بيت الله الحرام المحتل.. هكذا سلمت بريطانيا الحجاز إلى آل سعود
لم يخف على أحد بأن أعداء الأمة هم الذين يتحكمون بمنبر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عبر النظام السعودي الذي تم توظيفه بالإشراف على هذا المنبر حسب إرادتهم، بل أصبح الأمر الآن جليا أكثر من أي وقت مضى حتى لعامة الناس.
تم تغييبه عن قضايا الأمة الحقيقية ووضع بمنأى عن جراحها التي طالت طويلا، فكم من دماء المسلمين أُريقت وكم من الأعراض أنتهكت وكم من ثروات الأمة نهبت ومقدساتها دنست، أجيال بأكملها نكبت، أحتلت فلسطين وذُبح أهلها وشردوا، بل انتكب العالم العربي كله، ولا كلمة حق توجه للأمة عبر هذا المنبر توازي هذه الجراح، بل صدر عنه ما يعين الأعداء ويثبط العزائم.
وليس هذا فحسب بل تآمر ممن يدعون خدمة هذا المنبر مع أعداء الأمة في كل حروبهم ضد المسلمين، فقد وقفوا في فجيعة فلسطين مع الغرب ويهوده ضد أهلها، وفي السودان وقفوا مع جنوبه النصراني ضد شعبه المسلم.
وفي لبنان وقفوا مع الكتائب ضد مسلميه واللاجئين الفلسطينيين على أرضه، وفي البوسنة وقفوا مع الغرب ضد أهلها المسلمين الذين طحنوا في أسوأ الحروب دموية، ومع أمريكا في حروبها ضد العراق وأفغانستان، دمروا اليمن وجاؤوا له بأسوأ المرتزقة حين فشلوا في تركيع الشعب اليمني عندما ارتكبوا أسوأ الجرائم بحقه، دون سبب بل إن اليمن ضحية لهم عبر عقود ولا زالت ربع الأراضي اليمنية محتلة سعوديا.
“شياطين آل سعود” وخراب المنطقة:
سيطروا على كل الخليج حتى يضمنوا انقياد الجميع لأعداء الأمة وتمويلهم ضد المسلمين، وحين استطاع الشعب المصري اختيار قيادة شريفة لتتولى أمره، حاربوا هذه القيادة بكل قوة ومولوا الانقلاب عليها واستبدلوها بأحط قيادة يمكن للمرء أن يتخيلها، لا زال الشعب المصري يدفع ثمن كوارثها.
حتى الحركات الهدامة نالت نصيبها من دعم آل سعود، ورغم السرية الشديدة التي تتبع في أمور كهذه، إلا أنه كشفت عدة جوانب منها كاختيار “ابن سعود” أحد “القاديانيين” كمستشار له وهو محمد الدين القادياني، والذي حاول حتى نشر فكر حركته بين أهل مكة، وحين كُشف أمره بين الناس قام ابن سعود بتهريبه.
في عام ١٩٢٧ استقبل ابن سعود أحد مشاهير “القاديانيين” في مكة المكرمة وهو “يعقوب علي عرفاني”، أول محرر لمجلة هذه النحلة واللسان السليط لغلام مرزا مدعي النبوة، وهي مجلة “الحكم” وهنأ ابن سعود على استلامه للحجاز قائلا: “من سبقوك منعونا من الحج، لكنك سمحت لنا لذا اختارتك العناية الإلهية للحجاز”!.. فرد ابن سعود بأن “أحد المشايخ نصحني بعدم استقبالك لكني رفضت”. ”
وفي عام ١٩٣٥ أرسل ابن سعود ابنه سعود للمشاركة في افتتاح معبد “ووكنج” القادياني في لندن، وفي عام ١٩٣٦ أرسل ابنه فيصل لزيارة نفس المعبد، وقاموا بدعوتهم للحج، واستقبلت جماعة منهم بحفاوة من قبل وزير الحج السعودي عام ١٩٧٢، كما امتدحتهم صحيفة عكاظ آنذاك.
المريب هنا أن أول عمل لمدعي النبوة “غلام أحمد ميرزا”، كان في مجلة “إشاعة السنة”- أهل الحديث الوهابية، والتي نشرت براهينه الأحمدية، والوهابية هي الفرقة الأم التي انبثقت منها دولة آل سعود.
كما اجتمع ابن آخر لابن سعود وهو بندر بن عبد العزيز، مع كريم آغا خان زعيم الحشاشين الإسماعيليين في المغرب، وتمت دعوتهم للحج أيضا، حتى المحافل الماسونية لها نصيبها من الدعم ،فعلى بعد ٧٠ كيلو متر من الحرم الشريف يوجد محفل البحر الأحمر 909 في جدة.
عندما كانت بريطانيا تعد “الشريف حسين بن علي” للثورة ضد الأتراك، قالت له: “أن نداء الثورة من مكة سيكسر حدة إعلان الخليفة للجهاد!” حينها عرف وجع الإنجليز، ولهذا عندما نكثوا بعهودهم معه هددهم بمنبر الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ فكتب بذلك نهايته، وإحضار “من لم يقل لا لبريطانيا” وهو ابن سعود، “إنه أفضل من عمل لحسابنا”.. هكذا أقرت عميلة المخابرات البريطانية “جرتريود بيل”، وزميل آخر لها وهو “آرثر هرتزل” يقول “إنه من الأفضل أن يحكم ابن سعود مكة”.
في تشرين الثاني من عام ١٩٢٢ أعطى ابن سعود في مؤتمر “العقير” بريطانيا ما لم تحلم به، وأعطته بريطانيا ما لم يحلم به أيضا، يقول كنت وليم في كتابه ابن سعود: “في هذا المؤتمر حلت معضلة اليهود الكبرى.”
في عام ١٩٢٤ منع ابن سعود أهالي نجد من الحج، وطلب من الإنجليز تعيين قنصل له في القدس، وفي شهر آب من نفس العام وجه جيشه نحو مكة عبر الطائف، والتي استسلمت حالا وفتحت بواباتها في وجه الغزاة والذين ارتكبوا مجزرة في غاية البشاعة في أهلها.
أخرجوا قاضي الطائف والعلماء والمشايخ من المساجد وقطعوهم إربا بالسيوف “نهر من دم رأيته يجري”.. شاهد عيان يقول، ثم قاموا بنهب المحلات والدكاكين والبيوت، ولم يكتفوا بذلك بل دمروا حقول ومزارع الأهالي في المدينة.
روع سكان مكة المكرمة والمدينة المنورة حين سمعوا بما جرى في الطائف، وساروا على وجوههم في الجبال والصحاري، مما اضطر الشريف حسين الاستنجاد بالإنجليز والذين كان يحاصرون الحجاز بحريا لإعانة الحاكم القادم، وكان الرد الإنجليزي: “فلتسر الأمور حسب ما هي عليه”.
سأل الصحفي المصري محمد شفيق مصطفي، أبن سعود: “قلتم لنا أنه لم يكن بد من تدخل بعض الدول في شأن من يحكم الحجاز، فماذا تقصدون جلالتكم بهذه الدول؟ فأجاب ابن سعود: “تعلمون أن أكثر دول أوروبا وفي مقدمتها إنجلترا تحكم أمما إسلامية فمن الطبيعي أنها تهتم بشئون حجاجها”.
أبلغت بريطانيا “ابن سعود” في الرياض بلاغا سريا تطلب منه فيه “حماية الحجاج البريطانيين ومنحهم حرية الوصول للأماكن المقدسة”، وكان هذا البلاغ قبل احتلال مكة بثلاثة أشهر، وقبل أكثر من عام على احتلال بقية الحجاز.
أدت بريطانيا ما عليها وأدى ابن سعود ما عليه “أن لا يتدخل الملك عبد العزيز وذريته من بعده بشكل من الأشكال ضد المصالح البريطانية والأمريكية واليهودية في البلاد التي تحكمها بريطانيا أو تحت أنتدابها أو نفوذها ومنها فلسطين”، وحتما منبر رسول الله لم يكن بمعزل عن هذا التعهد.
انتظر الإنجليز وابن سعود ثماني سنوات للإعلان الرسمي عن “المملكة” بشطريها نجد والحجاز، وكانت فترة مقلقة للإنجليز الذين أثاروا سخط العالم الإسلامي عليهم باتخاذ هذه الخطوة، ومقلقة أيضا لابن سعود نفسه الذي انتهت أول دولة لأسرته بعد احتلالها لمكة المكرمة ونهب الحجرة النبوية الشريفة، كما أخافته الدعوة بمقاطعة الحج حتى رحيله، حتى أنه ادعى بأن حكمه سيكون مؤقتا ليتسنى اختيار من هو أفضل منه.
من سيحكم مكة؟:
دعا ابن سعود ممثلين عن العالم الإسلامي في عام ١٩٢٦ للبت في من سيحكم مكة، ولم يكن هذا المؤتمر حقيقة إلا لتمكين حكمه على الحجاز، وكانت البداية غير حسنة في هذا المؤتمر مع ابن سعود ،عندما أثار وفد الخلافة الهندي قضية فلسطين ووجوب تحريرها.
مما دعى ابن سعود أن يطلب من المجتمعين “عدم طرح أي أمور سياسية حتى لا تغضب بريطانيا”، وانتهى الأمر بطرد وفد الخلافة الهندي من الحجاز الذي أصر على موقفه.
الكلمة كلمة ابن سعود الآن، فحتى جيشه الذي ساعده في الوصول إلى ما وصل إليه، عندما اختلف معه أباده، ومن هرب منهم لاحقتهم الطائرات البريطانية وأكملت عليهم، ومن تبقى حيا أُحضر لابن سعود ليسجن في أدبية الدواب حتى الموت.
اشترى ابن سعود ذمم علماء ومشايخ ومفكرين وحركات إسلامية ومنابر إعلامية، لإقناع العامة بأنه الرجل المناسب لحكم الحجاز، مثال على ذلك؛ الرشوة التي دفعها لمجلة “أخبار محمدي” الهندية، والتي شكرته عليها على صفحاتها، ودبجت عنه فيما بعد العديد من المقالات منها “عظمة السلطان جلالة الملك ابن سعود -1 آب 1926” و “بركات ابن سعود 15 كانون الأول 1926” و “فضائل ابن سعود في ضوء الأحاديث 15 كانون الثاني1927”.
حتى الجاسوس الأمريكي “أمين الريحاني” وهو ماروني من أصل لبناني، اعتبر ابن سعود أفضل البشر بعد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، والذي قال إن الأمويين والعباسيين وحتى صلاح الدين الأيوبي استخدموا العرب حطبا للحروب، لكنك يا ابن سعود وحدت العرب!.
فأكرمه “ابن سعود” وقدم له العديد من الهدايا والعطايا، وقد وجد من بين مقتنيات الريحاني بعد موته قطعة من ستار الكعبة قدمها له ابن سعود.
رغم كل ما قيل عن ابن سعود، ورغم كل الجهود التي بذلت من أجل تحسين صورته، إلا أن ذلك لم يساعد على إقناع العالم الإسلامي بأدنى درجة من القبول لحكم ابن سعود على الحجاز، فلا تاريخ الأسرة الدموي ولا الطريقة الدينية التي ولدت لتساير سياسة الأسرة، ولا العمالة المفضوحة لأعداء الأمة ساعدت على ذلك.
جرائم ابن سعود بحق المسلمين:
فقط قبل ثلاثة سنين من احتلال ابن سعود للحجاز، ارتكب جيش ابن سعود جريمة في غاية البشاعة، عندما أحاط جيشه بالحجيج اليمني والذي يقدر عدده بثلاثة الآف حاج أثناء مروره بالأراضي السعودية نحو مكة المكرمة، وأبادوهم جميعا وأخذوا طعامهم وأمتعتهم حتى ملابس الإحرام التي كان يلبسها بعضهم نزعت من على أجسادهم، وذلك بدعوى أنهم جاؤوا لحرب!.
وفي عام ١٩٢٦ نتج تعاملهم الأحمق مع حجيج مصر بقتل ما يقرب من أربعين حاجا في قضية المحمل.
في عام ١٩٣٦ وصلت قافلة من فقراء الحجيج الهندي والذي جاؤوا عبر العراق وسوريا مشيا على الأقدام، لكن أمير القريات عبد العزيز السديري، طلب من كل واحد فيهم ٦ جنيهات ذهبا وحين اعتذروا لفقرهم، ردهم من حيث أتوا.
كما تم رفض منح الحجاج الصينيين تأشيرات للحج من عام ١٩٤٩ وحتى عام ١٩٥٦، بدعوى أنه لا علاقات ما بين الصين ومملكة ابن سعود، ولا أدري بأي حق تمنع حاجا مسلما من بلوغ بيت الله الحرام تحت أي ظرف كان.
في عام ١٩٥٢ تحمل ١٦ حاجا صينيا مسنا من الإيغور أعباء الوصول للباكستان في ظروف محزنة، قطعوا بعض الجبال فيها مشيا على الأقدام للحصول على تأشيرات للحج، لكن سفارة ابن سعود رفضت منحهم التأشيرات ليعودوا من حيث أتوا، فأي خزي للمسلمين وضعت هذه الأسرة العاقة التي ابتليت بها الأمة لتؤتمن على بيت الله الحرام.
وفي عام ٢٠٠٤ منع حجاج العراق من الحج والذين ظلوا على الحدود لفترة طويلة وفي ظروف محزنة، دون أدنى إحساس أو تأنيب ضمير من قبل آل سعود والذين لم ينته تآمرهم على الشعب العراقي بعد.
استغلال الحج لتصفية الحسابات:
وفي عام ٢٠١٧ تم طرد المعتمرين والحجاج القطريين دون ذنب إلا أن قادة بلادهم ساندوا الأمة في بعض مصابها، كما منعتهم لسنوات تلت لنفس السبب وبخسة أنفت عنها العرب في جاهليتها.
ولم يتوقف منع الحجيج والمعتمرين وطردهم من بيت الله الحرام على هذه الحوادث المذكورة فقد بدأت منذ بداية تسلط “آل سعود” على بيت الله الحرام، فأول ما فعله ابن سعود أنه مكن مستشاره فؤاد حمزة وهو غير مسلم/درزي، من الإشراف على شؤون الحج.
وأعطاه تفويضا للتنسيق مع مكاتب الاستخبارات البريطانية والإيطالية والفرنسية في جدة والتي افتتحت حديثا مع بداية سيطرة “آل سعود” على الحجاز، حيث كان يمنع أي شخص شكل خطرا على هذه الدول الاستعمارية، تراه هذه المكاتب أنه غير مؤهل للحج، وكانت تخشى هذه المكاتب أن يكشف هؤلاء الأحرار إجرام المستعمر بحق شعوبهم، ثمة حجاج من فلسطين منعوا ومنهم من طرد أثناء تأديته الحج، ومنهم من اختفى في ظروف غامضة.
وحتى مفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني، منع من الحج أكثر من مرة وحين سمح له قامت السلطات السعودية بتفتيشه ومصادرة ما معه من منشورات عن فلسطين.
أحد رفاق الشهيد عمر المختار ورسوله، الدنماركي المسلم “كنود هولمبو” ظل ينتظر لأكثر من شهرين سماح السلطات البريطانية له بتأدية الحج عام ١٩٣١، كانت لدى هذه المكاتب الاستخبارية العالمية علما بأنه سيوزع منشورات للحجيج مع آخرين يستصرخ فيها الأمة ويشرح لهم ما يفعله الإيطاليون بحق الشعب الليبي، وما يفعله الإنجليز بحق الشعب الفلسطيني.
وحين أيقن أن الإنجليز لن يمنحوه إذنا، دخل عبر العقبة دون إذن ولكن ما أن وصل ضباء حتى اختطفه أحد عمال آل سعود وهو “ناصر العصباني”، حيث قتله وأخفى جثمانه، ولا زالت هذه الحالة مرافقة لمواسم الحج حتى يومنا هذا.أمير ضباء التابع لابن سعود يضع مراقبة مناطق حقل وحتى العقبة تحت مسؤولية ناصر قاسم هليل العصباني رسميا، العصباني هو قاتل كنود هولمبو. ادعت السلطات السعودية أنها قتلته بسبب جريمته، لكن تبين أنه نقل إلى القريات حيث استقر فيهأمير ضباء التابع لابن سعود يضع مراقبة مناطق حقل وحتى العقبة تحت مسؤولية ناصر قاسم هليل العصباني رسميا، العصباني هو قاتل كنود هولمبو. ادعت السلطات السعودية أنها قتلته بسبب جريمته، لكن تبين أنه نقل إلى القريات حيث استقر فيه
ما إن استتبت الأمور لابن سعود حتى بدأ بتسيس منبر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حسب سياسته، التي هي في النهاية سياسة أعداء الأمة، فكل الخطب التي تلقى عبر منبر رسول الله خطب رسمية من الدولة، يعدها مختصون حسب إرادة النظام السعودي، وكل الأئمة والخطباء الذين يختارون لهذه المهمة يختارون بدقة حسب شروط الدولة، ونادرا ما خرج أحدهم عن النص المعطى إليه، سعود الشريم أوقف عن الخطابة لسبب كهذا، وعلي الحذيفي ارتجل خطبة الجمعة في الحرم فتم إيقافه عن الخطابة وتوبيخه وطرده من الحرم الشريف.
احتلال منبر رسول الله واستغلاله:
لم يترك آل سعود أي مجال لكلمة حق تقال بحرية عبر منبر رسول الله، في إحدى المرات اعترض أحد المصلين على إمامة الجاسوس البريطاني الشهير والمتظاهر بالإسلام “جون فيلبي” للمصلين في الحرم الشريف، مما عرضه لتوبيخ شديد من قبل الأمير (الملك فيما بعد) فيصل بن عبد العزيز.
حتى إدارة شؤون الحرم اليومية وصيانته أعطيت لشركات مقربين من أسرة آل سعود، إحدى هذه الشركات “مجموعة الدلة” لصاحبها صالح كامل، والذي يمتلك على بعد 70 كيلو متر منتجع “درة العروس” في جدة أحد أقذر المنتجعات في العالم العربي.
منذ اختيار الملك فهد بن عبد العزيز لقب الخليفة العثماني السلطان سليم “خادم الحرمين الشريفين” عام ١٩٨٦ وحتى عام ٢٠٠٦، قتل ما يقرب من ٣٢٠٠ حاجا حسب إحصائيات النظام السعودي – قلما صدق في إحصائياته – وذلك لأسباب عديدة، منها ما هو مريب، وكأنهم يريدون إعطاء صورة مهزوزة دوما لهذه الشعيرة الإسلامية المقدسة أمام العالم، وعادة ما يكون الضحايا هم السبب في تبريرات النظام السعودي لتلك الكوارث، كقولهم بأن الذي قتل من المقيمين والمتسربين والمتخلفين بصورة غير شرعية ( قول إياد مدني وزير الحج السعودي نتيجة إحدى الكوارث)، هؤلاء ليسوا ببشر عند آل سعود ولا بأس لو ماتوا دهسا تحت الأقدام.
في عام ٢٠٠٥ قتل أكثر من ثلاثمائة حاج عندما أوقفوا فجأة أفواج لتسهيل موكب أحد الأمراء.
وفي عام ٢٠١٥ حدثت كارثة وقوع الرافعة فوق رؤوس الحجيج حيث قتل ما لا يقل عن ١٠٨ حاجا في حادثة مريبة، حيث حملت مجموعة “بن لادن” المسؤولية ليتم إيقافها وعدم السماح لها بتنفيذ أي مشروع لها داخل المملكة، فقط قبل الحادثة بأشهر قليلة طلب ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، من بكر بن لادن مدير الشركة أن يكون شريكا في المجموعة، لكنه تردد، بعد الحادثة استحوذ على المجموعة كلها عبر شركة “استدامة”!، وبعد عامين من الحادثة قام “ابن سلمان” بحجز بكر بن لادن مع إخوته في فندق الريتز – تلك الحادثة الشهيرة ليستولي على ما تبقى لديه.
وفي نفس السنة( ٢٠١٥) حدث تدافع منى الذي ذهب ضحيته ما يقرب من ٢١٢١ ضحية حسب ما ذكرته “أسوشييتد برس”، ليدل على إهمال بغيض وتقاعص في خدمة هذه الشعيرة المقدسة.
عندما أمر الملك فهد بن عبد العزيز بتوسعة الحرم الشريف، فحتما لم يكن ذلك خدمة للإسلام وأهله، بل لأسباب عديدة منها تحسين صورته في العالم الإسلامي بعد سلسلة من الفضائح ارتبطت بأسمه، ولم يكن هذا الأمر بالتوسعة يختلف عن اللقب الذي اختاره “خادم الحرمين الشريفين” وهو أبعد ما يكون عنه، كما في التوسعة ازدياد الحجيج، وبالتالي ازدياد مداخيلهم، وفي التوسعة مليارات الدولارات التي ذهبت لحسابات العديد من الأمراء والشخصيات المقربة منه.
وقد شكا الملك عبد الله عندما كان وليا للعهد من هذا الفساد الذي بلغ أعلى الدرجات، لكنه ارتكب مثله حين حكم.
فخدمة الحرمين رأيناها بوضوح في ضيوف الرحمن الذين لبسوا ملابس إحرامهم أكفانا.. الذين قتلوا برصاص الأمن السعودي ودهسا تحت الأقدام وحرقا وهدما وخنقا وحتى غرقا.. رأيناها في ضيوف الرحمن الذين اضطروا للنوم على جوانب الطرقات وتحت الجسور بعد أن خدعوا من بعض الأمراء والمتنفذين.. رأيناها في القصر الملكي الواسع والملاصق للحرم والذي بني على حساب راحة آلاف الحجاج.. رأيناها حتى في الداعرات اللواتي أحضرهن أمراء آل سعود من بلدانهن بتأشيرات حج وعمرة.
أين الخدمة المزعومة للحرمين؟:
فأين هذه الخدمة المزعومة للحرمين الشريفين، لقد خدم آل سعود كل مكان وجدوا فيه متعهم الدنيوية، بل خدموا “ماربيا” أكثر من مكة المكرمة، حتى أن الملك فهد رد على صحفي إسباني حين سأله عن سر اختياره لبناء قصره في ماربيا، بقوله: “لأنها الأرض التي باركها الله”.
وإن “رضينا بالهم فالهم لم يرض بنا”، فحتى الأمراء الذين تم اختيارهم على إمارتي مكة والمدينة كانوا من نوع النطيحة وما أكل السبع، منهم محمد بن عبد العزيز “أبو الشرين”، ولقبه يقول عنه الكثير فقد كان أكبر الأمراء انحطاطا وفسادا ودموية، ومنهم مشاري بن عبد العزيز؛ قاتل مساعد القنصل البريطاني في جدة “سايرل أوسمان” بسبب زجاجة خمر، ولم يمنح أي منصب بسبب حساسية جريمته أمام الغرب، لكن تم تأميره على المدينة المنورة!، ومنهم متعب بن عبد العزيز، يمتلك نصف الرياض ولاحق شعب الجزيرة حتى في لقمة عيشه، ورد اسمه بين المتورطين في انهيار سوق الأسهم السعودي عبر النصب والاحتيال.
ومنهم مشعل بن عبد العزيز، دموي وظالم اشتهر عنه بأنه يعشق الشراء بلا دفع!. ومنهم فواز بن عبد العزيز ؛ ضد تطبيق الشريعة الإسلامية، اختصه جهيمان العتيبي عندما سيطر على الحرم الشريف، ووصفه بعاشق القمار والويسكي، كما نشر ناصر السعيد صور مخزية له وهو في نوادي بيروت.
أهان “آل سعود” مكة المكرمة ومدينة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بلا حدود، وليست هذه جريمتهم فحسب فعندما تحول النظام السعودي من بضاعة بريطانية إلى بضاعة أمريكية، جددت كل الاتفاقات ما بين النظام السعودي والحاضن الجديد؛ أمريكا، وبأسوأ مما كانت عليه قبل، فثمة شواهد تدل على وجود إشراف من قبل المخابرات الأمريكية على الحرم الشريف.
عبد الرحمن عزام مستشار الملك فيصل بن عبد العزيز للشؤون الإسلامية، لسنين طويلة كان من أكبر عملاء المخابرات الأمريكية في العالم العربي وكانت إحدى مهامه ترجمة فتاوى العلماء المسلمين وإرسالها للاستخبارات الأمريكية، وكان دائم اللقاء بالشخصيات الإسلامية التي تأتي من أجل فريضة الحج.
كما كشفت وثائق أمريكية سرية مداولات ما بين النظام السعودي والحكومة الأمريكية بخصوص أحداث الحجاج اللإيرانيين عام ١٩٨٧؛ أحد الردود تظهر إرسال النظام السعودي أشرطة مصورة خاصة بالأحداث إلى سفارة الولايات المتحدة في غينيا.
فيما بعد سمح بندر بن سلطان للمخابرات الأمريكية بتركيب كاميرات داخل الحرم الشريف فقط لعيون المخابرات الأمريكية.
وفي إطار الحرب على الإرهاب أدخلت المخابرات الأمريكية عملاءها للأماكن المقدسة لمراقبة ضيوف الرحمن في مواسم الحج والعمرة، وهناك من منعهم النظام السعودي من الحج، ومنهم من سمح له بالدخول ليحقق معه لتختفي آثاره أو يسلم لأمريكا.
“منبر رسول الله وبيت الله الحرام” وكل شيء مقدس في أرض الجزيرة في خطر عظيم بين يد هؤلاء، فلا أمان للأماكن المقدسة بين أيدي حشاشي هذا العصر، وماذا اختلفوا عن الحشاشين، لقد فعلوا ما هو أسوأ من أفاعيلهم في حربهم على الإسلام وأهله.
وأسوا من القرامطة، فإن كان القرامطة استولوا على الحجر الأسود، فإن آل سعود استولوا على بيت الله الحرام كله.
دم ضيوف الرحمن وحرمان الأمة الغارقة في مآسيها من كلمة الحق عبر منبر الرسول صلى الله عليه وسلم، في عنق كل من عرف وصمت.
ارسال التعليق