خرجت ايران الكاسب الأكبر من اتفاق دول منظمة “أوبك” لانها حصلت على اعفاء من أي نسبة لتخفيض الإنتاج وهي في حدود 4.5 بالمئة، ولكن هذا لا يعني ان الدول الأخرى، قد خرجت خاسرة في ظل ارتفاع الأسعار بمقدار أربعة دولارات، او ما نسبته 8 بالمئة فور اعلان المنظمة عن تخفيض سقف انتاجها بمقدار 1.2 مليون برميل يوميا للمرة الأولى منذ ثماني سنوات.
صحيح ان ايران ستتمكن من زيادة انتاجها في حدود 90 الف برميل يوميا حتى تعود الى ما كان عليه سقف انتاجها الذي كان عليه عام 2005 (أربعة ملايين برميل يوميا)، أي قبل فرض الحصار عليها، ولكن هذا الانتصار معنوي على درجة كبيرة من الأهمية لانها قاومت طوال العام الماضي ضغوط السعودية لاجبارها على تجميد انتاجها كشرط لاي تجميد او خفض سعودي في المقابل.
السعودية تراجعت سياسيا، وقبلت تحفيض انتاجها لاكثر من 500 الف برميل يوميا، بسبب ازمتها المالية الطاحنة، حيث تآكلت ارصدتها المالية الاحتياطية من 732 مليار دولار نهاية عام 2014 الى حوالي 560 مليار دولار حتى آذار (مارس) الماضي، وارتفاع العجز في ميزانية العام الحالي الى 87 مليار دولار، ووصول الدين العام الى حوالي 90 مليار دولار.
المؤشرات الأولية المتمثلة في ارتفاع أسعار النفط، واستعداد دول خارج الأوبك، مثل روسيا لتخفيض انتاجها في حدود 300 الف برميل، وتجاوب البورصات الخليجية ارتفاعا، كلها تعكس حالة من الارتياح في أوساط الدول المنتجة للنفط، ولكن هناك مخاوف من احتمال عدم الالتزام بهذا الاتفاق عبر عنها الكثير من الخبراء في هذا القطاع.
ربما يكون من السابق لاوانه إعطاء آراء جازمة بشأن الالتزام بالاتفاق من عدمه، ولكن ما يمكن الجزم به ان رجوع شيئ من العقل الى السعودية بالذات هو الذي أدى الى التوصل اليه، وهي التي عارضت أي تخفيض لسقف اوبك الإنتاجي قبل عامين، مما أدى الى انهيار الأسعار من 120 دولارا للبرميل الى اقل من اربعين دولارا في اشهر معدودة، بهدف احداث حال من الشلل في الاقتصاديين الإيراني والروسي، وهو ما لم يحدث، وان حدث فبتأثير محدود، لكن المتضرر الأكبر من هذه الخطوة كان السعودية ودول الخليج، علاوة على الجزائر، أي الدول العربية.
اجتماع الجزائر غير الرسمي لوزراء النفط في شهر أيلول (سبتمبر) الماضي لعب الدور الاكبر في تحقيق هذا الإنجاز لمنظمة أوبك أيضا، حيث قربت الدبلوماسية الجزائرية النشطة المواقف المختلفة داخل المنظمة بحكم علاقاتها الطيبة مع طرفي الخلاف، أي ايران والسعودية.
منظمة أوبك بدأت تتعافى تدريجيا من التشنجات السياسية التي شكلت فاعليتها وكادت تؤدي الى انهيارها، مثلما بدأت تستعيد المنظمة وحدتها الداخلية، وتعيد تقديم الاعتبارات الاقتصادية الصرفة، ومصلحة أعضائها على الاعتبارات السياسية، او هكذا تأمل الغالبية الساحقة من أعضائها وشعوبها.
ارسال التعليق