ابن سلمان ينقلب على أدواته القضاة ويزج بهم خلف القضبان
طالت سطوة محمد بن سلمان واحد من أبرز الملفات التابعة له بشكل مباشر، وهو القضاء السعودي، ليصبح القضاة الذين لطالما نفّذوا تعليماته في اعتقال النشطاء وإصدار أحكام الإعدام بحقهم، بين هؤلاء المعتقلين. منذ وصوله إلىالحكم، أحكم ابن سلمان سيطرته على الملف القضائي الفاسد في الأصل. جرى ذلك من خلال حصر القرارات بيده، وعبر إصدار القرارات من الديوان الملكي دون استشارة القضاة وأهل الاختصاص، في سياق تعزيز سيطرته على السلطة التشريعيّة ورموزها.
يوم أمس الخميس، 13 أبريل/ نيسان 2022، انتشرت أنباء بشأن حملة اعتقالات واسعة طالت عدد من القضاة بقيادة محمد بن سلمان، وبعضهم كانوا من الموالين له، كما سبق لهم أن أصدروا أحكام ظالمة بحق المعتقلين ونشطاء الرأي.
السلطات السعودية ألقت القبض على مجموعة كبيرة من القضاة في محكمة البداية والاستئناف والمحكمة العليا قبل أيام قليلة من انتشار الخبر، واتهمتهم بـ"الخيانة العظمى". وبحسب شهود عيان، حضرت سيارات أمن الدولة إلى المحكمة العليا واعتقلت القضاة من مكان العمل مباشرةً.
من بين المعتقلين، القاضي في المحكمة الابتدائيّة العامة عبد الله بن خالد اللحيدان، نجل رئيس المحكمة العليا ونظر في قضايا سياسية مختلفة. كما أُلقي القبص على القاضي عبد العزيز بن مضاوي الجابر، الذي رُقي مؤخراً إلى المحكمة الجزائية المتخصصة. بالإضافة إلى القاضي فهد بن عبدالله الصغير، والقاضي طلال بن عبدالله الحميدان، وهما عضوين بمحكمة الاستئناف. كذلك اعتُقل القاضي ناصر الحربي والقاضي خالد بن عويد القحطاني والقاضي محمد بن مسفر الغامدي، والثلاثة هم أعضاء في المحكمة العليا. والغامدي شغل منصب رئيس الدائرة السادسة بالمحكمة الإدارية بمنطقة مكة المكرمة، ومساعد رئيس الاستئناف بمنطقة الباحة، وقد تم تعيينه بأمر ملكي صادر في أكتوبر 2020.
اللافت في اعتقال القضاة أنهم لم يكونوا من المعارضين لابن سلمان، بل على العكس كانوا من فريقه، ينفّذون أوامره من دون اعتراض، وهو الأمر الذي ينتهي باعتقال وتعذيب أو موت النشطاء والمعتقلين بسبب القرارات القضائية التعسّفية، التي أصدرها قضاة غير عادلين، إرضاءً لمحمد بن سلمان. نفس هؤلاء القضاء باتوا اليوم هم ضحايا القمع والتعسّف في "السعودية"، وفي ذلك رسالة واضحة لكل من يطيع محمد بن سلمان في سياسته الاستبداديّة، أن لن يكون بمنأى عن الاعتقال.
القضاة الذين تحوّلوا اليوم إلى ضحايا، كانوا بالأمس هم الجلّادون، تسبّبوا باعتقال وقتل عشرات معتقلي الرأي على خلفيّة أنشطة سلميّة، فعلى سبيل المثال، القاضي عبد العزيز مداوي آل جابر، متورّط بإصدار 40 حكم إعدام منفذ بحق رجال وأطفال، جميعهم قالوا أنهم تعرضوا للتعذيب والإكراه في فترة التحقيق أمام المحكمة الجزائية المتخصّصة. أما الضحايا الذين أصدر آل جبر بحقهم حكم الإعدام هم: جميع ضحايا مجزرة إبريل 2019 وعددهم 37 شخصاً، من بينهم ستة أطفال. السيدان محمد علوي الشاخوري وأسعد شبر علي، بالإضافة إلى ياسين حسين البراهيم، وجميعهم من ضحايا مجزرة 12 مارس/ آذار 2022.
بالإضافة إلى هؤلاء الأربعين، أصدر القاضي عبد العزيز مداوي آل جابر في العام 2014 أيضاً حكماً بالإعدام بحق القاصِرين داوود المرهون وعبدالله الزاهر، ثم أُلغي الحكم واستبدل بعشر سنوات سجن بموجب نظام الأحداث، الذي أصدرته "السعودية" في أغسطس/ آب 2018 . فيما بعد أصدر حكماً في عام 2017 بسجن الناشط الحقوقي عصام كوشك لمدة أربع سنوات. ومن بين القضاة الذين تحدثت الأنباء عن اعتقالهم، القاضي عبد الله خالد اللحيدان، وهو الذي أصدر حكماً بقتل الشاب مسلم المحسن، وقد نفذ في أكتوبر/تشرين الأول 2021، رغم أن المحسن ذكر أمام المحكمة أنه تعرض لتعذيب وحشي في فترة التحقيق.
أما القضاة آل جابر وبندر حمد التويجري وعمر عبدالعزيز الحصين فحكموا على خلية الكفاءات. وكل من آل جابر واللحيدان وعبدالرحمن صالح الفنيخ، حكموا على ياسين حسين البراهيم. آل جابر حكم كذلك على أسعد شبر علي. أيضاً حكم على مسلم المحسن من قبل عبدالله فيصل الفيصل وناصر ابراهيم عنيق وعبدالله خالد اللحيدان. فيما حكم كل من آل جابر وخالد جاسر الجاسر وتركي عبدالعزيز الشيخ على مجموعة حسين آل ربيع. وحكم القضاة الجاسر وناصر سعود الحربي وعبدالعزيز الحصين على عبدالكريم محمد الحواج.
أصدر القضاء السعودي بحسب طلب النيابة العامة، حكم الإعدام ضد الكثير من الأبرياء كما حدث في عام 2016 بإعدام العشرات ومنهم الشهيد الشيخ نمر باقر النمر، قائد الحراك السلمي في القطيف، إلى جانب شباب شاركوا في مظاهرات سلمية مطلبية. القضاء السعودي استهدف الأطفال أيضاً، ومنهم مجتبى القريريص، عمره 13 عاماً وهو أصغر معتقل سياسي في "السعودية" بسبب مشاركته في المظاهرات، ولكن بسبب تنديد المؤسسات الحقوقية في العالم وتدخل دول تنازلات السلطات السعودية عن ذلك الحكم إلى أحكام السجن رغم أنه لم يرتكب أي فعل جرمي. كما أصدر القضاء حكم الإعدام بحق الناشطة إسراء الغمغام لتكون أول امرأة "سعودية" يصدر بحقّها الإعدام بسبب النشاط الحقوقي فقط، وبعد انتشار خبر حكم الاعدام وتدخل المؤسسات والجمعيّات الحقوقية في العالم تم تغيير الحكم إلى السجن. والغمغام لا تزال معتقلة مع زوجها موسى الهاشم بسبب التعبير عن الرأي والمشاركة في المظاهرات السلمية في القطيف والأحساء. بينما القتلة بالأدلة الثابتة كقتلة جمال خاشقجي، فمحاكمة الرياض ترفض نشر اسمائهم، وتطالب بسجن بعضهم وبراءة الأكثرية منهم من دون إعدام أحد رغم وجود جريمة قتل تم التخطيط والإعداد لها بشكل مسبق، ولا تطالب بمحاكمة من أمرهم؛ فهؤلاء القتلة مجرّد منفّذين وأدوات تنفذ أوامر المسؤول الحكومي.
القضاء السعودي سبق وحكم على عدد من الشباب بالإعدام رغم أنهم أكّدوا أن الاعترافات المكتوبة انتُزعت منهم تحت التهديد، وأجبروا على التوقيع على أوراق الإعتراف بسبب التعذيب، وقد تم استخدام هذا الأسلوب مع الكثير من المعتقلين، منهم محمد الصويمل ومحمد الشيوخ وعلي الربح وقد تم اعدامهم. كانوا يأملون العدالة من القاضي ولكنهم تعرّضوا للتهديد إذا لم يقولوا بصحّة الاعترافات التي تدينهم أمام القضاة في الأوراق، وإلا أن تتم إعادتهم مرة أخرى إلى غرف التحقيق والتعرض للمزيد من التعذيب الوحشي النفسي والجسدي.
لم يتحرّك القضاء السعودي في التحقيق بملف وفاة عدد من السجناء والمعتقلين والمعتقلات في السجون نتيجة التعرّض للتعذيب والإهمال الطبّي كما حدث مع العديد ومنهم الداعية عبدالله الحامد الذي توفي في المعتقل في شهر آذار/ مارس 2020 بسبب التعذيب والإهمال الطبي لسنوات طويلة من الإعتقال التعسفي. بالإضافة إلى وفاة الإعلامي المعروف صالح الشحي الذي مات بعد الإفراج عنه بأيام فقط، لكن النيابة العامة والقضاء يمنّعوا عن التحقيق في سبب الوفاة رغم وجود تكهّنات حول ذلك.
يعاني القضاء السعودي من تدخّلات محمد بن سلمان مباشرةً وانحيازه لمزاجيّات أصحاب القرار. المراد لتلك التدخلات المستبدّة استخدام القضاء كأداة لقمع الأصوات الحرة من خلال الأحكام التعسفيّة التي تنتهك حقوق الإنسان وحرية التعبير. مع العلم أن النظام القضائي ينص في مادته الأولى على أن "القضاة يجب أن يكونوا مستقلون ولا سلطان عليهم في قضائهم، لغير أحكام الشريعة والأنظمة المرئية، وليس لأحد التدخل في القضاء". في المقابل، يعتمد القضاء في بلاد الحرمين على رغبة ولي الأمر وتدخّلاته، وهو ما جعله غير مستقل ويستخدم وسيلة للقمع والاستبداد.
يأتي ذلك في الوقت الذي يعمل فيه ابن سلمان على تبييض صفحته أمام الرأي العام العالمي، من خلال إعلان تخفيف إصدار أحكام بحق المعارضين ومعتقلي الرأي. في حين أن القضاء برمّته لا يزال غير مستقل، وهو متحيّز ويخضع للسلطات العليا في البلاد. ذلك أن محمد بن سلمان عزّز حكمه عبر أدوات قمعيّة لتشديد قبضته على السلطات السعودية. والقضاء السعودي واحد من الملفات التي طالها ذراع محمد بن سلمان، وأحكم سيطرته عليه بشكل تام. يتم ذلك وسط اتهامات القضاة بالفساد والرشاوة وحبسهم والحجز على أموالهم. بالإضافة إلى إصدار التعليمات السياسية للقضاة من أجل الحكم وفق أهواء محمد بن سلمان لتدمير القضاء واستقلاليته. يضاف إلى ذلك تعزيز ضعف ثقة المواطن في القضاء عبر إصدار أحكام سياسية وأخرى تخالف ادعاءات الإصلاح. فلطالما أثارت أحكام قضاة سلطات آل سعود بحق النشطاء والناشطات المعتقلين في السجون السعودية غضب الحقوقيين في داخل البلاد وخارجها.
ارسال التعليق