خبتُم وخابت قممكم ولا حيّاكم الله
بقلم: يارا بليبل...
مهرجان خطابي رعته الرياض في اليوم الـ36 للعدوان الصهيوني على قطاع غزة، تحت شعار "لا يكلّف الله نفسا إلا وسعها". هذا ما تؤكده مخرجات القمة العربية والإسلامية التي جمعت 57 دولة بشكل "طارئ" على حدّ وصف البيان.
بات انعقاد القمم العربية، صورة جديدة للـ "المهزلة العربية " المستمرة منذ آذار 1945 حتى تاريخنا في مدركات الشعوب. كيف لا، وبياناتها الختامية تكاد تكون نفسها مع فرق التوقيت. سجاد أحمر يفرش، وفود تملؤ أروقة الفنادق الفارهة، لقاءات تحفظ درجة حرارة أجساد الحاضرين وتبعدهم عن إزعاج الحر أو البرد، منعا من تشتيت تركيزهم وجدولة قراراتهم المنتظرة.
انتهت مسرحية القمة العربية والإسلامية الطارئة على نيّة غزة، بإصدار بيان "حاسم" أدبيا لا يخلو من التنديد والشجب ودعوة المجتمع الدولي للتدخل وغيرها من المصطلحات التي عفا عليها 37 يوم من الهمجية الإسرائيلية المستمرة على أبناء قطاع غزة المحاصر، والتي أتت بعد استشهاد أكثر من 11 ألف فلسطيني، أغلبهم من النساء والأطفال.
أُخذت الصورة التذكارية، وحفظت في الأرشيف كأحد إنجازات القمة القليلة، أن جمعت شتات القادة العرب والمسلمين تحت قبة واحدة.
وطالعتنا الصحف السعودية والخليجية عموما، في صفحاتها الأولى بترويجها للقمة وكأنها إنجاز عربي وإسلامي يشكل نقطة مفصلية في تاريخ الصراع. وبكل وقاحة خرج محمد بن سلمان مترئسا القمة ومفتتحا أعمالها ليدّعي "مساعي المملكة الحثيثة لحماية المدنيين في قطاع غزة منذ بداية الأحداث، واستمرارها بالتشاور والتنسيق مع أشقائها والدول الفعالة في المجتمع الدولي لوقف الحرب".
وهنا لا بدّ من تأكيد ذلك، بالإشارة إلى بيانات الخارجية السعودية منذ انطلاق عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر الماضي، واللغة المحايدة المعتمدة، وكذا إصرار المملكة على إقامة حفلات الرقص والمجون والغناء على دماء أهل غزة..ففي الوقت الذي كان ليل غزة يضيء من هول الضربات الإسرائيلية البحرية والجوية والبرية مخلفا وراءه الإبادة لعائلات بأكملها، كان ليل الرياض يصدح بالغناء وتمايل الآلاف من "السعوديين" كالسكارى والمغشى عليهم من قلة الحياء والإنسانية.
كتب عبدالله بن بجاد العتيبي في صحيفة الشرق الأوسط السعودية مهللا لقيادة الرياض القمة الاستثنائية بوصفها " القائد المعترف له بحق القيادة عربيا وإسلاميا، وحين يتعلق الأمر بفلسطين فالشعوب العربية والإسلامية تثق ثقة كاملة بالسعودية بوصفها القائدة الأمنية التي وقفت مع فلسطين على مدى عقود من الزمن دون أي أجندات أو مصالح ذاتية، بل لمصلحة فلسطين فقط لا غير" ولا يخجل العتيبي من الغمز من قناة حماس متهما إياها "بخلط الأوراق والفوضى".
وختم بالقول "بدأت الأصوات الفلسطينية المكلومة تخرج من داخل غزة في مقاطع مصورة تتخذ مواقف صريحة ضد الفصائل المسلحة، التي جرّت على الشعب الفلسطيني كل هذا الدمار دون أن تستشيره أو تأخذ رأيه".
كم هو مخجل اتهام المقاومة في فلسطين بأنها "تخنق صوت أهل غزة"، وتشير إلى أنهم يرفضون ما حققته في السابع من أكتوبر، بل ويتجرأ الكاتب بإصراره على أن المقاومة لم تأخذ برأي أهالي غزة للقيام بما قامت به.
غريب أمر كاتبي بلاط آل سعود. ليس في وقاحتهم فحسب، بل في قدرتهم على استغباء الشعوب ومعاداتها عبر تغييب الحقائق. هل أخذ النظام السعودي رأي الشعب في قرار منع تنظيم أي وقفة أو مظاهرة احتجاجية في "السعودية"دعما لأهالي القطاع؟ هل أخذ النظام السعودي رأي الشعب في اعتراضه للصواريخ اليمنية الموجهة باتجاه فلسطين المحتلة؟ هل أخذ محمد ابن سلمان رأي الشعب في تصويته وثلاثة من دول العربان رفضا لاقتراح من 5 بنود شمل: منع استخدام القواعد العسكرية الأميركية لتزويد "إسرائيل" بالذخيرة، تجميد العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية، التهديد باستخدام النفط، ومنع الطيران المدني الإسرائيلي من المرور بالمجال الجوي العربي؟
وهنا نذكر أيضا بما جاء على لسان وزير وزير الاستثمار السعودي، خالد بن عبد العزيز الفالح، على أن مسألة تطبيع العلاقات بين بلاده وكيان الاحتلال لا تزال قيد المناقشة، لكنها مشروطة بالحلّ السلمي للقضية الفلسطينية. وردّ الفالح على سؤال بشأن التطبيع في جلسة نقاشية في منتدى “بلومبيرغ” للاقتصاد الجديد المنعقد في سنغافورة: “لقد كان هذا الأمر مطروحاً على الطاولة، وما زال مطروحاً، ومن الواضح أن الانسحاب الأخير (من المحادثات)، يوضح سبب تصميم السعودية بشدة على أن يكون حل الصراع الفلسطيني جزءاً من تطبيع أوسع في الشرق الأوسط”. وعندما سُئل الفالح عما إذا كانت “السعودية” ستستخدم الأدوات الاقتصادية، مثل سعر النفط، لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، ضحك وأجاب: “هذا ليس مطروحاً على الطاولة اليوم. السعودية تحاول تحقيق السلام عبر محادثات تسعى إلى السلام”.
والفالح بتصريحاته يؤكد موقف "ربه الأعلى" محمد بن سلمان، من التطبيع وحديثه في مقابلته الأخيرة على "فوكس نيوز" عن قرب بلاده من التطبيع مع الكيان.
هي شعارات إذاً، وخطابات ملّ الحبر حتى من تدوينها. اليوم، كالأمس كالآتي من الأيام تتمترس الأنظمة العربية خلف تطبيعها وعلاقاتها الدبلوماسية مع المحتل وراعيه. خلف مصالحها واختلال موازناتها وخوفها من الجار القريب الذي رفع لواء تحرير فلسطين. الكلمة للميدان فقط، ولأهل غزة فانكسوا رؤوسكم بالرمال وانتظروا الكلمة الأخيرة.
ارسال التعليق