السلطات السعودية وقعت في الأرجوحة
بقلم: تسفي برئيل...
لا مناص من ترقب متأهب لهجوم إيراني، ولكن حتى الآن لم يجعل حكومة إسرائيل وجهاز الأمن يعدان الجمهور لهذا الهجوم. البيانات، التي تشبه بياناً مسجلاً تنشره قيادة الجبهة الداخلية والذي بحسبه “لا تغيير في تعليمات الاستعداد”، لا تهدأ، وبالتأكيد لن تمنع المس بالمدنيين والمباني العامة والبنى التحتية.
يبدو أن المدنيين ومنظمات المتطوعين، كما الحرب في غزة، سيضطرون للعثور على حلول مستقلة لحماية أنفسهم. ستتهمهم الحكومة بالتأكيد بأنهم لم يتخذوا الوسائل المناسبة إزاء التهديد.
في الوقت نفسه، ليس من نافل القول التساؤل إذا ما كان يمكن تجنب المواجهة مع إيران لو دفعت الحكومة قدماً بعقد صفقة التبادل، واتخذت الخطوات المطلوبة لاستكمال عملية التطبيع مع السعودية ومعها حلف الدفاع بين أمريكا والسعودية الذي كانت إسرائيل جزءاً لا يتجزأ منه.
في المواجهة السابقة في نيسان الماضي، عندما أطلقت إيران آلاف الصواريخ والمسيرات، ظهرت الأهمية الاستراتيجية لمثل هذا الحلف. ودول المنطقة، مثل الأردن والإمارات والسعودية، تجندت بناء على طلب أمريكي، ووفرت معلومات استخبارية حاسمة، ومنحت إسرائيل والولايات المتحدة الحق في استخدام مجالها الجوي لاعتراض الصواريخ والمسيرات أثناء تحليقها.
يمكن التقدير بأنه لو تم التوقيع على مثل هذا الحلف الدفاعي رسمياً، لوقف تهديد إيران الحالي أمام تحد أكبر بكثير، لأن السعودية، ودولاً أخرى ربما، كانت ستسمح للجيش الأمريكي باستخدام أراضيها كقاعدة إطلاق للهجمات ضد إيران. ولكن هذا الحلف متجمد سياسياً، والهجوم المتوقع على إسرائيل لا يهددها وحدها، بل يهدد أيضاً دول المنطقة التي تعتمد على قدرة الردع والاستعداد للرد من قبل الولايات المتحدة.
هل ستوافق هذه الدول على التجند مرة أخرى للمساعدة على منع وإفشال هجوم إيران؟ الأردن يخشى من أن تصبح أراضيه وسماؤه ساحة حرب سيضطر فيها للمشاركة مرة أخرى. بعد الهجوم في نيسان، أظهر الأردن استعداده للتعاون مع أمريكا والسماح لفرنسا بوضع منظومات رادارات في أراضيه، لأن الصواريخ الإيرانية اخترقت أجواءه ومست بسيادته.
إن مشاركة الأردن في اعتراض الصواريخ والمسيرات الإيرانية اعتبر عملية دفاع عن النفس. ولكن الأردن أوضح أيضاً بشكل حازم بأنه سيفعل ذلك مع كل من يحاول المس بسيادته في المستقبل، أي أنه سيعمل أيضاً ضد إسرائيل أو أي طائرات لدول أخرى.
قبل يومين أرسل الملك عبد الله وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، في مهمة مستعجلة في اللحظة الأخيرة إلى طهران، ليطلب من قيادة إيران بأن لا تضع الأردن في امتحان مشابه. الصفدي الذي ندد باغتيال إسماعيل هنية وبشدة، ووصفه بأنه “جريمة فظيعة وخطوة تصعيد تشكل خرقاً للقانون الدولي ومساً بسيادة دولة”، عاد من طهران خالي الوفاض.
يبدو أن الأردن لن يجلس مكتوف الأيدي إذا اخترقت صواريخ إيران سماءه وتوجهت نحو إسرائيل. اعتماد الأردن على الولايات المتحدة جعله جزءاً لا يتجزأ من “حلقة النار” الإقليمية التي أقامتها واشنطن لصالح إسرائيل. ولكن هناك عدة مستويات للتعاون، بالتأكيد الاستعداد لمنع الهجوم، ولا سيما عندما يطلب من الملك أن يشرح لشعبه سبب الدفاع عن إسرائيل للمرة الثانية.
السعودية في الحقيقة ليست هدفاً مباشراً، وقد تساهم بنصيبها الاستخباري (الذي تأخر في المرة السابقة) في تشخيص إشارات مبكرة لهجوم إيران. يبدو أن السعودية تشعر بأنها محمية بسبب علاقاتها الغضة مع إيران، التي تم استئنافها في آذار 2023 بوساطة الصين، وبالأساس لأن إيران تعتبر العلاقات مع السعودية عنصراً رئيسياً في سياستها الخارجية الإقليمية. ولكن إذا أصبح هجوم إيران متعدد الساحات، وشاركت فيه امتداداتها في العراق واليمن ولبنان، فإن تعاون السعودية مع الولايات المتحدة قد يجعلها هدفاً لهجمات الحوثيين. زعيم الحوثيين، عبد الملك الحوثي، هدد قبل بضعة أسابيع بأنه لن يتردد في ضرب السعودية إذا استمرت في ضرب اقتصاد الدولة الحوثية من خلال تجميد نشاطات البنوك في صنعاء. للحوثيين مصالح وقواعد سلوك وحسابات مستقلة، غير ملزمة بالضرورة بإملاءات إيران. ولا ضمان لاستثناء السعودية من المواجهة إذا قرر الحوثيون بأنها جزء من “محور الشر” الأمريكي.
خلافاً لإسرائيل التي تلقت تعهداً أمريكياً علنياً وفعلياً بمساعدتها إذا تمت مهاجمتها، فلا وجود لأي تعهد مشابه للسعودية. ما زالت الرياض تحفظ تصريح الرئيس ترامب بعد هجوم الحوثيين على منشآت النفط السعودية في 2019، الذي قال فيه “لم أتعهد للسعودية بالدفاع عنها. علينا الجلوس مع السعوديين وتخطيط شيء ما. كان هذا هجوماً على السعودية وليس علينا، ولكننا سنساعدها بالطبع “.
بعد ذلك، أوضح ترامب بأن مساعدة كهذه سيكون لها مقابل. السعودية مثل كل دول المنطقة والعالم، ملزمة بأن تعد نفسها لاحتمالية عودة ترامب. وفي ظل غياب حلف دفاع مع الولايات المتحدة، فعليها فحص التزام الولايات المتحدة بمساعدتها، إذا تحولت نتيجة تعاونها في إحباط هجوم إيران المخطط له ضد إسرائيل، إلى هدف بحد ذاته.
تركيا، التي هدد رئيسها قبل أسبوع تقريباً بغزو أراضي إسرائيل، تشارك هي الأخرى في جهود دبلوماسية تقوم بها الولايات المتحدة منذ اغتيال إسماعيل هنية، من أجل تقليص حجم رد إيران. “يجب أن نكون أقوياء جداً، بحيث لا تستطيع إسرائيل فعل هذه الأمور المضحكة في فلسطين. ومثلما دخلنا إلى نغورنو قره باغ ومثلما دخلنا إلى ليبيا، نستطيع فعل أمور مشابهة لهم”، صرح اردوغان.
هذا تصريح استدعى رداً مضحكاً من قبل يسرائيل كاتس وزير خارجية إسرائيل، واستدعى أيضاً رداً غاضباً من أذربيجان التي نقل سفيرها في أنقرة، رشاد ممدوف، لنائب وزير خارجية تركيا غضب بلاده من هذا التصريح، في حين أن موظفاً رفيعاً في وزارة دفاع أذربيجان قال للمراسلين بأنه “لا أساس للادعاء بأن جنود دول أخرى كانوا مشاركين في حرب أذربيجان على أراضيها وسيادتها”.
القوات التركية لم تعمل في نغورنو قره باغ أثناء الحرب في 2020، لكن تركيا في هذه الحرب ساعدت القوات الأذرية بالسلاح والذخيرة فقط، وبالأساس المسيرات التركية. أما في ليبيا فكان تدخل تركيا مباشراً ونشطاً. قادة ومدربون أتراك ساعدوا الحكومة المعترف بها على العمل ضد القوات الانفصالية بشكل مباشر. في موازاة ذلك، أرسلت تركيا إلى ليبيا متمردين سوريين عملوا في إطار المليشيات التي تدعمها تركيا. ربما ينوي اردوغان إرسال هؤلاء المتمردين كقوة مهمات تركية ضد إسرائيل.
لكن إضافة إلى تصريحات أردوغان المدحوضة، وإعلان يوم حداد وطني على موت إسماعيل هنية، وإنزال علم تركيا إلى نصف السارية فوق مبنى السفارة التركية في تل أبيب، ما زالت تركيا مستمرة في سياسة المقاطعة الاقتصادية لإسرائيل، وأوقفت منذ بداية الحرب التعاون بين إسرائيل والناتو. وتمنع أيضاً أي لقاءات أو نقاشات مشتركة بين ممثلين إسرائيليين وقيادة الناتو.
أمس، أعلن وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، الذي يزور مصر، بأن تركيا ستنضم رسمياً إلى دعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية. ولكن مثلما حدث قبل الهجوم في نيسان، الذي حصلت فيه تركيا على معلومات مسبقة من إيران عن خطة الهجوم وحجمه، وطلبت منها واشنطن التأثير على طهران لتقليص حجم الهجوم، فهي تشارك هذه المرة أيضاً في الجهود الدبلوماسية إزاء إيران. حققت تركيا في الأسبوع الماضي إنجازاً دولياً مدهشاً، جعلها تحصل على ثناء واعتراف أمريكا بالجميل على دورها المهم في استكمال صفقة تبادل السجناء الكبرى بين أمريكا وروسيا، وهذه ليست المرة الأولى التي تظهر فيها تركيا القدرة على التوسط بنجاح في صفقات لتبادل السجناء أو الأسرى، أو في صفقات دولية مثل اتفاق الحبوب الذي بادرت إليه واستكملته مع روسيا وأوكرانيا. ولكن لا يقين أن بإمكانها إقناع إيران بتقييد حجم الهجوم رغم الأهمية التي تعطيها طهران لعلاقاتها مع تركيا ورغم المصالح الإقليمية المشتركة بين الدولتين.
تركيا التي ألقت مسؤولية الهجوم الإيراني في نيسان الماضي على إسرائيل، تعلن الآن حاجتها لمعاقبة إسرائيل على اغتيال هنية، لكنها أيضاً تفحص أماكن مكاسبها السياسية. يبدو أن الحرب الإقليمية الآن لا تخدم مصالحها، وهي ليست وحدها في ذلك. يبدو أن كل دول المنطقة لا تخطط فقط للاستعداد للهجوم العسكري، بل بالأساس ملامح الخارطة السياسية، التي يتوقع أن ترسمها المواجهة بين إسرائيل وإيران.
ارسال التعليق