“الزّنا حُريّةٌ شخصيّة”: موضوعُ نقاشٍ وجَدل في بلاد الحرمين السعوديّة.. آراءٌ جامحةٌ حَول أُمنيات العلاقات الغراميّة وتَطبيق “المُسلسلات التركيّة” على أرض الواقع..
مع عَصر “الانفتاح والتّرفيه” الذي تَشهده العربيّة السعوديّة، يتداول روّاد مواقع التواصل الاجتماعي، مقاطع فيديو، يبدو مَضمونها دخيلاً على المُجتمع السعودي المُحافظ، بل ومُدهشاً ومُستغرباً، فمن الصعب مثلاً أن ترى شابّاً يقود دراجة وخلفه فتاة لا يجمع بينهما إلا علاقة حب، أو تجد سيارة فيها شبّان تمر من أمام مركز تجاري، لتقل مجموعة فتيات، قد تجمع بينهم صداقة، فرجال الدين في المملكة حاضرون في كل ساح، للإمساك بهؤلاء أصحاب الرذيلة والفسق والفجور.
يتغيّر المشهد اليوم، وينقلب الحال، وتُصبح تلك المشاهد من اختلاط بين شُبّان وفتيات أمراً اعتياديّاً، بل ويتم تداولها هذه الأيام بين نُشطاء التواصل، فها هي بالفعل فتاة تركب الدراجة خلف حبيبها، وتلك الفتيات يركبن مع الأصدقاء، وجولة في السيارة وأكثر قد لا يكون هناك من يمنعها أو يردعها، فرجال الأمر بالمعروف، والمُنكر، قُلّصت صلاحياتها، أو باتت شِبه معدومة، وفي مملكة الصرامة الدينية، تتحوّل الحياة بأمر الولاة فجأةً إلى السلاسة، تحت عنوان الترفيه والتغيير.
نُشطاء موقع التدوينات القصيرة “تويتر”، كان لهم رأيٌ في هذا الانفتاح الذي تشهده بلادهم، وبعد انتشار مقاطع فيديو، وإشارة صُحف غربيّة، إلى وجود علاقات غراميّة في الأسواق، وكما يقول المثل “على عينك يا تاجر” حيث يَجلس المُحب إلى جِوار عَشيقته، أطلق النشطاء وسم “هاشتاق” تحت عُنوان “#الزنا_حُريّة_ شخصيّة”، حيث كان لهؤلاء آراء خارجة عن المألوف، وتحمل في طيّاتها شغفاً بمُمارسة المَحظور، وتعبيراً عن كبت جنسي، وعن انفتاح لم يختبره هؤلاء الشبّان الذي من المفروض أنهم يحملون تربية دينية صالحة، لا عصا تُرشدهم إلى الطريق الصحيح.
وعبر الوَسم المذكور، رَصدت “رأي اليوم” العديد من الآراء والتغريدات الجامحة، فليلى الغامدي قالت أنها طالما تمنّت أن تُمارس العشق دون رقابة رجال الهيئة، أما أحمد الرطبان فأكّد أنه يشعر بالأمل بحضور عصر الترفيه، وضحة ابن هبلان حساب ساخر قالت جميل أن تركب الدراجة إلى جانب عشيقك، أما محمد الغامدي فقال أخيراً سوف نُطبّق المسلسلات التركيّة على أرض الواقع.
وفي مُقابل هذا، أكّد مُطلق الوسم، ويُدعى مشعل بن راشد أن طَرحه “للهاشتاق” بهذا العُنوان، هو للنّقاش والتّداول، وهو ما اعتبره مُعارضون للوسم، تبريراً غير مقبول، ومُساهمة في الانفلات الأخلاقي الذي تمر به بلاد الحرمين، وتحليل للزنا الذي حرّمه الله في جميع الشرائع السماوية، حيث قال أحمد المقبلي: “طالبوا بإلغاء الهيئة وتمّت، طالبوا بقيادة المرأة وتمّت، والآن يُطالبون بإسقاط الولاية في الطريق وهذه النتائج، فسق علني بعد طَمس الهيئة”.
لا بُد أن يُعاني المُجتمع السعودي كما يرى مراقبون، من أزمة هويّة، أي صُعوبة في رسم الصورة التي ستكون عليها هويّته المُستقبليّة، والتي عانت على مدار عُقود طويلة من الأحكام الدينيّة الصارمة، والتطرّف، وأحكام التعامل مع الجنس الآخر، وشروط التعايش معه ضمن ضوابط يصفها البعض بالقاتلة لكل ما هو طبيعي، وها هو اليوم أمام نقلة نوعيّة انفتاحيّة، قد تنحصر هويّة الفرد فيها، أو يحصرها بالغرائز والاختلاط، فهو كان إلى زمن قريب، لا يعرف من النساء إلا وجه والدته وربّما شقيقته، يقول مراقبون.
هذا الجدل الديني والانفتاحي، والذي تُعبّر عنه وسائل التواصل الاجتماعي، بحسب مختصين في الشأن المحلّي السعودي، أمر واقع لا بُد منه، ولكن حتى يتم ضبط عواقب هذا الانفتاح، والمُدافعين عن الصرامة الدينيّة، وتجنّب أي اصطدامٍ فكري، وأخلاقي، ونفسي، واجتماعي بينهما، وَجب التثقيف والإرشاد.
ويقول تربيون سعوديون أنّه لا بُد أن يكون هناك توعية مُجتمعيّة بهذا الانفتاح الذي تُقبل عليه القيادة الجديدة، وكما كان في زمن الصرامة مكاتب دعويّة، لا بُد أن يسعى أصحاب المَشروع الانفتاحي، إلى إنشاء مكاتب اجتماعيّة إرشاديّة، قد تُساهم في عدم حُدوث انفصام في هويّة الفَرد السعودي المُتديّن إلى وقتٍ قريب، وربّما التمهّل في تَحويله إلى شخصٍ يعيش بإحدى الولايات الأمريكيّة دون مُقدّمات، قد يُساهم بتحقيق التغيير المَنشود، وفي غير هذا قد تتحوّل البلاد إلى غابة، في ظل غياب الرّادع، والحَديث هُنا عن رجال الهيئة المُغيّبين، يُحذّر مختصون.
بقلم : خالد الجيوسي
ارسال التعليق