تهجير قسري جديد بذريعة تحويل المحميات الطبيعية إلى ملكية
كشف تحقيق صحفي ممارسة الحكومة السعودية تهجير قسري جديد من بوابة تحويل المحميات الطبيعية إلى ملكية بدعوى حماية الحياة الفطرية.
وقال التحقيق الذي نشرته صحيفة “صوت الناس” المعارضة إن النظام السعودي عكف في أعقاب تدرج الأمير المدلل محمد بن سلمان في هرم السلطة ووصوله إلى ولاية العهد في يونيو/حزيران 2017، على توسيع مساحات المحميات الطبيعية وتحويلها إلى ملكية خاصة.
وبحسب التحقيق تضمن ذلك إصدار أوامر ملكية تشرعن مصادرة أراضي الشعب بإثبات أن ملكيتها تعود للدولة وليس من حق السعوديين أن يسكنوها، وبالتالي فإن تهجيرهم قسريا يصبح حقا مكتسبا للسلطة.
والمحمية الطبيعية عبارة عن منطقة جغرافية بمساحة محددة، تُطبق فيها نظم حماية خاصة جدًا من التلوث أو الصيد، بحسب بيئتها، كونها فريدة في محتواها الجيولوجي أو النباتي أو الحيواني، وغالبًا ما تشتمل على أنواع وسلالات نادرة أو مهددة بالانقراض.
أما المحميات الملكية فيقصد بها مساحات جغرافية متوزعة في أنحاء السعودية مفترض قانونا أنها ذات ملكية عامة، لكن الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود حولها بأوامره الملكية التي أصدرها في يونيو/حزيران 2018، إلى ملكيات خاصة بآل سعود، حيث أسند الإشراف عليها لمجلس بالديوان الملكي ذو استقلال مالي وإداري يسمى مجلس المحميات الملكية.
ويرأس المجلس ولي العهد بن سلمان، ويكون لكل محمية ملكية مجلس إدارة وجهاز يتولى الإشراف على تطويرها ويتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري، الأمر الذي يحول تلك المحميات لعزبة خاصة بشكل مقنع، خاصة في ظل عدم وجود مشاركة سياسية شعبية أو إعلام يمثل صوت الشعب، أو رقيب يمنع وقوعها.
ويضم مجلس المحميات إلى عضويته كلا من الأمير تركي بن محمد بن فهد، الأمير محمد بن عبدالرحمن بن عبدالعزيز، الأمير عبدالعزيز بن سعود بن نايف، الأمير عبدالله بن بندر بن عبدالعزيز، الأمير بدر بن عبدالله بن محمد بن فرحان، ووزير البيئة والمياه والزراعة، واثنين من ذوي الاختصاص يختارهما رئيس المجلس.
وبذلك أصبحت أرض المملكة وما عليها ملكية خاصة خاضعة لسيطرة آل سعود، أما الرعية فنصيبهم التهجير القسري والقتل في حال عدم الانصياع للأوامر الملكية، خاصة أن بن سلمان كان له نصيب الأسد من القرارات الملكية التي سميتها حينها بـ”قرارات الفجر” واستحوذ بختم من والده على مزيدا من النفوذ والصلاحيات.
ويتم التوسع في المحميات الملكية بدعوى الحفاظ على الحياة الفطرية وتنميتها ورعايتها وزيادة الغطاء النباتي والحفاظ على الحيوانات المهددة بالانقراض، حتى تفاخر بن سلمان، في 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، بأنه عمل منذ 2016 على رفع نسبة المحميات الطبيعية من 4% إلى ما يزيد عن 14% من إجمالي أراضي المملكة، وإنشاء قوة خاصة للأمن البيئي بلغ عدد منسوبيها 1100 فرد.
وزعمت السلطة في أعقاب إعلان القرارات الملكية أن من فوائد المحميات الملكية زيادة رقعة الغطاء النباتي لصناعة عقاقير طبية منتجة من النباتات العطرية المزروعة في البيئات المحمية؛ بينما بلغت واردات المملكة من الأدوية الطبية في العام ذاته نحو 43 مليون كيلو، بقيمة إجمالية تقدر بنحو 16.71 مليار ريال.
وفى عام 2022، أفادت الهيئة العامة للجمارك بأنه جرى استيراد أكثر من 27.9 ألف طن أدوية، منذ مطلع العام حتى الآن أغسطس/آب من العام ذاته.
وادعى القرار الملكي إن الهدف من تشكيل مجلس المحميات، هو تنظيمها بحيث لا تتضرر أملاك المواطنين وقراهم وهجرهم التي تقع ضمن نطاقها، وللحد من الصيد، والرعي الجائر، ومنع الاحتطاب؛ من أجل زيادة الغطاء النباتي وحمايته، وكذلك إنماء البيئة الطبيعية للحيوانات والنباتات والمحافظة عليها، لكن الخرائط تثبت توسع المحميات بشكل يضر بأملاك مواطنين.
وتطرق القرار إلى تحديد ست محميات ملكية وتسميتها وتشكيل مجالس إداراتها على النحو التالي تكون محمية “روضة خريم” والمناطق المجاورة لها محمية ملكية، وتسمى (محمية الإمام عبدالعزيز بن محمد) وتبلغ مساحتها 11300 كيلو متر مربع على أن يترأسها الأمير تركى بن محمد بن عبد العزيز آل سعود وعضوية ستة أشخاص من ذوي الخبرة والاختصاص يرشحهم مجلس المحميات الملكية.
وتكون “محمية محازة الصيد” محمية ملكية وتبلغ مساحتها 2240 كم، وتسمى (محمية الإمام سعود بن عبدالعزيز) ويكون مجلس إدارتها برئاسة الأمير عبدالله بن بندر بن عبدالعزيز آل سعود، وعضوية ستة أشخاص من ذوي الخبرة والاختصاص يرشحهم مجلس المحميات الملكية.
وأيضا تكون محمية “التيسية” والمناطق المجاورة لها محمية ملكية، وتسمى (محمية الإمام تركى بن عبد الله)، ويكون مجلس إدارتها برئاسة الأمير تركي بن محمد بن فهد بن عبدالعزيز آل سعود، وعضوية ستة أشخاص من ذوي الخبرة والاختصاص يرشحهم مجلس المحميات الملكية.
وتكون محميتا “التنهات، والخفس” والمناطق المجاورة لهما محمية ملكية وتبلغ مساحتها 15700 كيلو متر مربع وتسمى (محمية الملك عبدالعزيز) ويكون مجلس إدارتها برئاسة صاحب الأمير عبدالعزيز بن سعود بن نايف بن عبدالعزيز آل سعود، وعضوية ستة أشخاص من ذوي الخبرة والاختصاص يرشحهم مجلس المحميات الملكية.
في حين تكون محميات “الخنفة، والطبيق، وحرة الحرة ” والمناطق الواقعة بينها والمجاورة لها محمية ملكية وتبلغ مساحتها 130700 كيلو متر مربع و تسمى ( محمية الملك سلمان بن عبدالعزيز)، ويكون مجلس إدارتها برئاسة الأمير عبدالعزيز بن سعود بن نايف بن عبدالعزيز آل سعود، وعضوية ستة أشخاص من ذوي الخبرة والاختصاص يرشحهم مجلس المحميات الملكية.
أما المنطقة الواقعة بين “مشروع نيوم، مشروع البحر الأحمر ، العلا” تكون محمية ملكية ، وتبلغ مساحتها 16000 كيلو متر مربع وتسمى (محمية الأمير محمد بن سلمان)، على أن يكون مجلس إدارتها برئاسة ولى العهد نائب رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وعضوية ستة أشخاص من ذوي الخبرة والاختصاص يرشحهم مجلس المحميات الملكية.
وأثار قرار إنشاء مجلس المحميات جدلا واسعا بين أوساط الشعب السعودي، وكان من أكثر القرارات الصادمة للرأي العام.
وأعرب كثيرون عن مخاوفهم منه، ونادوا بحماية الأراضي السعودية من عملية التهجير المرتقبة، واعتبروه بمثابة سرقة ونهب الأراضي السعودية، ولكن بشكل مقنع، حيث أصبح بن سلمان مسيطرا على 14% من مساحة أراضي المملكة.
وتعجب سعوديون من وضع أسماء الأمراء والملوك على المحميات واستبدال أسمائها المعروفة والمتعارف عليها والمسجلة رسميا في الخرائط الجغرافية والبيئية والجامعات البحثية بأسماء الملوك والأمراء، وعدو ذلك تكريسا للملكية الخاصة ولا تتسق مع الأمر الملكي بفتح المحميات للمواطنين.
وحذر مراقبون من أن هذا بدوره سيؤدى لاحقا إلى اتساع الفجوة بين الشعب المطحون والأسرة الحاكمة المستأثرة بالبلاد، مما سيؤدى إلى زيادة التمييز الطبقي، خاصة في ظل معاناة الشعب من ظاهرة “الشبوك” التي يسطو بموجبها أفراد الأسرة الحاكمة على الأراضي الشاسعة في السعودية، ويصادروها بدعوى إنشاء مشاريع تدر أرباح مالية واسعة لهم.
وبدوره، رصد حزب التجمع الوطني السعودي المعارض للسلطة، حجم التوسع في المحميات الملكية في مقطع فيديو نشره في 6 يوليو/تموز 2021، حث خلاله الشعب السعودي على حماية أراضيه من عملية تهجير مرتقبة، موضحا أن التوسع المرعب في محميات بن سلمان تستهدف قرى ومناطق كاملة.
وأشار إلى أنه تمهيدا لذلك التوسع تم سحب صلاحيات الحماية الفطرية وإسنادها إلى الديوان الملكي تحت اسم مجلس المحميات الملكية الذي أقره الملك سلمان، راصدا تحول شكل المحميات من بقع جغرافية في أماكن بقلب الصحراء إلى مساحات شاسعة شملت مدن وقرى بها العديد من السكان.
وأكد الحزب أن الخطر يكمن في إنشاء محمية جديدة من العدم على طرف البحر الأحمر اسمها (محمية محمد بن سلمان)، لأنها في الواقع يجرى التخطيط لثلاث أماكن جديدة واحدة في شمال المحمية باسم نيوم والثانية في جنوب المحمية باسم مشروع البحر الأحمر والثالثة باسم محافظة العلا”.
وحذر من أن المخطط يقوم على حساب مدن كاملة وبالتالي يمكن أن يؤثر هذا المشروع على الناس في هذه المناطق، وخصوصا المناطق الغربية الشمالية التي تشمل غرب تبوك مثل حقل وضباء والوجه وأملج، متوقعا تهجير السكان المحليين على عدة مراحل، وبالفعل بدأت السلطة بإخراج المواطنين من شرما والخريبة القريبة من القصور الملكية في نيوم، بالإضافة إلى إنشاء مطار مصغر في شرما القريبة من نيوم.
حقيقة الأمر أن هناك ضوابط تضمنها القرار الملكي الصادر بإنشاء هيئة بالديوان الملكي منظمة لعمل المحميات “مجلس المحميات” وفقا لما جاء في مشروع اللائحة لتنفيذية للمناطق المحمية، وهي أن مناطق المحميات تنشأ على أرض غير مملوكة ملكية خاصة وليس لأحد عليها حق اختصاص، أو امتياز، أو حج.
وأكد القرار أن في حالة وجود حق ملكية أو حق اختصاص أو امتياز أو حجز على إحدى المناطق المراد إعلانها كمحمية يتم معالجة الأمر بالتنسيق مع الجهات المعنية أو صاحب الاختصاص – ما لم يتنازل صاحب الحق عن حقه- ، تُعدل خارطة المنطقة المحمية، أو يختار بديل عنها، فيما عدا نطاق الحماية الصارمة يجوز للمركز إقامة المنطقة المحمية رغم وجود ملكيات خاصة مع تمكين صاحب الملكية الخاصة الانتفاع منها.
لكن المتوقع في عهد بن سلمان الذي لا يحظى بأي ثقة شعبية، وتعاني غالبية مشاريعه من التعثر والفشل، وطوى بعضها النسيان واستنزفت أخرى ميزانية الدولة دون طائل، ألا تلتزم السلطات السعودية بتلك الضوابط ومخالفتها، والدليل على ذلك ما حدث مع عائلة الحويطات وهدد جدة.
ارسال التعليق