هل تنجح إدارة التباينات في تفادي صراع نفوذ خليجي في السودان
بقلم: منصور العلي...
يتواصل القتال الدائر بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ نحو ثلاثة أسابيع، تخلله 7 هُدن هشة دون حسم عسكري، حيث لا تزال قوات الدعم، رغم انكسار تحركها للسيطرة على البلاد، تسيطر على أماكن حيوية بالعاصمة كمطار الخرطوم وهيئة البث والإذاعة التلفزيونية ومجلس الوزراء.
وفيما يجري طرفا النزاع مفاوضات لوقف إطلاق النار، في مدينة جدة، تتحدّث بعض التقارير عن محادثات سعودية إماراتية للاتفاق على شكل المرحلة المقبلة في السودان باستبعاد كل من قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، (حميدتي)، عن المشهد، واستبدالهما بشخصيات أخرى من الطرفين، في سعي من هذه الدول الخليجية لتعزيز مكانتها في أفريقيا ودعم التعاون مع الولايات المتحدة، بالإضافة إلى الاستثمارات الاقتصادية.
وفي هذا الإطار، اعتبر الباحث في العلاقات الدولية صموئيل راماني وأضاف راماني، في “منتدى الخليج الدولي”، أنه “بدافع الرغبة في توسيع الدور الإقليمي والتنسيق مع الولايات المتحدة والاستثمارات الاقتصادية، تواصل دول مجلس التعاون الخليجي مشاركتها النشطة في المشهد السياسي بالسودان وتعمل على التوسط في الصراع”.
وأوضح أنه بعد اندلاع الحرب، “سرعان ما أصدرت السعودية والإمارات وقطر بيانات دعت إلى وقف تصعيد الأعمال العدائية”، ورأى أن “رد مجلس التعاون الخليجي (السعودية والإمارات وقطر والكويت والبحرين وسلطنة عمان) الموحد على أعمال العنف يؤكد المصلحة المشتركة للمنطقة في الاستقرار بالسودان، الذي نجح تاريخيا في التغلب على صراعات مماثلة”.
وتابع أنه “مع تفاقم العنف، من المرجح أن تستفيد دول مجلس التعاون الخليجي من علاقاتها التجارية والشخصية مع الأطراف المتحاربة وتحاول تسهيل تسوية سلمية، حيث بدأت (قبل أيام) محادثات في جدة بين ممثلي قوات الدعم السريع والجيش، ويمكن لهذه الإجراءات أن تعزز مكانة دول مجلس التعاون الخليجي في أفريقيا وتخلق فرصا للتعاون مع الولايات المتحدة في أزمة إقليمية كبرى”.
وبصرف النظر عن تخفيف التوترات الإقليمية، يمكن تفسير التقارب في مواقف دول مجلس التعاون الخليجي برغبتها المشتركة في استقرار السودان، وفقاً لراماني الذي أكد أن “الإمارات مستثمر نشط في الاقتصاد السوداني، وفي ديسمبر 2022، أبرمت مجموعة موانئ أبوظبي وشركة Invictus Investments اتفاقية بقيمة 6 مليارات دولار لبناء ميناء أبو عمامة على ساحل البحر الأحمر بالسودان”.
كما سعى النظام السعودي وقطر إلى إعادة بناء الوجود الاقتصادي في عهد الرئيس المعزول عمر البشير (1989-2019)، حيث امتلكتا 12 مليار دولار و4 مليارات دولار من الاستثمارات على التوالي قبل انقلاب 2019.
وفي مارس 2021، تعهد النظام السعودي باستثمار 3 مليارات دولار في الاقتصاد السوداني (…)، وبعد محادثات في مايو من العام نفسه بين رئيس وزراء السودان آنذاك عبدالله حمدوك وأمير قطر تميم بم حمد آل ثاني، اقترحت الدوحة بناء منطقة استثمارية في السودان.
وشدد راماني على أن “آفاق صفقة وساطة ناجحة، من خلال إحدى دول مجلس التعاون الخليجي، لا تزال غير واضحة”، قائلاً إن “دول مجلس التعاون الخليجي أظهرت جبهة موحدة ونصّبت نفسها كوسيط محتمل، غير أن مهمة الوساطة معقدة بسبب الخطاب التحريضي”، في إشارة إلى الاتهامات المتبادلة بين البرهان وحمديتي.
حسابات معقدة وصراع نفوذ وتلعب الأطراف الإقليمية العربية المتمثلة بالنظام السعودي والإمارات ومصر، دوراً فاعلاً، بدرجات متفاوتة، في الصراع الحالي بالسودان.
فمنذ عزل الرئيس السابق عمر البشير، قدّم النظام السعودي والإمارات الوعود الأساسية لدعم السودان اقتصادياً، ووفّرت الإمارات دعماً سياسياً لأجندة نخب سياسية من قوى الحرية التغيير، كما نسجت علاقات أمنية واقتصادية مع حميدتي، وقدمت له إمداداً عسكرياً مهما خلال الفترة الماضية لتعزيز وضع قواته، كما توجد مؤشرات على تقديم دعم لتحركه الأخير ضد الجيش في البداية.
وبينما يحافظ النظام السعودي على حياد ظاهري، فإن نفوذه الاقتصادي جعله يلعب دوراً سياسياً رئيسياً تجلى في توقيع الاتفاق الإطاري. فالسودان يحتل موقعاً حيوياً في حسابات النظام السعودي والإمارات الإقليمية.
ففي ديسمبر الماضي، وقعت شركة إماراتية صفقة بقيمة 6 مليارات دولار لتطوير ميناء ومنطقة اقتصادية على ساحل البحر الأحمر في السودان، وهي خطوة لا تنفصل عن رؤية الإمارات الواسعة لخلق تواجد استراتيجي، اقتصادي و/أو عسكري، ممتد من الخليج مروراً بجزر اليمن الاستراتيجية والقرن الأفريقي وحتى السودان وموانئ مصرية على البحر الأحمر.
في حين يمثل السودان تقليدياً في الاستراتيجية السعودية موقعاً على البحر الأحمر تفرض ضرورات المملكة الجيوسياسية عدم وجود سلطة معادية فيه. لذلك؛ كان النظام السعودي من أبرز الداعمين الاقتصاديين للسودان منذ سبعينيات القرن الماضي.
سواء تم هذا بقصد أم لا؛ فإن الدور السعودي والإماراتي منذ سقوط نظام البشير همّش الدور المصري في السودان وقيّد فاعليته بصورة لافتة، فباتت الرياض وأبوظبي تتقاسمان النفوذ فيه على حساب النفوذ المصري التاريخي. فبينما قامت المقاربة المصرية على الاستثمار في الجيش كمؤسسة مركزية تقليدية، راهن النظام السعودي والإمارات على إضعاف دور الجيش السياسي لإبعاد شبح الإسلاميين.
تجلى هذا في الاتفاق الإطاري الذي لم يكن محل ترحيب مصري، ثم بات أكثر وضوحاً في تحالف القوى السياسية الموالية للإمارات مع حميدتي تحت شعار مواجهة الإسلاميين في الجيش.
عند بدء القتال؛ مثلت اتصالات وزير الخارجية الأميركي مع وزيري خارجية النظام السعودي والإمارات لبحث الأزمة، ثم مساعي عقد المفاوضات في جدة، مؤشراً مهما على حدود دور مصر التي رغم تعزيز تحالفها مع البرهان، كانت قدرتها على توفير الدعم اللازم لتعزيز موقعه دائماً محدودة في ظل قصور الموارد المصرية اقتصادياً وتراجع نفوذها في المنطقة سياسياً.
إدارة التباينات تقول بعض التقارير الإعلامية إن القاهرة قدمت دعماً عسكرياً جوياً للجيش السوداني في بداية المعركة الحالية.
لذلك؛ ليس من المستبعد أن تلجأ إلى تقديم دعم أوضح إذا قدرت أن السلطة المركزية في السودان ستتعرض للهزيمة والانهيار، بما يمثل تهديداً لمصالح مصر؛ فاستمرار القتال يضعف من موقف القاهرة – المتراجع أصلاً- في أزمة سدّ النهضة، وسيكون من المتعذّر على مصر بناء توافق مع السودان في مواجهة أثيوبيا إذا تدهورت الأوضاع في السودان إلى فصائل متحاربة بدلاً من حكومة مركزية يسيطر على قرارها قادة الجيش.
وفيما يبدو واضحاً أن النظام السعودي والإمارات كما مصر، يحاولون إدارة تبايناتهم ربطاً بالملف السوداني المعقّد، إلا أن أن السودان كدولة على البحر الأحمر تتمتع بموقع جغرافي استراتيجي، بالغة الأهمية للوصول إلى أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وكذلك طرق التجارة العالمية وسلاسل التوريد عبر مضيق باب المندب، كما أن لدول الخليج العربية مصالح في السودان تتعلق بالاستثمارات والأمن الغذائي، كل ذلك يزيد من احتمالية عدم القدرة على استيعاب التباينات المبنية على مصالح حيوية لهذه الدول الثلاث.
لذا، ترجّح الكثير من القراءات أن يتطور الصراع الراهن في السودان إلى صدام بين مصر والإمارات، في وقت تعتمد فيه إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن على نفوذ كل من أبوظبي والرياض في الخرطوم، وهو ما يظهر فشل استراتيجية واشنطن في أفريقيا، وتثير قلقاً شديداً في دول مجلس التعاون الخليجي التي لها مصالح في مستقبل البلاد، ما دفعها إلى إظهار وحدة موقف مبدئية حيال الأزمة السودانية.
ارسال التعليق