغضب الذي قد يؤدي إلى مطالب سياسية على "النظام الملكي".
يمكن للإمارات العربية المتحدةوقطر إجبار المقيمين الأجانب على تحمل التكلفة الاقتصادية لتغير المناخ لأن هؤلاء المقيمين ليس لديهم حقوق سياسية ولا يتوقعونها. في المقابل، قد يطالب المواطنون السعوديون بمزيد من السلطة السياسية إذا انخفض مستوى معيشتهم أو شهد حالة ركود.
وبالإضافة إلى ذلك، تهدف رؤية 2030 إلى تنمية اقتصاد السعودية وفقا للمُعلن، ومن المؤكد أن الاقتصاد الأكبر سيتطلب المزيد من الطاقة والمياه. أمام هذا الواقع المستجد سوف يتعين على السعودية استيراد تقنيات مواجهة درجات الحرارة المرتفعة جدا، نظرًا للقاعدة التصنيعية والتكنولوجية المحدودة في البلاد، بالطبع يجب على أحد أن يدفع ثمنها. وفي الوقت الحالي، تدفع الدولة السعودية ثمن العديد من هذه التقنيات، بشكل مباشر أو غير مباشر، إما من خلال ميزانيتها الوطنية أو صندوق الثروة السيادية. وعلى الرغم من أن السعودية تنوي أن تتولى السوق الحرة زمام الأمور في نهاية المطاف، فلا يوجد جدول زمني واضح لمتى سيتضاءل الدور المركزي للحكومة في تأمين هذه التقنيات.
وبالإضافة إلى ذلك، سوف يصبح تغير المناخ أكثر تكلفة. ومع تزايد طول فصول الصيف وارتفاع درجة الحرارة وتزايد تأثير الفيضانات، يتعين على البلاد أن تستثمر بشكل متزايد في البنية الأساسية للرد. ولا تشمل البنية الأساسية الضرورية محطات الطاقة لتوفير الكهرباء أو محطات تحلية المياه لتوفير المياه فحسب، بل تشمل أيضا المنازل الجديدة والمباني التجارية والمصانع المقاومة لمناخ مختلف. والحاجة الأخيرة وحدها تشكل مهمة ضخمة، حيث شيد البناة العديد من المباني في المملكة العربية السعودية دون النظر في تكلفة تكييف الهواء أو العزل، مما يشير إلى ضرورة التجديد الحضري على نطاق واسع. وعلاوة على ذلك، مع جلب العواصف الممطرة فيضانات مذهلة، وإن كانت نادرة، فسوف تضطر المدن إلى الاستثمار في القنوات والمجاري والقنوات التي تمزق الأحياء، وتعيد توجيه طرق النقل وتقلب المراكز التجارية القائمة إذا كانت تريد تجنب نسخها الخاصة من فيضانات دبي المدمرة في عام 2024.
مع مرور السنين، سوف تسعى السعودية بشكل متزايد إلى إيجاد سبل غير حكومية لدفع هذه النفقات وتعزيز الاقتصاد. وعلى وجه التحديد، سوف تسعى الدولة إلى تحميل السكان والسوق تكاليف تغير المناخ، ولكن يتعين عليها أن تحرص على القيام بذلك دون خلق مراكز سياسية جديدة لمعارضة النظام الملكي. على سبيل المثال، لا تستطيع السعودية رفع الدعم عن الكهرباء والمياه بسرعة عن السكان بالكامل دون المخاطرة بردود فعل عنيفة قد تتحول إلى عنف ومعارضة مستمرة. وبدلاً من ذلك، من المرجح أن تنفذ الرياض دعمًا مستهدفًا للحفاظ على أجزاء معينة من السكان معزولة عن تكاليف تغير المناخ.
ومن المرجح أن تدفع هذه الاستراتيجية الحكومة السعودية إلى تقديم إعانات موجهة للمواطنين من الطبقة العليا والمتوسطة والقبائل الحساسة سياسياً -دونا عن المواطنين الذين يعيشون في المناطق المهمشة أو الذين لا يملكون نفوذا سياسيا- والتي سوف تستمتع إما باستمرار نظام الإعانات القديم الباهظ التكلفة أو تعيش في ظل نظام جديد مصمم للتعويض عن تأثير إصلاح الإعانات.
وقد يكون لنظام الإعانات الجديد أيضاً أبعاد طائفية تستبعد الشيعة المحرومين سياسياً، وفقا ما يؤكده المركز. وسوف تشهد بعض الشركات التي تعتبر مستدامة اقتصادياً وغير المهمة سياسياً ارتفاع فواتيرها، في حين ستستمر شركات أخرى، وخاصة تلك التي لها صلات سياسية، في الحصول على إعانات الدولة. والأهم من ذلك كله، أن هذا يشكل ضمانة شبه مؤكدة بأن الأجانب سوف يُطلَب منهم دفع ثمن تغير المناخ أكثر من أي مجموعة أخرى، نظراً لوضعهم كعمال ضيوف في المملكة، وإن كانت التفاصيل لا تزال غير واضحة.
وبشكل عام، سوف يكون نمط الدعم هو نمط عدم المساواة، وهو ما من شأنه أن يعمق الانقسامات في المجتمع السعودي بين الطوائف والمناطق والطبقات الاقتصادية والمقيمين والمواطنين. وسوف تعطي الرياض الأولوية لحماية أولئك الأكثر ارتباطا بالشرعية السياسية للملكية من ثمن تغير المناخ في حين تهمل أو تفرض تكاليف على أولئك الذين يعتبرون أقل أهمية. وسوف يغذي هذا التفاوت القائم بالفعل والذي ينتج العنف العرضي والتطرف والاضطرابات، والتي تبرز إلى الواجهة خلال أوقات التوتر الجيوسياسي، مثل الربيع العربي، عندما أدت الانقسامات القديمة إلى انتفاضة شيعية مستدامة في "المنطقة الشرقية".
اتقريرالمركز يلفت إلى أنه "مع سقوط التكاليف الاقتصادية لتغير المناخ بشكل غير متساو على سكان السعودية على مر السنين، فإن هذه الانقسامات تخاطر بأن تصبح خطوط صدع تنفجر في الصدمات الجيوسياسية المستقبلية مما ينذر بمزيد من جولات العنف وعدم الاستقرار للمملكة التي تحاول بيع نفسها كملاذ من كليهما".
ارسال التعليق