السلطات #السعودية تخفض التمويل العقاري وتفاقم أزمة السكن
بقلم: حسن الطالب...
في الوقت الذي يدّعي النظام السعودي استعداده لتحويل السعودية إلى مركز جذب لكبرى الشركات الأجنبية ورجال المال والأعمال، وضغطه باتجاه تبني الرياض كمركز إقليمي لرأس المال الغربي تراجع حجم التمويل العقاري السكني الجديد المقدم للأفراد من المصارف إلى 4.15 مليار ريال خلال شهر أبريل/نيسان 2023 بانخفاض نسبته 55% مقارنة بنفس الفترة من عام 2022، وفقاً لبيانات البنك المركزي ساما، في 30 مايو/ أيار 2023.
وقبل الحديث عن أهمية تأمين بنية تحتية قابلة لاستيعاب الأعداد المتوقعة والمأمولة من الوافدين إلى “السعودية” للاستقرار فيها ، يجدر لفت النظر، من “بوابة الأقربون أولى بالمعروف” إن كان مازال في الأمر معروفا يقدمه آل سعود، على أن ملف السكن لطالما شكل ملف أزمة تفاقم مع مرور الوقت دون أن يتبنى النظام السعودي أي سياسة إسكانية.
إن ما ورد يؤكد عزم النظام السعودي على تسليم دفة الإسكان للشركات الخاصة، الأخيرة التي لم تتوانى عن استغلال الأراضي لصالح إنشاء العقارات الفردية الكبيرة، بعيدا عن تلبية حاجة السوق سيما الطبقة المتوسطة والفقيرة من أهل البلاد.
فمنذ سنوات ونسبة كبيرة من أبناء الشعب يجدون صعوبة في إيجاد مسكن يتلاءم وقدرته المادية في ظل غياب القدرة على التملك كما هيمنة المشاريع التي أنجزت عمرانيا لكن لم تصلها الخدمات الأساسية من الدولة من ماء وكهرباء وطرقات جيدة ما جعلها غير قابلة للسكن. دون إغفال غياب التخطيط العمراني واستيلاء الأمراء على الأراضي ذات الموقع المميز.
لقد أتى هذا القرار أيضا في ظل سياسة التهجير المعتمدة حيث طردت السلطات السعودية مئات الآلاف من السكان من منازلهم، وتسبب برنامج هدم احياء في جدة بأزمة نزوح كبيرة، زادت من أزمة السكن خصوصاً مع ارتفاع أسعار الإيجارات.
هذا وتعود الأزمة الإسكانية إلى عقود مضت، مع استيلاء السلطة على الموارد الأساسية في البلاد، وحظر النفع عن المواطنين من نفط وأراض ومشاريع، بل إنها تعمّدت لأعوام سلب الأراضي حتى من أصحابها، وفرضت رسوم خيالية على الوحدات الإسكانية ما منع الكثير من المشاريع من الاستمرار والإستكمال، وبالتالي مفاقمة معاناة الناس، وتضررت أسراً بأكملها، على الرغم من الادعاءات الحكومية التي تتغنى بالمشاريع على الورق وتقول إن هنالك مخططات تعمل على إنجازها، لكن هذه الإنجازات لا تعدو كونها تصريحات إعلامية، يخفى خلفها الكثير من الصفقات والأساليب الملتوية التي يستفيد منها المستثمرين ووراءهم السلطات فقط.
وفق المعلومات، تدعي الجهات المعنية أن الهدف من السوق العقاري العود بالنفع على المجتمع وتطويع الصفقات الحكومية من أجل خدمة الأسر قبل القطاع الاستثماري والتجاري، غير أن الواقع مغاير للادعاءات، فالأسر تعاني من أوضاع اقتصادية صعبة، ومن انعدام القدرة الشرائية وسط الركود الاقتصادي في البلاد خاصة في هذه الآونة وتحت سلطة ولي العهد محمد بن سلمان، الذي أعلن عن رؤية 2030 الاقتصادية التي ضمنها مختلف عناوين الاقتصاد وضمنها إيجاد حلول جذرية لأزمة السكن، مر على إطلاق الرؤية أكثر من ثلاثة أعوام، وبدلاً من التخفيف من وطأة وتأثيرات المشكلة، فقد تفاقمت وارتفعت أعداد الذين يعانون من عدم امتلاك منزل، ما يشي بعدم فعالية الرؤى أو بقائها ضمن المخططات الإسمية لا مكان لها على أرض التنفيذ.
مليون وحدة سكنية في مهب المزاعم:
منذ عام 2017، أطلق مجلس “الشؤون الاقتصادية والتنمية” برنامج الإسكان الذي حددت أهدافه “بتقديم حلول سكنية للأسر السعودية تساعدهم على تملك المنازل المناسبة، أو الانتفاع بها وفق احتياجاتهم وقدراتهم المادية”، وذلك عبر حرصه على “تفادي التمويل المباشر لإنشاء الوحدات والمجمعات السكنية، والاستفادة من القطاع الخاص، ودعمه بالحلول التمويلية لتمكين الأسر السعودية من الحصول على مساكن ملائمة، وزيادة نسبة تملكها إلى 60%، مع زيادة المحتوى المحلي في قطاع الإسكان إلى 73.6%”، هذا المجلس وهذه الأهداف المحددة لم يحدث لها تطبيق على أرض الواقع، وقد خرجت الكثير من الانتقادات لبقاء المشروعات قيد العناوين رغم مرور سنوات على إطلاقها، فهي لم تدخل حيّز التنفيذ، وسط ما تعانيه الأسر من كثير من الأزمات والاكتظاظ والأوضاع الاقتصادية المتأزمة.
وفي حين تلحظ الأهداف التي يتم خطها على الورق ما تبتغيه الأسر والمناطق وتحدد الأهداف بأن تكون الأولويات متوافقة وحاجات المناطق، بحسب ما جاء ببرنامج الإسكان إذ تم تحديد ضرورة أن “يشمل نطاق عمل البرنامج ثلاثة محاور، يأتي في مقدمتها زيادة العرض على المساكن عن طريق تنظيم الكثافة السكانية وتطوير مراكز المدن، وتوفير الأراضي، وبناء وحدات سكنية في وقت قياسي”، ولكن لم تنبه الجهات المعنية إلى معنى الوقت القياسي الذي يمنعها من بلورة ادعاءاتها في الواقع. فإن محددات الأهداف للبرنامج اشتملت ايضا،على حق المستفيدين بالحصول على دعم مادي وتطوير العقارات أيضا ووضع أسس للعلاقة بين الملاك والمستفيدين من الوحدات السكانية، ولكن جميع المحددات والأطر الخاصة بها لم تكن ذا قيمة فعليه، خاصة مع عدم إنجاز أي من مشاريع الوحدات السكنية.
ابن سلمان عند إطلاقه رؤية 2030، أعلن أنه سيتم تنفيذ مليون وحدة سكنية، بغية التخلص من نقص الشقق والوحدات السكنية وأيضا ارتفاع أسعار الإيجارات، لكن لا حلول بسطت على أرض الواقع، وبقي المواطن يزرح تحت وطأة انصراف المخطط السلطوي نحو الفعاليات الترفيهية والكماليات وسياسات التغريب في البلاد، ووفق إحصاءات تقريبية هناك ما يقارب 1.2 مليون مواطن يعيشون تحت عنوان العاجزين عن امتلاك مسكن نتيجة انخفاض إمكاناتهم المادية، التي ادعى البرنامج الاسكاني بأنه سيعمل على حلها، لكن من دون جدوى.
تشير تقديرات شركة الإستشارات “سي.بي ريتشارد إيليس” إلى أن نحو 60 بالمائة من المواطنين يعيشون في شقق مستأجرة، ولعل ما يزيد من حجم التعثر والأزمات في الوقت الراهن، زيادة الضرائب على القيمة المضافة وهي تشمل العقارات، التي تسجل الصفقات الرسمية هبوطاً بلغ أدنى مستوياته منذ بداية يوليو الحالي، وصلت نسبته إلى 84 بالمائة، تشير التوقعات إلى أن أزمات هذا القطاع من المرجح أن تزيد بشكل متصاعد مع الأوضاع الاقتصادية المتدهورة التي تضرب العصب الاقتصادي في مختلف القطاعات.
يشار إلى أن “وزارة الاسكان”، التي لم تؤمن حلول للعوائل والأسر بشأن واقع الوحدات السكانية للتخفيف من وطأة الأزمات، عمدت إلى زيادة الأوضاع سوءا مع إعلانها مؤخراً، أنها أوقفت مدفوعات اثنين من برامجها لدعم الرهن العقاري، التي تشمل “برنامج القروض بدون فائدة للعسكريين الذي يغطي 20% من العقار، أو ما يصل إلى 140 ألف ريال سعودي (37 ألف دولار). كما تم إيقاف خطة أخرى تقدم للمواطنين مساعدة تصل إلى 95 ألف ريال أو 10% من الممتلكات”.
وقد أثارت القرارات موجات غضب عارمة بين المواطنين الباحثين عن إمكانية تأمين مأوى، والذي يبدو في خانة المستحيلات مع تعثر البرامج المعلنة وعدم تحقيق أي تقدم في مختلف الخيارات الاقتصادية التي تعلنها الجهات المعنية، ليبقى المواطن رهينة الأزمات وصفعاتها، عوضاً عن السلطة أزمة الرهون العقارية.
تبدو عديدة مظاهر الخلل في التعاطي مع أزمة السكن المستفحلة في البلاد. حيث أنه وفي آخر ما رشح عن أشكال الأزمة ما نقلته صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية، التي تطرقت إلى ارتفاع مستوى الرهون العقارية بشكل كبير جدا، لدرجة أنها تبدو كفقاعة على وشك الانفجار.
وذكرت الصحيفة في تقرير أن كبار ممولي الرهن العقاري في الرياض يؤكدون المخاوف الكبيرة لدى المستثمرين الأجانب من هذا الخطر الوشيك.
وحذرت من المخاطر التي تتعرض لها البنوك في “السعودية” نتيجة زيادة الإقراض العقاري. وأشارت إلى أن قروض التجزئة بلغت 42 % من دفتر القروض. لمن يراجع مشاريع 2030 المرسومة بهدف التطبيق، مشاريع سكنية مبهرة في الشكل والعنوان إلا أنها لا تقف على أرضية صلبة في الاقتصاد، حيث لا يبدو هدف التخلي عن النفط كمصدر أساس للواردات في البلد الأغنى بالذهب الأسود قابلة للتحقق عملا بالرؤية السعودية.
وفيما يتعلق بأزمة السكن التي خصّصت الرؤية جزءا مهما لشرحها، قال بن سلمان إنه سيصار إلى تسهيل الحصول على القرض العقاري وتنمية القروض السابقة وادعى أن العمل سوف يكون من أجل رفع نسبة التملك، إلا أنه وبعد 5 سنوات وعوضا عن التخفيف من الأزمة تفاقمت واتسعت نسبة السكان الذين يحتاجون لتملك سكن في ظل ارتفاع أسعار الإيجارات بشكل لافت منذ عام 2017 بنسبة تقارب 20%.
وفي حين يعاني أكثر من 80% من المواطنين من فقدان حق امتلاك منزل، فإن الرؤية التي صاغتها مجموعة ماكنزي وشركات أخرى حوت قضية السكن فيها أرقاما متضاربة، حيث أشارت الرؤية أن نسبة التملك الحالية يبلغ 50% وطموحها يستهدف رفع النسبة إلى 60% عام 2020، غير أن صندوق النقد الدولي استبق الرؤية بعامين وأكد أن نسبة تملك السعوديين لا تتجاوز 36%، الأمر الذي يظهر تباينا كبيرا في الأرقام المتبناة من قبل النظام السعودي.
ارسال التعليق