ابن سلمان يترنح بين التطبيع والانكفاء على الداخل
أثارت تصريحات محمد بن سلمان خلال القمة العربية الإسلامية في الحادي عشر من نوفمبر الماضي، تساؤلات في الأوساط الغربية، سيّما ما تضمنته من فكرتين تناقضان الصورة التي قدمها ابن سلمان عن مسار حكمه منذ تولّيه "ولاية العهد" عام 2016.
التصريح الأول الذي لقي استغرابا في الأوساط الغربية: هو إدانته الهجوم الإسرائيلي على إيران، إذ أكد أنه "على المجتمع الدولي أن يُلزم إسرائيل باحترام سيادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية الشقيقة وعدم الاعتداء على أراضيها"، والثاني إدانته العدوان الصهيوني على غزة ووصفه بأنه "إبادة جماعية".
التصريحان اللذان لم ينسجما مع كل ما بذله ابن سلمان لأجل تثبيت عداء بلاد شبه الجزيرة العربية مع الجمهورية الإسلامية في إيران وتصويرها على أنها "رأس الأفعى" حسب التعبير السعودي الرسمي الدارج، كما لم ينسجما مع مساعي التطبيع الحثيثة مع الكيان والتي بذلها إلى جانب الولايات المتحدة الأميركية؛ فسّرها البعض بعدة سيناريوهات مفترضة، كان أقواها فرضية أن تحوّل ابن سلمان نحو دمج إيران في مشهد سياسته الخارجية وإظهار تحوّطا في وجه "إسرائيل" يعكس حقيقة الأمر تحوّلاً نحو "السعودية"، أي نحو حفظ الداخل.
وهو ما يُظهره تراجعه عن سياسة الهجوم على عدة جبهات، بعد أن فشلت جميعها بشكل هدّد فيه "الرضا" الأميركي عنه كخليفة مُنتظر لوالده سلمان، فمن الحرب على اليمن التي جلبت العار إلى "المملكة" ورفعت في المقابل من حظوظ حركة "أنصار الله" التي باتت تشكّل تهديدا دائما لهمجية "السعودية"، إلى فشله في الملف اللبناني كان أن تفجّر في فضيحة اختطاف رئيس الحكومة اللبنانية السابق سعد الحريري، ففضيحة قتل جمال خاشقجي بتمثيل ناصع لسياسة الرجل مع المعارضة.
وبعد هذا الفشل، يقدّم ستيفن كوك، كاتب عمود في مجلة فورين بوليسي، رؤيته بالقول إن هذا التحول الذي يشكّل، وفقا له، "أهمية قصوى بالنسبة لمحمد بن سلمان لأنه ينفق مئات المليارات من الدولارات لتشكيل مستقبل المملكة العربية السعودية. وقد يتساءل المرء عن حكمة مشاريعه الضخمة، بما في ذلك مدينة نيوم الجديدة ومشروع ساحل القدية السياحي في جدة. ولكن الآن بعد أن استثمر الكثير في هذه المشاريع، فمن غير الحكمة ألا تسعى القيادة السعودية إلى تحقيق الاستقرار الاقتصادي والسياسي الأساسي لمنحها فرصة النجاح، حتى لو كان عليها أن تتكتم على الأمر لتحقيقه". ويتابع القول أنه "لا يوجد ما يشير إلى أن السعوديين أصبحوا فجأة يثقون بالإيرانيين، لكنهم يريدون أن يحموا أنفسهم من أي احتمال لتصاعد التوتر بين البلدين".
أما على صعيد ما بدا فتورا ظاهريا من قِبل "السعودية" تجاه تطبيع العلاقات مع كيان الاحتلال الإسرائيلي، يُرجع مراقبون الأمر إلى محاولة استغلال "الوقت الضائع" بين تسلّم ترامب الحكم واستمرار الحرب الدائرة في غزة: فمن ناحية يُنتظر أفق انتهاء العدوان على غزة (بغض النظر عن شكل نهاية الحرب)، حتى تكون ارتدادات التطبيع على الرأي العام العربي والإسلامي أقلّ شحناً ضد الرياض وسياساتها الداعمة للعدوان الصهيوني، ومن ناحية أخرى يُعتقد أن ابن سلمان يحاول أن يمهّد لترامب، قبل تسلّمه الحكم، شروع سياسة "سعودية" أكثر كلفة من قبل وأكثر حرصا على المصالح الخاصة منها على المصالح الإسرائيلية.
أمام هذا، يبدو أن "السعودية" قد تقلب الطاولة على نفسها أيضا، فبعد كل الضخ الإعلامي والسياسي السابق الذي عمل على ترسيخ رواية الحرص السعودي على إقامة دولة للفلسطينيين على حدود الـ67، قال مسؤولان سعوديان ومسؤولون غربيون لوكالة "رويترز" الأميركية، مؤخرا، إن الرياض تخلّت عن مساعيها لإبرام معاهدة دفاعية مع الولايات المتحدة، مقابل التطبيع مع الاحتلال، وتسعى لاتفاقية تعاون عسكري محدودة.
وأشارت إلى أن السعودية خففت من موقفها بشأن إقامة دولة فلسطينية في مسعى لإبرام معاهدة أمنية ثنائية واسعة النطاق في وقت سابق من العام، وأبلغت الولايات المتحدة بأنها قد تكتفي بالتزام الاحتلال علنا بحل الدولتين من أجل تطبيع العلاقات.
وقالت المصادر إن الرياض وواشنطن تأملان في إبرام اتفاقية دفاعية أكثر تواضعاً قبل مغادرة الرئيس جو بايدن البيت الأبيض في يناير/ كانون الثاني. وأشارت المصادر الستة إلى أن المعاهدة الأميركية السعودية الكاملة ستحتاج إلى تصديق مجلس الشيوخ الأميركي عليها بأغلبية الثلثين، وهو ما لن يكون ممكناً ما لم تعترف الرياض بـ"إسرائيل"، الأمر الذي يمكن أن يفسّر جديد التراجع عن شرط حل الدولتين.
الاتفاقية الدفاعية المُرتقبة من "السعودية"، والتي تجري مناقشتها حالياً، تتضمن توسيع التدريبات والمناورات العسكرية المشتركة لمواجهة "التهديدات الإقليمية".
وقالت المصادر للوكالة الأميركية، إن الاتفاقية ستعزز الشراكات بين شركات الدفاع الأميركية والسعودية مع ضمانات لمنع التعاون مع الصين.
ومن خلال الاتفاقية ستزيد الولايات المتحدة من وجودها في البلاد من خلال التدريبات، والدعم اللوجستي، والأمن السيبراني، وقد تنشر كتيبة صواريخ باتريوت لتعزيز الدفاع الصاروخي والردع المتكامل. لكنها لن ترقى إلى معاهدة ملزمة للدفاع المشترك تُلزم القوات الأميركية بحماية أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم في حال تعرضها لهجوم خارجي.
ارسال التعليق