اقتصاد المملكة يدخل نفقا مظلما ويواجه خطر الانهيار
التغيير
دخل اقتصاد المملكة نفقا مظلما وأصبح أكثر من أي وقت مضى يواجه خطر الانهيار مع تكبّده خسائر باهظة خلال الفترة الأخيرة، في ظل تهاوي الإيرادات المالية بسبب انهيار أسعار النفط والإجراءات الاحترازية لفيروس كورونا وتداعياتها على مختلف القطاعات.
وكشفت 5 مؤشرات سلبية عن واقع الأزمة الذي يعانيها اقتصاد المملكة وهي: تهاوي الاحتياطيات النقدية، وتفاقم العجز، وزيادة الديون إلى أرقام قياسية، وتراجع أرباح البنوك، وانكماش الاقتصاد.
ومطلع شباط/فبراير الماضي قال صندوق النقد الدولي إن المملكة قد تنفد ثروتها المالية في غضون 15 سنة مع تعرض ميزانياتها لمزيد من الاستنزاف بفعل الإنفاق العام السخي على الدعم والرواتب والخدمات الاجتماعية ومعاشات التقاعد، واشترط الصندوق لوقف النزيف إسراع هذه الدول في اجراء إصلاحات مالية عاجلة.
كانت هذه التوقعات المخيفة والمتشائمة، من وجهة نظر كثيرين، قبل تفشي فيروس كورونا الذي خفض بشدة الطلب على النفط الخليجي، المصدر الأول لإيرادات دول الخليج، وكبد موازنات الدول الست خسائر تقدر بمئات المليارات من الدولار، وعطل أنشطة رئيسية مثل المصانع والسياحة والطيران والعمرة والسفر.
كما كانت توقعات الصندوق أيضاً قبل خوض محمد بن سلمان حرباً نفطية شرسة ضد روسيا منذ بداية شهر مارس الماضي، أدت إلى تهاوي أسعار النفط الخام وفقدانه نحو 70% من قيمته في الربع الأول من 2020، كما يتواصل التهاوي رغم توقف الحرب النفطية عقب الاتفاق قبل أيام داخل تكتل “أوبك+” على خفض الإنتاج بنحو 10 ملايين برميل يومياً بداية من بعد الغد الجمعة.
لكن بعد حدوث هذين التطورين “انتشار وباء كورونا وتهاوي أسعار النفط”، بات على صندوق النقد وغيره من المؤسسات المالية إعادة النظر في عدد السنوات التي تتوقع فيها نفاد أموال المملكة المستثمرة في الخارج والمودعة في البنوك الأميركية والأوروبية.
يبرز ذلك في ظل الأرقام الصادمة الصادرة عن وزارة المالية في المملكة التي تكشف عن حدوث نزيف سريع لإيرادات المملكة المالية، وسحب غير مسبوق من الاحتياطيات الخارجية التي تجاوزت قيمتها 727 مليار في يناير 2014.
وحسب الأرقام الرسمية فإن احتياطيات المملكة من النقد الأجنبي تراجعت إلى أدنى مستوى منذ 9 سنوات خلال شهر مارس الماضي، وأن هذه الاحتياطيات فقدت 32.9 مليار دولار من قيمتها لتصل إلى نحو 472 مليار دولار، أي إن الحكومة سحبت خلال شهر واحد ما يعادل 89.7 مليار ريال من أرصدتها في الخارج.
كما انخفض الاحتياطي العام للدولة الذي يحوّل إليه ما يتحقق من فائض في إيرادات الميزانية 1.2 مليار ريال خلال شهر مارس ليتراجع إلى 469.6 مليار ريال.
وبالنسبة لإيرادات الدولة فقد هوت عائدات تصدير النفط بنحو 24% لتبلغ 192.072 مليار ريال. وفي المقابل، ارتفعت المصروفات 4% لتصل إلى 226 مليار ريال، كما بلغ عجز الميزانية في الربع الأول من 2020 نحو 34.107 مليار ريال.
ويوم أمس أعلنت وزارة المالية في نظام آل سعود أن العجز في الربع الأول بلغ 9 مليارات دولار، وعزت ذلك بصفة أساسية إلى انخفاض إيرادات النفط، مقابل فائض 7.4 مليارات دولار في الربع الأول من 2019.
وتوقعت المملكة عجزا قدره 50 مليار دولار، أو 6.4% من الناتج المحلي الإجمالي لهذا العام، وهي زيادة حادة من نحو 35 مليار دولار في العام الماضي.
وحسب مراقبين، فإن خيارات المملكة محدودة في مواجهة أزمتها المالية وكل الحلول المطروحة تتراوح بين السحب من الاحتياطي أو الحصول على مزيد من القروض وهو ما سيؤدي في النهاية إلى تبخر أموال النفط التي جمعتها خلال السنوات الماضية.
وقالت مؤسسة النقد العربي السعودي (البنك المركزي) إن صافي الأصول الخارجية للمملكة نزل في مارس/ آذار إلى نحو 1.775 تريليون ريال (473.33 مليار دولار) مقابل 1.865 تريليون ريال (497.33 مليار دولار) بنهاية شهر فبراير/ شباط السابق له، متراجعة بنسبة 4.8 في المائة بما يعادل 89.7 مليار ريال (23.92 مليار دولار).
وانخفضت استثمارات مؤسسة النقد السعودي في الأوراق المالية بالخارج، التي تمثل نحو 63 في المائة من إجمالي موجوداتها، بنسبة 7.1 في المائة (86 مليار ريال)، لتبلغ 1.122 تريليون ريال بنهاية الشهر الماضي، مقابل 1.208 تريليون ريال بنهاية الشهر السابق له.
ويشير الانخفاض إلى أن المملكة تستخدم احتياطاتها الضخمة لتعويض الضرر الاقتصادي المترتب على انخفاض أسعار النفط والتباطؤ الشديد لكافة القطاعات الاقتصادية غير النفطية بسبب فيروس كورونا.
كما انخفض الاحتياطي العام للسعودية خلال شهر مارس عند 469.6 مليار ريال، وبنحو 1.2 مليار ريال مقارنة بشهر فبراير 2020، وفقاً لبيانات رسمية. وحساب الاحتياطي العام للدولة يحوّل إليه ما يتحقق من فائض في إيرادات الميزانية، ولا يجوز السحب منه إلا بمرسوم ملكي في حالات الضرورة القصوى المتعلقة بالمصالح العليا للدولة.
في هذه الأثناء انخفضت الأرباح المجمعة للبنوك العاملة في المملكة قبل الزكاة والضرائب خلال شهر مارس/ آذار 2020 إلى نحو 3.98 مليارات ريال (1.09 مليار دولار)، وبنسبة انخفاض قدرها 21% مقارنة بأرباح نفس الشهر من عام 2019، والتي بلغت آنذاك نحو 5.06 مليارات ريال (1.35 مليار دولار)، وذلك وفقاً للنشرة الإحصائية الشهرية لمؤسسة النقد العربي السعودي لشهر مارس 2020، والصادرة أمس الثلاثاء.
وكانت البنوك العاملة في المملكة سجلت انخفاضاً في أرباحها التراكمية منذ بداية العام 2020 لتصل إلى حوالي 13.67 مليار ريال، بنسبة انخفاض قدرها 2% مقارنة بنفس الفترة من عام 2019 والتي بلغت نحو 13.9 مليار ريال.
وتشمل الأرباح المجمعة نتائج 11 بنكاً مدرجاً في سوق الأسهم، وعدد من الفروع لبنوك أجنبية تعمل في المملكة.
ويبدو أن المملكة ة على موعد مع زيادة قياسية للديون، إذ أعلنت الحكومة عن اعتزامها زيادة القروض بشكل كبير هذا العام لمواجهة تهاوي الإيرادات المالية.
وأظهرت بيانات، نشرتها وزارة المالية على موقعها الإلكتروني مؤخراً، أن الديون المباشرة القائمة على الحكومة في 31 ديسمبر/كانون الأول 2019 بلغت 677.9 مليار ريال (180.8 مليار دولار)، منها 372.8 مليار ريال ديون محلية و305.2 مليار ريال (81.4 مليار دولار) ديون خارجية، مقابل ديون كلها محلية بلغت 142.2 مليار ريال نهاية 2015.
ورفعت المملكة سقف الدين إلى 50 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي من مستوى سابق عند 30 في المائة في مارس/ آذار، بينما كان بنهاية ديسمبر/كانون الأول من العام 2019 عند 24.1 في المائة. وتصاعدت نسبة الدين من الناتج المحلي بمستويات قياسية منذ عام 2015، لتبلغ بنهاية العام الماضي 24.1 في المائة، بينما لم تتجاوز 1.6 في المائة في 2014.
وتوقع “ستاندرد تشارترد”، في تقرير صدر الأسبوع الماضي، انكماش الناتج المحلي الإجمالي للسعودية 4.5% في 2020، نتيجة خفض إنتاج النفط، في تدهور كبير قياساً بتوقعات سابقة بنمو نسبته 5%.
وحسب مراقبين، فإن خيارات المملكة محدودة من أجل مساندة اقتصادها المنهك من تهاوي أسعار النفط عند مستويات قياسية وتراجع السياحة الدينية وتوقف معظم الأنشطة بسبب الإجراءات الاحترازية لكورونا، كما أنها تعتمد بشكل كبير على عوائد تصدير الخام في ظل فشل خطط تنويع الاقتصاد، التي روج لها محمد بن سلمان طيلة السنوات الماضية.
ارسال التعليق