ابن سلمان ضغط للتضيق على معارض لنظامه في لندن
كشفت وثائق مسربة أن ولي العهد محمد بن سلمان مارس شخصيا ضغوطا على الحكومة البريطانية للتدخل في القضية القانونية التي رفعها معارض سعودي في لندن ضد الحكومة السعودية، وسط تهديدات من جانب مسؤوليها بأن هذه القضية “قد تكون لها آثار” على استثمارات بقيمة 100 مليار جنيه إسترليني في المملكة المتحدة.
وتظهر وثائق حكومية بريطانية حصلت عليها صحيفة الغارديان أن وزير الخارجية البريطاني السابق ديفيد كاميرون طلب من كبار المسؤولين في وزارة الخارجية اقتراح خيارات بعد التدخل الاستثنائي من قبل ولي العهد بشأن القضية التي رفعها غانم المصارير، وهو منتقد بارز للعائلة المالكة السعودية والذي يعيش تحت حماية اللجوء في المملكة المتحدة.
وتتمحور قضية المصارير حول أن الحكومة السعودية أمرت باختراق هاتفه وأنه تعرض لاعتداء جسدي من قبل عملاء للمملكة في لندن في عام 2018.
وأكد باحثون في مختبر Citizen Lab بجامعة تورنتو، وهم من بين الخبراء الرائدين عالميا في تتبع المراقبة الرقمية للمعارضين والصحفيين وغيرهم من أعضاء المجتمع المدني، استهداف هاتف المصارير واختراقه من قبل شبكة مرتبطة على الأرجح بالسعودية.
وأثار محمد بن سلمان السعودي القضية مع كاميرون، وزير الخارجية آنذاك، على هامش اجتماع المنتدى الاقتصادي العالمي الذي عقد في الرياض في أواخر أبريل/نيسان.
وجاءت جهود الضغط التي قام بها ولي العهد في أعقاب ضغوط سابقة من جانب وزراء سعوديين كبار، بناء على أوامره، والذين حذروا من أن هذه القضية قد يكون لها “تداعيات على الاستثمارات السعودية الحالية والمستقبلية في المملكة المتحدة والتي قيل لنا إنها تزيد عن 100 مليار جنيه إسترليني”، وفقا لملخص أعده مسؤولون بريطانيون.
وحصلت صحيفة الغارديان على السجلات من خلال طلب حرية المعلومات. وهو ملخص أعده موظفو الخدمة المدنية في حزمة إحاطة لزيارة وزارية لاحقة إلى المملكة من قبل كيمي بادينوخ، زعيمة حزب المحافظين الحالية ووزيرة التجارة آنذاك، في مايو 2024.
وظهرت التفاصيل مع اختتام كير ستارمر لزيارة إلى الشرق الأوسط، بما في ذلك المحادثات مع ولي العهد.
وفي يناير/كانون الثاني، رفضت محكمة الاستئناف دعوى تقدم بها محامون سعوديون بهدف منع استمرار القضية.
وكانت المحكمة العليا قد قضت في عام 2022 بإمكانية المضي قدماً في القضية على الرغم من مزاعم السعودية بحصانة الدولة، بعد أن فشلت المملكة في دفع 210 آلاف جنيه إسترليني كضمان لتكاليف ماسارير.
وقال المصارير إنه “من المذهل وغير المقبول أن يعتقد [ولي العهد] أنه يستطيع التلاعب بالحكومة البريطانية للتدخل في قضيتي القانونية”.
وأضاف أن طلبه محمد بن سلمان للمملكة المتحدة لاتخاذ إجراء ضد قضيتي يؤكد اعتقاده بأن الأنظمة القضائية في جميع أنحاء العالم يمكن التعامل معها مثل المملكة العربية السعودية – حيث لم تكن المحاكم مستقلة أبدًا وتخدم فقط لتعزيز أجندته الشخصية.
وذكر المصارير أن محمد بن سلمان “يحاول الضغط على المملكة المتحدة لتقويض نظامها القانوني. وهذه المحاولة الصارخة لتسليح الثروة السعودية ليست مجرد هجوم على العدالة بالنسبة لي، بل على استقلال القضاء في المملكة المتحدة”.
ووصف مسؤولون بريطانيون، لم يتم ذكر أسمائهم في السجلات العامة، حكم المحكمة العليا لعام 2022 بأنه يحتوي على “رأي قانوني جديد إلى حد ما” في استنتاج القاضي بأن جزءًا فقط من الضرر المزعوم كان لابد أن يحدث في المملكة المتحدة.
وأشاروا إلى: “نحن نستكشف ما إذا كان هناك أي احتمال بأن تسعى [حكومة المملكة المتحدة] إلى الطعن في هذا التفسير في المحكمة”.
وجاء في الملخص أن تدخل محمد بن سلمان “يأتي بناء على طلب نائب وزير الخارجية السعودي ومستشار كبير في الديوان الملكي ومستشار الأمن القومي السعودي الذين أثاروا الأمر سابقًا بناءً على طلب [ولي العهد]”.
وأضافت: “إن السعوديين يشعرون بالقلق من أن الحكم التحيزي في هذه القضية قد يتعارض مع مبدأ الحصانة السيادية، الأمر الذي قد يكون له بدوره آثار على أصول الدولة.
وتتفاقم هذه القضية بسبب النقاش الدائر في المملكة المتحدة (وأماكن أخرى) حول استخدام الأصول الروسية المصادرة لدعم أوكرانيا مالياً، وهو الأمر الذي أثاره أيضاً وزراء سعوديون (بما في ذلك وزراء المالية والتجارة والاستثمار) في مناسبات متعددة على مدى العامين الماضيين.
ومن شأن أي تدخل أن يشكل تحديًا أمام كبير المسؤولين القانونيين في الحكومة البريطانية، ريتشارد هيرمر كيه سي. قبل تعيينه في منصب النائب العام في حكومة ستارمر، عمل هيرمر لصالح ماسارير بصفته المحامي الرئيسي في دعواه أمام المحكمة العليا.
ويعد هذا الكشف أحدث مثال على سعي محمد بن سلمان إلى استغلال الحماية القانونية الممنوحة للزعماء السياديين في المحاكم في جميع أنحاء العالم للهروب من المساءلة القانونية عن أعمال القمع العابرة للحدود الوطنية المزعومة التي تقوم بها الدولة السعودية.
قبل عامين، رفض قاضٍ أمريكي دعوى قضائية ضد ولي العهد زعمت أنه تآمر لقتل الصحفي جمال خاشقجي. وفي حكمه، قال القاضي إن محمد بن سلمان كان يستحق الحصانة السيادية على الرغم من “الادعاءات الموثوقة” بتورطه في جريمة القتل.
واعترف القاضي جون بيتس، وهو قاضي محكمة المقاطعة الأمريكية، بـ “القلق” في ذلك الوقت بشأن القرار، لكنه قال إن يديه كانتا مقيدتين فعليًا بتوصية إدارة بايدن بمنح محمد بن سلمان الحصانة.
وجاء قرار منح الحصانة بعد وقت قصير من ترقية ولي العهد فجأة إلى منصب رئيس الوزراء، وهي الخطوة التي قال المدافعون عن حقوق الإنسان إنها خدعة للهروب من المساءلة.
وبحسب ملخص محادثاتهما الذي أصدره داونينج ستريت، دعا ستارمر ولي العهد إلى المملكة المتحدة وأعرب عن أمله في أن يتمكن الزعيمان من مشاهدة مباراة كرة قدم بين الاجتماعات. ورفضت الحكومة البريطانية الإفصاح عما إذا كانت لا تزال تدرس خياراتها.
ارسال التعليق