الناتو العربي.. الخطوة الاولى للحلف يهودي سعودي
[عبد العزيز المكي]
بقلم: عبد العزيز المكي كثر الحديث، خلال الأيام القليلة الماضية عن تصميم أمريكا لأقامة حلف مع الدول العربية الخليجية بالاضافة الى مصر والأردن، سيعلن عنه في القمة التي تجمع الرئيس الامريكي ترامب مع زعماء الدول الخليجية في واشنطن في الثاني عشر والثالث عشر من تشرين الأول القادم. وفعلا بدأت الولايات المتحدة بطرح الفكرة على الدول المعنية بهذا الحلف، حيث ذكر مصدر مسؤول في الحكومة الاردنية أن ( الولايات المتحدة عرضت على عدة دول في المنطقة ، بما فيها المملكة الهاشمية ، أفكاراً يجري بحثها والحوار بشأنها حالياً). كما أن نائب وزير الخارجية الكويتي خالد الجار الله هو الآخر قال أن ( هناك أفكاراً قدمت لدولة الكويت فيما يتعلق بالتحالف الاسترايتيجي في المنطقة الشرق الأوسط، وهي محل ترحيب ودراسة من قبل القيادة الكويتية). واضاف الجار الله قائلاً ( سوف يكون هناك اتصالات مع الجانب الامريكي لمزيد من الأيضاحات بشأن تلك الافكار) بحسب مانقلته عنه صحيفة القبس الكويتية.
والملاحظ، بل واللافت أيضاً، أن إثارة فكرة تشكيل هذا التحالف وتسميته بالناتو العربي تارة وبالتحالف الاستراتيجي في الشرق الأوسط تارة أخرى جاءت بعد، أو بشكل متزامن مع تطورين .. هما التصعيد الامريكي ضد ايران لدرجة تهديد وزير الخارجية الامريكي مايك بومبيو باسقاط النظام الاسلامي في طهران، والتضخيم المتعمد لما يسمونه ( الخطر الايراني), وكذلك توظيف السعودية لضرب بارجتها في البحر الاحمر من قبل الحوثيين، من خلال خلق رواية مزورة بأن الاستهداف كان لنقالات النفط السعودي، وعلى أثر ذلك اوقفت تصدير نفطها عبر مضيق باب المندب وربط الحادث بايران واثارة ضجة حول التهديد الأيراني للملاحة الدولية في البحر الاحمر ومضيق باب المندب ، ويبدو ان من أهداف هذين التطورين هو تهيئة الاجواء النفسية والامنية للتمهيد لاقامة مثل هذا الحلف الجديد، أي ( الناتو العربي ) ! الذي هو عبارة ، كما يقول الامريكان، عن نسخة عربية من حلف شمال الاطلسي ( الناتو) . ونقلة وكالة رويترز للانباء عن عدة مصادر أمريكية قولها، ان البيت الابيض يريد تعزيز التعاون مع تلك البلدان بخصوص الدفاع الصاروخي، والتدريب العسكري، ومكافحة الأرهاب، وقضايا أخرى، مثل دعم العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية والاقليمية..
قال مصدر أمريكي أن مسؤولين سعوديين طرحوا فكرة إقامة حلف أمني. قبيل زيارة قام بها ترامب العام الماضي الى المملكة السعودية، حيث أعلن عن إتفاق ضخم لبيع الاسلحة، لكن أقتراح تشكيل الحلف ظل يراوح مكانه، ويبدو أن الظروف يومذاك لم تكن مناسبة لأعلان مثل هذا الحلف، مما استدعى الانتظار حتى نضوج هذه الظروف. على أن طرح الفكرة من السعودية أو حتى في أمريكا يؤشر بما لا يقبل الشك أن أصل الفكرة الكيان الصهيوني، فرئيس وزراء هذا الكيان بنيامين نتنياهو صرح لعشرات المرات وفي العشرات من المناسبات بأن إقامة حلف مع الدول العربية التي سماها بالمعتدلة والسنية، باتت مؤاتية ، ودعا السعودية وبقية دول الخليج العربية الى إقامة هذا الحلف، بعد هذا التطور الكبير على صعيد التطبيع مع هذه الأنظمة وبعد هذا التعاون الأمني والعسكري معها والذي يجري وراء الكواليس، وتتسع آفاقه يوماً بعد آخر، لمواجهة ما أسماه نتنياهو العدو المشترك للكيان الصهيوني ولهذه الدول وهو إيران ( والقوى التي تدور في فلكها) في المنطقة على حد توصيف نتنياهو ووسائل الاعلام السعودية ما يؤشر ذلك الى ان نتنياهو قد يحقق حلماً آخر من احلامه في إقامة وتشكيل هذا الحلف، الذي يستهدف بالدرجة الاساسية تأمين مصالح الكيان الصهيوني فحسب والاضرار بالمنطقة برمتها، وليس بهذه الأنظمة الحليفة للعدو فحسب، أقصد النظام السعودي وبقية الأنظمة العربية في الخليج.. ذلك لأن مثل هذا الحلف ان حصل والذي صفقت له السلطات الاماراتية واعلنت استعدادها له ، قبل أن يتشكل، لا يخدم هذه الأنظمة ولا المنطقة كما اشرنا, وتتجلى صورة هذا الأمر من خلال التمعن في اهداف ومغازي تشكيل هذا الحلف، ومن خلال ما يجري على الارض من تصرفات ومواقف، ومن تنسيق وتعاون أمني وعسكري بين أطراف الحلف المشار اليه، ويمكن إجمال هذه الاهداف بالنقاط التالية:
1ـ عسكرية دول الخليج العربية وتحويلها الى ثكنة عسكرية، والى برميل بارود ، وهذا ما أشار اليه الامريكيون والبيت الابيض تحديداً، أن الحلف يهدف الى تعزيز التعاون مع تلك البلدان بخصوص الدفاع الصاروخي والتدريب العسكري، أي زرع هذه الدول بالقواعد الصاروخية لحماية الكيان الصهيوني، وذلك لا يعني مطلقاً ان هذه الدول لم تكن حالياً عبارة عن ثكنة عسكرية لامريكا وبريطانيا وباقي بعض الدول الغربية ، إنما يعني أن يكون الحلف مقدمة لتهيئة الظروف لادماج او ادخال في جغرافية هذه الدول ( الحليفة للعدو) مرناً وعلنياً، ثم تصبح هذه الثكنة العسكرية أكبر واوسع مما هو عليه الآن، بتكديس الأسلحة واستحداث المطارات الحربية .. و.و. وقد اشارت التقارير الى أن النظام السعودي، سمح للكيان الصهيوني بتكديس الأسلحة والاعتدة في منطقة تبوك السعودية!
2ـ في ظل إصرار وتأكيدات رئيس الوزراء الصهيوني السابقة والحالية على التوصيف الطائفي للحلف مع السعودية وباقي الدول العربية التي سيضمنها ( الناتو العربي ) ، يعني أن الامريكان والصهاينة يريدونه تحشيداً( سنياً) ضد الشيعة !! وهذا يعني بدره ، الأهداف الصهيوني الامريكية التالية:
أـ محاولة خندقة السنة في مواجهة عسكرية مع إخوتهم الشيعة تحت شعارات الدفاع عن العرب من ( المد الفارسي ، أو الصفوي) وتحت لافتة ( المد الشيعي) وما الى ذلك مما يرفعه اليوم الاعلام السعودي والاماراتي والاعلام الصهيوني، من شعارات ومقولات تصب في هذا الاتجاه، وهذا أن حصل لا سمح الله بذلك يعني استنزاف المسلمين سنة وشيعة والقضاء على طاقاتهم وقواهم، ومن ثم خلق الظروف المناسبة لتمزيقهم وتقسيم بلدانهم ونهب ثرواتهم، وتسّيد الكيان الصهيوني عليهم، والقضاء على هويتهم واستمرار استعبادهم والعبث بكرامتهم وسيادتهم.. وما الى ذلك كثير. وما يعزز هذا الامر ، هو مطالبات نتنياهو الكثيرة وباقي بعض المسؤولين الصهاينة، ودعواتهم المستمرة بتشكيل حلفً للدول السنية العربية المعتدلة) لمواجهة ايران ومحورها في سوريا ولبنان والعراق وحتى في اليمن.
ب ـ منع الكيان الصهيوني، شراع الأمة الاسلامية في الوحدة والتوحد خلف مصالحها، وخلف اسلامها وهويتها الاسلامية، من خلال إذكاء الخلافات، وأثارة أجواء العداء بين المذاهب والطوائف الاسلامية، عبر التفجيرات ، وعبر شراء وتجنيد بعض الافراد او حتى الشخصيات الاسلامية البارزة والمؤثرة في هذا الاطار ، وبالتالي الابقاء على ضعف هذه الامة ودولها، والتمكن من استنزافها بحروب أو بأمور أخرى كما اوضحنا في النطقة الماضية.
ج ـ تعزيز الكيان الصهيوني وأمريكا لحالة العداء بين الدول العربية ( السنية) وايران والعراق ولبنان ( الشيعية ) من شأنه بنظرهم أن يدفع تلك الانظمة الحليفة الى مواصلة الاحتماء بالعدو الصهيوني والقوة الامريكية، وهذا بدوره يضمن للصهانية والامريكان الاستمرار في توظيف ثرواته وامكانات وجغرافيا هذه الدول في إطار استراتيجياتهم وخططهم المشار اليها، ضد الأمة الاسلامية ، وضد عقيدتها الاسلامية بالدرجة الاساسية.
د ـ إشغال الرأي العام العربي وحتى الاسلامي بقضية العداء بين الدول العربية ( السنية) وبين الدول العربية والاسلامية ( الشيعية ) عن القضية المركزية، التي هي قضية فلسطين والقدس، وبالتالي محاولة مسح هذه القضية من ذاكرة المسلمين والعرب وخلق الظروف والمناخات المناسبة لتصفيتها ونسيانها والى الأبد.
3ـ في ضوء الأزمة الاقتصادية التي تعيشها أمريكا والدول الغربية، وفي ظل اعتماد الكيان الصهيوني على الدعم الأمريكي الاقتصادي والعسكري، فأنه بات من الواضح ان هذين الطرفين لا يمكنهما تحمل نفقات الأمن والتحركات العسكرية في المنطقة نظراً لتكاليف ذلك الباهضة، فهذا الحلف هو في الواقع عملية توظيف أمريكي صهيوني لاموال وجغرافيا هذه الدول في اطار خططها الرامية الى استمرار الهيمنة والتسّيد على الدول المنطقة، ما يعني ان هذا الحلف، هو بحد ذاته عملية تحصين لأمن الكيان الصهيوني وعملية تمكين للولايات المتحدة ، بعد تراجع وتصدع مشاريعها وخططها المعادية للأمة فيها.
4ـ يستهدف هذا الحلف رهن الدول العربية الخليجية ومصر والأردن الى المخططات والى الأملاءات الأمريكية والصهيونية ، حتى ولو كانت هذه المخططات تشكل تهديداً لانظمة هذه الدول نفسها، اضافة الى ان الولايات المتحدة والكيان الصهيوني والدول الغربية تريد محاربة ايران وباقي قوى المقاومة، كما قلنا بامكانات وأموال الدول العربية الخليجية، وبوقواها العسكرية وترساناتها من الاسلحة ، ما يعني ذلك ، فيما لو اشتعلت الحرب فأن هذه الدول وشعوبها سوف تتحول الى محرقة كبرى ، تعيدها عشرات السنين الى الوراء!
5ـ ولأن الأمة اليوم في حالة من الوعي السياسي والأمني والاسلامي، فأن الامريكان يريدون في هذا الحلف تسويغ وتسويق, وكذلك إضاف نوع من الشرعية على مخططاتهم التدميرية للامة والمنطقة، لان هذه المخططات باتت مكشوفة على خلفية تصاعد وعي الأمة، وبالتالي لا بد لها من غطاء لتضليل الأمة وخداعها. هذا من جانب ومن جانب آخر يشكل هذا الحلف وسيلة فعالة لاستمرار ترامب وفريقه في حلب الدول العربية الخليجية واستنزاف أموالها وثرواتها حتى العظم، وحينذاك سيرمي بأنظمتها في مزابل التاريخ، كما فعلوا قبل ذلك مع خادمهم صدام حسين ومع حسني مبارك وزين العابدين بن علي وشاه إيران وغيرهم الكثير..
ارسال التعليق