بعد خسائر حزب الله.. هل تقود الرياض هجمة مرتدة؟
أثارت نتائج الانتخابات البرلمانية اللبنانية، التي فقدت فيها جماعة حزب الله الشيعية وحلفائها الأغلبية، تساؤلات عن انعكاسات ذلك على العلاقات مع دول الخليج، التي شهدت خلال المرحلة الأخيرة تدهورا كبيرا جراء هيمنة الحزب الموالي لإيران على المشهد اللبناني.
وأظهرت نتائج الانتخابات البرلمانية التي جرت في 15 مايو/ أيار 2022، حصول حزب الله وحلفائه على نحو 62 مقعدا من أصل 128، بعدما كان يمتلك نحو 71 مع حلفائه وأبرزهم حركة أمل (شيعية) والتيار الوطني الحر (ماروني) في انتخابات 2018.
وشهدت الانتخابات التي حصد فيها سياسيون إصلاحيون 12 مقعدا انخفاضا واضحا في نسبة المشاركة بلغت 41 بالمئة نتيجة لمقاطعة أطراف معارضة للمشهد الحالي، وفي مقدمتها تيار المستقبل (سني) بزعامة رئيس الوزراء الأسبق سعد الحريري.
تحديات كبيرة:
ويواجه لبنان حاليا تحديات كبيرة أبرزها استحقاق تشكيل حكومة وانتخاب رئيس للجمهورية بعد خمسة أشهر، وما بينهما من تحديات مرتبطة بالوضع الاقتصادي والمالي والمفاوضات مع صندوق النقد الدولي.
فضلا عن ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، وغيرها من أمور تحتاج إلى مؤسسات دستورية فاعلة للبت فيها.
وعقب الانتخابات، أعلنت وزارة الداخلية أسماء النواب المنتخبين، دون ذكر العدد النهائي لمقاعد كل فريق.
لكن موقع “النشرة” المحلي كشف أن أبرز نتائج التكتلات المتصارعة أظهرت حلول حزب القوات اللبنانية (مسيحي) بالمقدمة بـ20 مقعدا، ثم التيار الوطني الحر 18 مقعدا، وحركة أمل 15، وحزب الله 13.
وينحصر الصراع في لبنان بين فريقين أساسيين: فريق حزب الله وحلفائه وعلى رأسهم حركة أمل والتيار الوطني الحر.
وفي مواجهتهم، فريق على رأسه حزب القوات اللبنانية الذي تركزت معركته الانتخابية على انتزاع التمثيل المسيحي الأكبر من التيار الوطني الحر.
وعلى ضوء نتيجة التعداد النهائي لأصوات الناخبين، لم ينجح أي فريق في الحصول على أغلبية برلمانية تؤهله لأن تكون له أو لفريقه كلمة الفصل في القرارات.
فبالرغم من أن النظام السياسي الطائفي في لبنان لا يسمح أصلا بحكم على أساس “الأكثرية تحكم والأقلية تعارض”، غير أن فقدان أي فريق القدرة على فرض القرار، يضع البلاد في حالة أكثر تعقيدا من العادة.
وفي ظل هذه المقاربة، يبدو الغائب الأساسي هو الكتلة السنية. فتلك لم تعد مجموعة سياسية أساسية واحدة كما كان عليه الأمر مع رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري ومن ثم الابن سعد.
فبعد إعلان سعد تعليق نشاطه السياسي وعدم مشاركته بالانتخابات، لم يتمكن أي طرف لوحده من تحويل رصيد الحريري الشعبي إليه أو من أن يكون وريثه السياسي على الساحة السنية، وتوزعت مقاعد السنة في الانتخابات على مستقلين ومعارضين دون تكتل جامع.
وبخصوص المرحلة المقبلة، نقلت هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” في 18 مايو، عن وزير الداخلية اللبناني السابق زياد بارود، قوله إنه “في ظل الانقسام الحالي، لا أرى إمكانية أن يحدث انفراجة للوضع السياسي”، قبل أن يذكر أن التعطيل كان سمة مراحل عديدة في البلد.
ولفت بارود إلى أن المخرج الوحيد قد يكون حدوث “معجزة ما في الإقليم تؤدي، نتيجة مفاوضات فيينا أو غيرها، إلى إراحة الوضع اللبناني”، في إشارة إلى الأثر الكبير لدول الإقليم في مسارات السياسة الداخلية في لبنان.
نافذة للتدخل:
وعن مدى انعكاس ذلك على العلاقات مع دول الخليج، توقع الأكاديمي والباحث العماني عبد الله الغيلاني حدوث تحول، “لكنه ليس تحولا جوهريا، لجملة أسباب، أولها أن حزب الله وحلفائه لا يزالون يتمتعون بكتلة وازنة في البرلمان”.
وأضاف الغيلاني خلال تصريحات إعلامية في 18 مايو/ أيار 2022، بأن “الأمر الآخر، هو أن قوة حزب الله لا تتمثل في الحضور البرلماني فقط، بل هي مؤسساتية تملك أذرعا تنفيذية، ولأن أيضا الطرف الآخر (الكتلة البرلمانية الأخرى التي هي قيد التبلور) ليست بنفس القوة التي عليها حزب الله”.
وتابع: “لهذه الأسباب مجتمعة أعتقد أن التحول على خارطة القوى في الساحة اللبنانية لن يكون تحولا جوهريا”.
واستبعد الغيلاني أن يكون تراجع حزب الله وحلفائه بداية زوال هيمنة الأخير على لبنان، معللا ذلك بالقول، إن “حزب الله وحركة أمل احتفظوا بكامل المقاعد، والذي خسر هو التيار الوطني الحر، الحليف الرئيس لحزب الله”.
وأردف: “لذلك على السعودية أولا أن تدعم التيار الذي حقق فوزا جوهريا متمثلا في الكتائب اللبنانية وحلفائها، وأن تعيد قراءة المزاج اللبناني الذي عبرت عنه نتائج هذه الانتخابات”.
وعن تمتع السعودية بمجال أكبر لممارسة النفوذ، أوضح الغيلاني، أن “البرلمان اللبناني اليوم لم تعد فيه كتلة برلمانية مهيمنة، وهذا يعرضه للكثير من الانقسامات، لكن مع ذلك هناك نافذة انفتحت ومساحة تبلورت للسعودية يمكن أن تناور فيها بهذه الدرجة أو تلك”.
وأردف الباحث العماني قائلا: “أي أن قدرة السعودية على المناورة اليوم هي أكبر من ذي قبل، فهناك الكتائب وحلفاؤها، وهناك المستقلون والمجتمع المدني، فانفتحت للسعودية مساحة يمكن أن تمكنها للمناورة لم تكن متاحة من ذي قبل”.
رهان المحادثات:
وعلى الصعيد ذاته، رأى الباحث العراقي بالشأن السياسي لؤي أحمد، إن “تراجع حزب الله وحلفائه لم يكن كبيرا في الانتخابات، والفرصة الوحيدة في إبعاده عن المشهد في المرحلة المقبلة تقتضي بزيادة الدعم السعودي والخليجي للقوى الفائزة لتشكيل تحالف أكبر”.
وأضاف أحمد لـ”الاستقلال”، أن “حزب الله لا يزال مهيمنا على المشهد في لبنان، وتخفيف قبضته يتطلب توحد الخصوم في جبهة قوية متماسكة، قادرة على إعادة العلاقات مع الخليج للنهوض بواقع لبنان المأساوي”.
وأشار إلى أن “حزب الله يمتلك القوة على الأرض، وكذلك كتلته البرلمانية ليست بالقليلة، فلديه حلفاء متفرقون فازوا في الانتخابات من غير حركة أمل الشيعية والتيار الحر، وذلك قد يعيق أصلا تشكيل الحكومة من دون التوصل إلى اتفاق معه”.
وتوقع الباحث أن “يكون سمير جعجع زعيم حزب القوات اللبنانية متصدرا المشهد في المرحلة المقبلة، فهو حليف السعودية ويرفض الدور الإيراني وهيمنة حلفائها في لبنان”.
ولفت إلى أنه “في حال تمكنت السعودية من لملمة القوى المتناثرة وتشكيل كتلة الأغلبية في البرلمان اللبناني، فساعتها يمكن القول إن تأثير حزب الله على الحكومة تراجع وربما يكون مقدمة لتراجعه في الانتخابات المقبلة”.
وتابع: “كذلك يتوقف تراجع حزب الله وعودة العلاقة الخليجية اللبنانية على المحادثات بين إيران والسعودية، والتي من المقرر أن تجري خلال الأيام المقبلة بين وزيري خارجية البلدين، وربما نشهد انفراجة في الملف اللبناني كما حصلت في الملف اليمني”.
مواجهة منتظرة:
في المقابل، كان حزب الله أول من أعلن، عبر مكتبه الإعلامي، في 18 مايو، عن عدد المقاعد التي حصدها مع حلفائه في الانتحابات، مشيرا إلى أنهم نالوا 61 مقعدا من أصل 128.
وعقب ذلك أعلن زعيم التيار الوطني الحر جبران باسيل، أبرز من ندد الحراك الشعبي بسياسته، أن التيار انتصر في الانتخابات النيابية، وهناك كثيرون كانوا ينتظرون سقوطنا وتحولنا إلى جثة سياسية، لكن النتيجة أننا كنا وبقينا، ومستعدون للعمل مع الجميع.
ولم يعلن باسيل في كلمته في 19 مايو عن رقم المقاعد التي حصل عليها التيار، لكنه قال إن “الأكثرية ليست بيد أحد، ونحن لا نهرب من المسؤولية، سواء كنا في الحكم أو المعارضة”.
ومن المتوقع أن يفرض هذا الواقع تغييرا في شكل التحالفات داخل قبة البرلمان بحسب القضايا المطروحة، بحيث يكون التقاطع والتنافر بين الأطراف المختلفة غير ثابت.
لكن هذا لا ينفي أن البرلمان الجديد قد يكون مسرحا لـ”مواجهات” بين القوى المتنافرة.
وتمكن حزب القوات اللبنانية من رفع عدد مقاعده النيابية بشكل قياسي منذ عودته إلى الحياة السياسية إثر خروج زعيمه سمير جعجع من السجن عام 2005.
ويعني هذا أن “القوات” باتت تقارع “التيار الوطني الحر” في حجم تمثيل المسيحيين في البلاد، وهو ما قد يجعل المواجهة السياسية بينهما حادة للغاية.
وفي هذه النقطة، يؤكد مدير شركة “ستاتيستكس ليبانون” للإحصاءات ربيع الهبر، هذا الأمر، واصفا المرحلة المقبلة بـ”مرحلة المواجهة السياسية الكبرى”.
وأضاف الهبر، خلال تصريح إعلامي له في 18 مايو، أن “القوات اللبنانية باتت اليوم تمثل جزءا كبيرا من المسيحيين، ولا يزال التيار الوطني الحر يمثل هو أيضا جزءا كبيرا من المسيحيين، وهو ما سيعكس مزيدا من التصادم ومن المواجهة”.
وعلى الرغم من ذلك، لا يستبعد الهبر أن تشهد المرحلة المقبلة “اتفاقات بين الأحزاب السياسية المسيحية على مواضيع بعينها”.
ارسال التعليق