إحياء قضية قبيلة الحويطات تؤجج الرأي العام البريطاني
حين قُتل عبد الرحيم الحويطي على يد رجالات "الأمن" السعودي، الرجل الذي قاوم ضد قرار تخلية منطقته لصالح بناء مدن خيال محمد بن سلمان، تفجّرت أمام المجتمع الغربي صورة "النظام" الحقيقية الكامنة خلف أكاذيب الإصلاح. مذ حينها سعى "النظام" بأدواته تلفيق رواية قتل عبد الرحيم تقول بأنه "قام بمهاجمة قوات الأمن التي كانت تتعامل بسلمية مع أهالي المنطقة"، إلى أن اضطرت الأخيرة "التعامل مع خطره عبر إطلاق النار عليه". لكنها رواية تم نفيها من قبل العديد من المنظمات الحقوقية التي جمعت شهادات تثبت استخدام الأمن للقوة المميتة في وجه قبيلة الحويطات رغم سلمية أفراد القبيلة.
أخيراً كشف ضابط استخبارات سابق لمحطة "بي بي سي" أن السلطات السعودية أمرت بشكل واضح باستخدام القوة المميتة لإخلاء الأراضي من سكانها، في سبيل إنشاء مدينة مستقبلية تبنيها عشرات الشركات الأجنبية. العقيد رابح العنزي، الذي خرج من السعودية العام الفائت، أفاد للمحطة بأنه كان من المقرر أن يستلم المهمة بنفسه لكنّه ولأسباب طبية تمنّع عنها.
ذكر العقيد العنزي أن أمر الإخلاء الذي طُلب منه إصداره كان يخص قرية الخريبة، على بعد 4.5 كيلومتر جنوب "ذا لاين". وكان معظم سكان القرى من قبيلة الحويطات، التي سكنت منطقة تبوك شمال غربي البلاد منذ أجيال. وأضاف أن الأمر الصادر في أبريل/نيسان 2020 ينص على أن قبيلة الحويطات مكونة من "العديد من المتمردين" و"ينبغي قتل كل من يستمر في مقاومة الإخلاء، لذا فقد سُمح باستخدام القوة المميتة ضد كل من بقي في منزله"، وهو الأمر الذي نُفّذ على أساسه حكم إعدام عبد الرحيم أمام أنظار أسرته لأنه رفض السماح للجنة تسجيل الأراضي بتقييم ممتلكاته.
أقر العقيد العنزي بأن نيوم "هي محور اهتمام محمد بن سلمان، ولهذا السبب كان وحشياً للغاية في التعامل مع الحويطات".
الجريمة التي ارتكبتها قوات "الأمن" السعودية كان لها صدى عند المستثمرين الأجانب، فصرّح آندي ويرث، الرئيس التنفيذي السابق لمشروع نيوم للتزلج لبي بي سي، إنه سمع عن مقتل عبد الرحيم الحويطي قبل أسابيع قليلة من مغادرته الولايات المتحدة لتولي هذا المنصب في عام 2020.
وأضاف آندي ويرث أنه سأل أصحاب العمل مراراً وتكراراً عن عمليات الإخلاء، ولكن لم يكن راضياً عن الإجابات، التي وصفها بأنها "كانت تفوح منها رائحة شيء فظيع فُرِض على هؤلاء الناس. لا يمكنك أن تطأ أعناقهم بحذائك كي تتمكن من التقدم". وأضاف أنه انسحب من المشروع بعد أقل من عام من انضمامه إليه، بعد أن شعر بالإحباط بسبب إدارته.
ولاقى المشروع أيضاً انتقاد رئيس شركة تحلية بريطانية، الذي انسحب من مشروع "ذا لاين" باستثمارات تقدر بـ 100 مليون دولار في عام 2022.
قال مالكولم آو، الرئيس التنفيذي لشركة سولار ووتر: "قد يكون الأمر جيداً لبعض من يعيشون في تلك المنطقة من المهتمين بالتقنيات التكنولوجية العالية، ولكن ماذا عن الباقين؟". وأضاف أنه ينبغي النظر إلى السكان المحليين على أنهم عنصر ذو قيمة للمشروع، بالنظر إلى مدى خبرتهم بالمنطقة، قائلاً "ينبغي عليك طلب المشورة لتحسين [المنطقة] وإنشائها وإعادة بنائها دون إزالتها".
نشرت بي بي سي ضمن تحقيقها خريطة تُظهر تبدّل شكل القرى المهدمة، الخريبة، وشرما، وقيال بين عام 2018 واليوم. حيث اختفت المنازل والمشافي والمدارس، في دلالة على أن القرى كانت مأهولة بالسكان والخدمات، قبل أن يتم طرد سكانها الذي يزيد عددهم عن 6 آلاف نسمة.
تحدثت المحطة في تحقيقها مع أحد الذين تم إجلاؤهم من مناطقهم ضمن عمليات "هدد جدة"، ووصف صدمته عند رؤية حال قريته بعد الإخلاء وكأنها منطقة حرب، واصفا ما حصل بالقول: "إنهم يشنون حرباً على الناس، حرباً على هوياتنا".
يشار إلى أن عبد الرحيم الحويطي كان قد نشر مقاطع فيديو عبر الإنترنت يقول فيها، إنه كان واحدا من بين العديد من الأشخاص الذين يرفضون ترك ممتلكاتهم لإفساح المجال لمخطط “نيوم” الذي تبلغ تكلفته 500 مليار دولار ، وأنه يتوقع الموت لأجل ذلك. وظهر في أحد مقاطع الفيديو يقول: “كل من يرفض نقله يتعرض للهجوم.. لقد اقتحم تسعة أشخاص منازل مواطنين واعتقلوا من فيها، وسوف يحين دوري قريباً لقد حكمنا أطفال مثل محمد بن سلمان. لذا ليس من المستبعد أن يتم اتهامي بالإرهاب”.
ردات فعل بريطانية داعية لتجميد حضور مؤتمر في الرياض:
لعل أهمية مثل هذه التحقيقات ليس في تأثيرها على نظرة الداخل "السعودي" إلى هذا "النظام"، بقدر ما تكمن أهميتها في ما تثيره من ردات فعل في المجتمع الغربي تجاه استثامارات بلادهم في "السعودية".
فقد تعرضت بعثة تجارية بريطانية كبرى إلى "السعودية" إلى جدل وسط التحقيق البريطاني الذي أثبت ارتكاب قوات الأمن السعودي جريمة بحق أحد مواطنيها لصالح مشاريع تسعى لجذب استثمارات من بلادهم. وانتقدت أوساط بريطانية عدم تجميد بريطانيا بعثة تجارية مرتقبة لها إلى "السعودية"، فلا يزال من المقرر أن يسافر نائب رئيس الوزراء أوليفر دودن ووزير الاستثمار دومينيك جونسون إلى الرياض الأسبوع المقبل مع وفد بريطاني مكون من 300 فرد لاستضافة معرض تجاري وسياحي وثقافي كبير بالشراكة مع "الحكومة" السعودية.
وفي حين بات من المعتاد أن تطلق الصحافة الاجنبية على "مشاريع رؤية 2030" توصيف "المشاريع المثيرة للجدل"، انتقد الإعلام البريطاني زيارة الوفد البريطاني المرتقبة إلى "السعودية" قائلة: بينما يستعد المندوبون البريطانيون للسفر إلى الدولة الخليجية، تهدد التقارير المثيرة للقلق بإلقاء ظلالها على الخطط.
وقد أثار قرار نائب رئيس الوزراء البرطاني أوليفر دودن حضور رحلة الأسبوع المقبل إلى الرياض، غضب جماعات حقوق الإنسان.
وقالت دانا أحمد، باحثة شؤون الشرق الأوسط في منظمة العفو الدولية: "يجب على وفد الأعمال المتوجه إلى السعودية أن يدفع باتجاه إجراء تحقيق مستقل في ظروف عمليات الإخلاء وقتل الأشخاص الذين كانوا يحتجون على مشروع نيوم"، "تابعة قائلة ومع ذلك، فإننا نعرف جيدًا تحديات إجراء تقييم حقوق الإنسان في السعودية، لذلك في مثل هذه الحالات التي لا يكون فيها تقييم المخاطر والتخفيف الفعال ممكنًا، يجب على المؤسسات التجارية أن تفكر في عدم القيام بالنشاط ذي الصلة".
من ردات فعل جماعات حقوق الإنسان في بريطانيا على زيارة أعضاء من الحكومة البريطانية للسعودية، قال توم ويلز، مدير مجموعة حملة حركة العدالة التجارية، إن مزاعم نيوم هي "دليل إضافي على أنه من غير المناسب للمملكة المتحدة المضي قدمًا في المفاوضات التجارية مع دول مجلس التعاون الخليجي".
وأضاف: "بدلاً من مرافقة رحلات الأعمال إلى الأنظمة التي تنتهك الحقوق، يجب على وزراء الحكومة أن ينظروا في كيفية استخدام سياساتنا التجارية لتعزيز معايير عالية لحقوق الإنسان وحماية البيئة".
في معرض حديثه عن هذه المخاوف خلال فعالية أقيمت في لندن، قال وزير الخارجية ديفيد كاميرون إنه "اطلع للتو" على تحقيق بي بي سي لكنه "سيتعامل مع هذه القضية عندما نصل إلى حقيقة ما يُزعم".
استثمارات الحكومة البريطانية في السعودية: دفعة ما قبل الانتخابات:
فضح "السلطات" السعودية مجددا أمام الرأي العام البريطاني، أعاد إلى الواجهة دوافع بريطانيا الكامنة خلف اندفاعها الاستثمار في مشاريع رؤية 2030. فقد وصفت صحيفة بوليتيكو البريطانية ما ستستثمره الحكومة الحالية في "السعودية" بأنه الفرصة الأخيرة لها لتحقيق فوز تجاري قبل الانتخابات المقبلة خلال الأشهر القادمة، ذلك بعد عدد من الانتكاسات التي مُنيت بها الحكومة البريطانية الحالية في علاقاتها التجارية مع بعض الدول.
"على الرغم من أن المشروع الغامض - المعروف باسم نيوم - لا يزال بعيدًا عن الاكتمال، إلا أنه أصبح رمزًا للثروة الهائلة المشتقة من النفط في البلاد والتي تأمل حكومة المملكة المتحدة في الاستفادة منها من خلال اتفاقية التجارة الحرة مع دول الخليج" تقول الصحيفة.
وتقر بوليتيكو "لا يشعر الجميع بسعادة غامرة إزاء احتمال إقامة علاقات اقتصادية أوثق مع الدول المُدانة بسبب انتهاكاتها لحقوق الإنسان وسجلها البيئي".
ارسال التعليق