الآمال الواهمة للسلطات السعودية في الجذب السياحي
"السياحة".. الهاجس الحديث لآل سعود بعد الذهب الأسود. تصبّ "السعودية"، في السنوات القليلة الماضية، جلّ اهتمامها على الترويج لمشاريع سياحية، قيد التنفيذ، تنفق فيها ملايين ومليارات الدولارات، مع عوائد اقتصادية غامضة وغير أكيدة.
تسعى "السعودية" لجذب ما يصل إلى "80 مليار دولار من الاستثمارات الخاصة في صناعة السياحة، وأن يمثل القطاع الخاص غالبية الاستثمار، وجذب 150 مليون سائح سنويًا بحلول عام 2030، منهم حوالي 70 مليونًا قادمين من الخارج"، وفق ما جاء على لسان وزير السياحة أحمد الخطيب خلال مقابلة حديثة له على إحدى المحطات الأجنبية.
كما أشار الخطيب إلى مخطط حكومي لإنفاق نحو 800 مليار دولار على السياحة خلال العقد المقبل. وتعقيبا على ما هذه التصريحات، قالت وكالة بلومبرغ أن "المملكة تتطلع إلى تقاسم العبء المالي لخططها لتصبح واحدة من الوجهات الأكثر زيارة في العالم". وأضافت أنه خلال عام 2023، سجلت السعودية أكثر من 100 مليون سائح، ولكن في الحقيقة كان معظمهم من المواطنين والمقيمين، أما الزوار من خارج البلاد فقد سجّلوا ربع السياح فقط (27 مليون)، وكان أغلبهم مرتبط بالسياحة الدينية او بعمل تجاري، ويُعتقد أن الرحلات الترفيهية لم تشكل سوى نسبة ضئيلة من هذا الرقم.
تأتي هذه الآمال في وقت أعلنت فيه البلاد تأجيلها لبعض مشاريع رؤية 2030. حين صرّح بذلك وزير المالية محمد الجدعان نهاية العام الفائت، زاعما أن "التأخير أو بالأحرى تمديد بعض المشاريع سيخدم الاقتصاد"، وفي وصفه لكيفية مراجعة جميع الخطط على أساس "العوائد الاقتصادية والاجتماعية والتوظيف ونوعية الحياة من بين عوامل أخرى"، أشار إلى أن بعض المشاريع "يتم تسريعها وبعضها " إلى حد كبير مشاريع قيد التنفيذ لم يتم الإعلان عنها بعد " نظرا لإطار زمني تنفيذي أطول."
وبالعودة إلى مقابلة محطة (سي إن إن) الأخيرة مع وزير السياحة السعودي، ففي سؤال استطرادي من المذيعة على كلام كلام الأخير بأن "المملكة تريد جذب المزيد من المسافرين الدوليين"، حين سألته "كيف ستفعلون ذلك مع تزايد تحديات السياحة حول العالم؟"، ليعود الخطيب ويُقرّ بأن" السنوات العشرة القادمة، ستكون صعبة للغاية على السياحة، بسبب عدد من التحديات الكبيرة".
هذا ويستمر الإعلان عن إطلاق مشاريع جديدة تستنزف مزيداً من أموال الشعب في شبه الجزيرة العربية، تهدف بمجملها جذب الاسثمارات والسياح الخارجيَّين وتنفيذ آمال تبييض سمعة "النظام" عبرها. كان آخرها "مضمار السرعة" في مدينة القدية، الذي سيكون، وفق البيان التعريف به "موطناً لمضمار جديد لسباق رياضة المحركات.. يهدف إلى تعزيز مكانة المملكة العربية السعودية في عالم رياضة المحركات، وجعلها موطناً لأبرز السباقات في العالم".
كما أنه "يتضمن مجموعة فريدة من المميزات والتقنيات الحديثة والتجارب الاستثنائية في عالم السيارات، ومن المتوقع أن يستضيف المضمار أبرز الأحداث الرياضية في عالم رياضة المحركات".
وأفاد الإعلان عن المشروع، بأن كل من سائق فورمولا 1 السابق النمساوي أليكس فورتز، ومصمم حلبات السباق الشهير الألماني هيرمان تيلك، قاموا بتصميم المضمار، "لتقديم نموذج مبتكر للمشاهدين والمتسابقين يرتقي برياضة المحركات إلى آفاق غير مسبوقة"، في تأكيد متزايد على أن كلّ ما يتم استحداثه هو من صنع جهود الخارج بدلا من أن يكون نتاج مجهود داخلي.
ويأتي الإعلان عن "مضمار السرعة" بعد أسابيع قليلة من الإعلان عن إطلاق منطقة الألعاب والرياضات الإلكترونية في مدينة القدية، و(استاد الأمير محمد بن سلمان)، الذي بحسب مزاعم البيان، "سيكون واحداً من أبرز الملاعب في العالم"، مشيرة إلى أنخ "يتوقع أن يتم الإعلان عن مزيد من المشروعات المهمة بالمدينة خلال الأسابيع القادمة".
خبراء الأعمال: استثمارات السعودية لا علاقة لها بالنمو الاقتصادي:
يرى خبراء الأعمال في جامعة نورث إيسترن أن انخراط "السعودية" في حقول الذكاء الاصطناعي والرياضة والسياحة؛ لهي مقامرة كبيرة.
يقول ايفيكو كالدنيكر، أستاذ التدريس المساعد في كلية دامور-ماكيم لإدارة الأعمال "بادئ ذي بدء، إنه نهج محفوف بالمخاطر للغاية ، ويتابع بأنه يجب أن ننظر إلى هذه الاستثمارات في الرياضة ورؤية 2030 من وجهات نظر مختلفة، فهناك عدد من المخاطر هنا التي تمس مسائل الجغرافيا السياسية والمنافسة الإقليمية والسياسة الداخلية والعلاقات العامة.
يضيف رافي رامامورتي، الأستاذ الجامعي المتميز في إدارة الأعمال الدولية، حافزًا آخر إلى تلك القائمة: وهو تشغيل سكانها المحليين.
ويقول رامامورتي "إن عدد السكان السعوديين آخذ في النمو، ولكن معظم العمل المنجز في السعودية يقوم به عمال أجانب، والذين يشكلون 40% من سكان البلاد".
وبعد أن عمل في دولة عربية كمستشار، يشير رامامورتي إلى أنه "من المرجح أن ترى السعوديين كمستهلكين وملاك ومشرفين ورؤساء" وليس كعمال.
ويقول "لقد أدى هذا إلى خلق ثقافة لم يكتسب فيها العديد من السعوديين أي مهارات حقيقية قابلة للتسويق".
ويضيف "أعتقد أن الهدف الرئيسي هنا هو تنويع الاقتصاد بعيداً عن النفط.. لقد كان هذا هو الشعار لفترة طويلة، لكنها استراتيجية كان من الصعب تحقيقها."
وفي مقال تحليلي لموقع (northeastern global news)، أشارت فيه إلى أن "الواقع أن المملكة العربية السعودية تخطط لإنفاق ما يقرب من 3 تريليون دولار على مدى فترة 15 عاما كجزء من هذه الجهود الرامية إلى تنويع الاقتصاد، وهو استثمار يعادل حوالي ثلاثة أضعاف ناتجها المحلي الإجمالي السنوي. حيث تم تخصيص جزء كبير من الأموال (500 مليار دولار) لبناء "مدينة ضخمة" مكونة من 16 منطقة تسمى (نيوم)".
ويشير رامامورتي إلى أن الدولة الغنية بالنفط " وهي أكبر مصدر للنفط في العالم " حاولت في السابق التخلص من اعتمادها على النفط، ولكن دون جدوى في الغالب.
ويستطرد "قبل حوالي 20 عامًا، كانت المملكة العربية السعودية تعتمد على النفط والغاز في 80% من صادراتها". واليوم، وفي منتصف الطريق نحو رؤية 2030، لا تزال المملكة العربية السعودية تعتمد على النفط والغاز في 80٪ من صادراتها. لم يحدث أي أثر."
مُشبّهاً الوضع بمفارقة مألوفة لدى العديد من دول الخليج العربي: حيث أن عائدات النفط ضرورية للمساعدة في إطلاق الاستثمارات في قطاعات أخرى، بما في ذلك مصادر الطاقة المتجددة. لقد كافحت البلدان المعتمدة على النفط تاريخياً لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر، وتعاني من تقلبات اقتصادية ومن الفساد
عند النظر في ذلك في مقابل مجمل الأجندة التحويلية للبلاد، يشير رامامورتي إلى أن حصتها في الرياضة والترفيه تمثل قطعة صغيرة من الكعكة.
ويقول "هناك العديد من المشاريع الأخرى ذات النطاق الواسع إلى حد ما، وعندما تنظر إلى قائمة المشاريع الرئيسية التي يتم تنفيذها كجزء من هذه المبادرة، فإن الرياضة لن تظهر حتى في القائمة"، لافتا إلى أن " السياحة وجذب السياح ستظهر في القائمة، ومن ثم بناء البنية التحتية الحديثة لتمكين السياحة، مثل المطار الحديث وإنشاء شركة طيران جديدة بالكامل يمكنها منافسة طيران الإمارات والخطوط الجوية القطرية، وما إلى ذلك".
ويؤكد الموقع أن رمزية ظهور "السعودية" كلاعب رئيسي في الرياضة العالمية، وهي سوق تبلغ قيمتها حوالي نصف تريليون دولار، تولد حوافز خاصة بها، كما يقول الخبراء. والحقيقة أن جاذبية الرياضة والمنافسة الدولية تصرف الانتباه بعيداً عن سجل البلاد السيئ في مجال حقوق الإنسان. وعلى هذا النحو، انتقد الكثيرون المسؤولين السعوديين باعتبارهم منخرطين في "غسل الأموال بالرياضة".
من جانبه يقول ألفارو كويرفو كازورا، أستاذ استراتيجية الأعمال الدولية في جامعة نورث إيسترن، للموقع، إن هذه الاستثمارات "تمثل إلى حد ما وسيلة لبناء القوة الناعمة والتعويض عن صورتها السلبية إلى حد ما كدولة"، يضيف "لكنه أيضًا جزء من جهد تحديث أوسع نطاقًا يبذله ولي العهد، ويدفع باتجاه بعض الإصلاحات مثل السماح للنساء بقيادة السيارة".
وفي جواب على سؤال "هل تؤتي استثمارات المملكة العربية السعودية في الرياضة " أو في "مدينتها الضخمة" المقترحة -ثمارها في المستقبل؟"، ومن خلال عدسة اقتصادية بحتة، كان رد كل من رامامورتي وكالتنيكر أقل ثقة بشأن مستقبل البلاد.
ويقول رامامورتي "بصراحة، لا أعتقد ذلك، لأن هذه المشاريع لا يتم تنفيذها مع التركيز على العائدات المالية".
ووفق رأي أستاذ إدارة الأعمال كالتنيكر "فلكي تصبح المملكة العربية السعودية مركزًا سياحيًا موجهًا نحو الأسرة، يجب عليها أولاً أن تصبح مركزًا لسياحة الأعمال".
أخيراً يختم رامامورتي بالقول "إن تحويل هذه الرؤية إلى واقع سيكون أمرًا صعبًا، لأنه إذا كان كل ما تفعله هو شراء أشياء من الخارج، بما في ذلك شراء الفرق الرياضية وشراء الأسماء التجارية، فلن يكفي ذلك للحفاظ على مستوى معيشتك.. يصبح السؤال: كيف يمكنك تحويل القوى العاملة لديك؟ وأعتقد أن هذا سيكون تحديًا كبيرًا للمضي قدمًا."
ارسال التعليق