عصر انفتاحي في السعودية وتقليم أظافر المؤسسة الدينية ...
من يُتابع إعلام العربية السعودية هذه الأيام، بشقيه المكتوب والمرئي، يلمس ذلك التحوّل، والنظرة السلبية التي بات من “الضروري” الترويج لها، ضد ما يُعرف بمؤسسة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما لا يقتصر الأمر هنا فحسب، بل يتعدّى إلى مُهاجمة “المُحتسبين”، وهؤلاء كان لهم دور مُساند، إلى جانب “الهيئة”، وهم مُواطنون يُمارسون “الاحتساب” على طريقتهم الخاصّة، وفي بلاد الحرمين يحق لكل مواطن، أن يُمارس دوره الرقابي، على مظاهر الفسق والرذيلة، ويحول دون إتمامها أو حتى وقوعها، وقد يكون ذلك “الفسق” عبارة عن مُجرّد “معرض للكتاب”، تُقام فيه “أمسية شعرية”!
الصحف السعودية بدورها، تُحاول الظهور بمظهر المُعتدل الذي يُحارب التطرف، ويقول أبرز كتّابها أن المؤسسة الدينية التي تحكم البلاد، ولّى زمان طريقتها الرجعية، ويجب أن يكون هنالك حق للمُواطن في مُمارسة بعض مظاهر “الترفيه”، والتي كانت حتى قبل “عصر سلمان”، لا تعدو كونها مظاهر للفسق والفجور، فمثلاً إحياء حفلٍ لمطربٍ ما، كان بمثابة الخروج عن الملّة، أما اليوم بحسب الصحف، فهو محاولة للتعديل من سلوك الآمرين بالمعروف، والمُحتسبين، على الأقل الحد من تدخلاتهم في هذا الحفل، أو تلك الأمسية، والعمل على تقبّلهم لهذه الفعاليات، وهذا انتقالٌ نوعي، من التطرف إلى الاعتدال.
وجهة نظرٍ أخرى تقول، وهي تبدو غير مُرحّبٍ بها مع “عصر الانفتاح”، أن هذا الهجوم الإعلامي على المؤسسة الدينية، هدفه مُحاربتها، والقضاء في النهاية على وجودها، لا فقط الحد من صلاحياتها، تحت عنوان الوسطية والاعتدال، فمنذ متى كانت السعودية، ودُعاتها يهتمون بالوسطية، وغالبية مناهجها كانت تقوم على أسس التطرف، والشريعة الإسلامية الصارمة، وهذا زمان بحسب وجهة النظر ذاتها، ربّما يحتاج إلى مُجدّدٍ للدعوة، كأمثال المُتوفّي الشيخ محمد بن عبدالوهاب، الذي جاء إلى زمان، أشبه بهذا الزمان “الفاجر” الذي تنطلق إليه السعودية.
دُعاة الحرية، والمُعارضون للنظام السعودي من جهتهم، يعتقدون أن هذه النقلات الانفتاحية، ليست مُكتملة الملامح، ومُجرّد استكمال صُوري، لعهد يُريده ولاة الأمر الجُدد، فلو كان الأمر “إصلاحياً”، يقول دُعاة الحريّة، لكنّا شاهدنا أصحاب الكلمة خارج السجون، ولسادت أجواء التفاهم، والتفهّم، لكن الحال، باقٍ على حاله، ولأهداف لا تخدم إلا مصالح القيادة.
بلا شك، أن السعودية ذاهبة باتجاه انفتاح غير مسبوق، وبلا شك أن مُحاربة التطرف، هي مُجرّد عناوين، للقضاء تدريجياً على مظاهر التدين المُفرط، حلول السلطات هناك لمُواجهة المُعترضين هي ذاتها، فيوماً ما ظهر من نادى بالحرية، ومُحاربة التشدد الديني، فكانت المُعتقلات مصيرهم، واليوم يبدو أن المُعتقلات ستكون على موعد مع المُعترضين على نهاية شهر عسل المؤسسة الدينية، وهناك من لا يزال منهم إلى اليوم في السجون، لرفضهم التسليم بالعصر الانفتاحي، الذي يبدو أن لا بديل عنه.
لا نعلم إلى أي درجة ستكون القيادة السعودية، حَذِرة في التعامل مع الرموز الكُبرى للمؤسسة الدينية، رغم ذلك الوِفاق المُعلن، والخِصام المُبطّن، لكن من يُدرك طريقة توزيع الحكم في المملكة النفطية، يعلم أن تلك البلاد، قامت على التوافق بين المؤسستين السياسية والدينية مُناصفةً، فكيف هو الحال لو اعترضت “جديّاً” إحداههما، على تصرّفات الأخرى، هل سنكون أمام صِدام التشدّد مع الاعتدال، أم أن الحذر والحكمة ستحكم تصرّفات كل من المؤسستين، وإن كنّا نستبعد الحكمة في حال قرّرت المؤسسة السياسية، التفرّد في قيادة البلاد، وتخليصها تماماً من الشوائب الدينية، للتخلّص من اتهامات الإرهاب الغربية، ليس أمامنا إلا الترقّب والانتظار.
بقلم : خالد الجيوسي ... كاتب وصحافي فلسطيني
ارسال التعليق