محو أثر القضية وأنسنة الاحتلال والتصويب على المقاومة: الإعلام الخليجيّ والعربيّ... صوت إسرائيل المتطرّف
فلسطين زينب حاوي الأربعاء 19 أيار 2021
المصدر: الاخبار اللبنانية
لم تكمل بلدان الخليج العربي عامها الأول على تدشين التطبيع مع كيان الاحتلال، الذي سبقه ما يُعرف بـ«صفقة القرن» وإغداق مليارات الدولارات على الإعلام العربي والخليجي لمحو أثر فلسطين، وأنسنة «إسرائيل» وإزالة تاريخها الدموي، حتى عادت فلسطين إلى الواجهة. هذه الاستراتيجية سرعان ما سقطت مع أول هبّة فلسطينية كان يراد لأهلها أن يُهجّروا ويُجتثوا من أرضهم. هكذا، بعد محاولات اقتحام «المسجد الأقصى»، بدأت مشهدية عربية شعبية جامعة تتبدّى للمرة الأولى، أعادت فلسطين إلى الواجهة، وحطّمت مشاريع كان يراد لها تصفية القضية. علت الأصوات المساندة لفلسطين وأهلها، ولمدنها، وعمّت التظاهرات المندّدة بالاحتلال مدن العالم. تظاهرات وتحرّكات استطاعت أن تفرض نفسها على المشهد العربي والخليجي، عبر استخدام النشطاء للمنصات الإعلامية البديلة، ولو ضُيّق عليهم وحُذفت منشوراتهم. في هذه الأثناء، استمرّ الإعلام العربي والخليجي في أن يكون صوت «إسرائيل»، طامساً للحق الفلسطيني.
هكذا، وبنظرة بانورامية على أداء القنوات الخليجية، تتظهّر كارثية مشهد تغطية العدوان الإسرائيلي على غزة، مع ترجيح الكفّة صوب «إسرائيل»، واعتبار أنّ ما يحصل من عدوان ليس إلا «قتالاً» بين «حماس» و«الجهاد الإسلامي» من جهة، و«إسرائيل» من جهة أخرى. «الجزيرة» كانت من بين أبرز القنوات الخليجية، التي تصدّر حضورها المشهد العربي، بفضل توغّلها في العمق الفلسطيني، أكان المحتل أو قطاع غزة، ووصول شبكة مراسليها إلى قلب الحدث ونقله بالصوت والصورة. للوهلة الأولى، يخال المرء بأنه أمام قناة عربية تعيد الزخم إلى الشارع العربي، وتكون صوت فلسطين، إلا أن الناظر في حقائق الأمور، يلحظ مدى تلوّن الشاشة القطرية، التي قد تنصر الفصائل الفلسطينية من جهة، وفي الوقت عينه تخرج المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس على شاشتها، ليتحدث عن «أمان إسرائيل»، ويصف «حماس» بـ«الإرهابية». وكعادتها، أفردت الفضائية القطرية مساحة للمتحدث باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي، الذي خرج قبل أيام قليلة ضمن شريط مصوّر من قلب قاعدة عسكرية، تنطلق منها المقاتلات العدوانية الإسرائيلية، ليعلن بأن جيشه «وجّه ضربة قوية إلى مقرات حماس والجهاد الإسلامي»، تُستخدم في «تخزين وتصنيع الصواريخ». وأتاحت له القناة مساحةً لتبرير إقدام «اسرائيل» على قصف منازل المدنيين العزّل، بالادّعاء بأن ما قامت به يندرج ضمن ضربها مقارَّ «تستخدمها حماس لأهداف إرهابية»!
على الضفة السعودية، وتحديداً قناة «العربية»، فقد وصفت ما يحصل بـ «التصعيد»، بدل العدوان، ووضعت «حماس» و«إسرائيل» على قدم المساواة في إطلاق الصواريخ، من دون أي اعتبار لمحتلّ أو حتى لقدرات جيش مقابل فصيل فلسطيني. المحطة السعودية التي لم تعر الحدث الفلسطيني اهتماماً في الأيام الأولى للعدوان، ركّزت لاحقاً على تنفيذ أجندة سياسية، تتعلق بإيران، التي تدعم «حماس»، وتمدّها بتكنولوجيا الصواريخ. ففي تقرير بثّته المحطة، لم تدن العدوان الإسرائيلي على غزة. بدلاً من ذلك، أوردت بأنّ «حماس» كانت «مستعدة» لهذه الجولة، وبأنّ ايران «لم تكن متفاجئة» بل أفادت من هذه الحرب! وفي تغطية أخرى، تباهت الشبكة بتدمير قوات الاحتلال منازل قياديين من الفصائل الفلسطينية، وتغنّت بإشراف وزير «الدفاع» الإسرائيلي بيني غانتس على العملية، وتدميرها أنفاق المقاومة الفلسطينية. أضف إلى ذلك أنّ المحطة أعادت نشر صور 30 قيادياً ادّعت «إسرائيل» بأنها قامت باغتيالهم من فصائل المقاومة الفلسطينية، ونشرتهم على منصات إعلامها. على المقلب الإماراتي، وتحديداً «سكاي نيوز عربية»، التي عنونت تغطيتها بـ «فلسطين وإسرائيل»، راحت الشبكة الإماراتية تظهّر الموقف الإسرائيلي، وتساوي بين الفصائل الفلسطينية المقاومة وبين «إسرائيل»، وتنقل عبر البث المباشر كلمات كل من وزير الدفاع الإسرائيلي ورئيس الأركان أفيف كوخافي ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مع ترجمة فورية إلى العربية. أما شبكة bbc البريطانية، التي غالباً ما تعتمد سياسة الانحياز إلى «إسرائيل»، فلم تغير عادتها في العدوان الأخير على غزة. واظبت على وضعها في الخبر عينه: شنّ «إسرائيل» غارات على غزة، مع إطلاق الفصائل الفلسطينية للصواريخ، ليبدو المشهد كأنه عملية «دفاع» من قبل الكيان على ضربات المقاومة، عدا اعتبارها بأن ما تفعله «إسرائيل» هو «ردّ» على عملية «سيف القدس» التي أطلقتها الفصائل الفلسطينية. ولعلّ اللافت في هذه التغطية، نشر الشبكة قصةً «إنسانية» «مؤثرة»، عن امرأتين الأولى فلسطينية والثانية يهودية تعانيان من «أعمال العنف» وتخافان على عائلتيهما، مع اقتطاع واضح لحقيقة ما يجري على الأراضي الفلسطينية ومساواة العدوان على غزة، بالاحتجاجات والصدامات التي تحدث داخل أراضي عام 48. ومع تعميم الشبكة على مراسليها عدم التعليق على ما يجري في غزة، على منصات التواصل الاجتماعي، أُعيد نشر تعميم داخلي، لم يتم التأكد من تاريخه في شبكة «دويتشه فيليه» الألمانية، يعتبر «حماس» «إرهابية» ويمنع المراسلين من انتقاد «إسرائيل» ومن الإشارة إليها كدولة استعمار، مع التشديد على إسكات الضيوف في حال تحدثوا عن «اللاسامية» وعن «الكراهية».
ارسال التعليق