الإملاءات السعودية تعطل الاتفاق الخماسي حول لبنان
هيمن خبر الزلزال في تركيا وآثاره المدمرة على البشر والحجر في كل من تركيا وسوريا على أي خبر آخر. إلا أن العاصمة الفرنسية باريس شهدت في 5 فبراير/شباط الماضي اجتماعا يهدف لإرساء “خريطة طريق” للأزمة اللبنانية.
أربع ساعات من النقاشات “الحادة”، أثبتَت أن ما تختلِف حوله الدول المُشاركة، الولايات المتحدة وفرنسا ومصر و”السعودية” وقطر، أكثر ممّا تجتمِع عليه. حال ذلك دون صدور بيان ختامي “يُمكن أن يُستعاض عنه ببيان لوزارة الخارجية الفرنسية في الساعات المقبلة” وفق مصادر ديبلوماسية فرنسية تحدثت لصحيفة “الأخبار” اللبنانية، وأشارت المصادر إلى “أننا منذ البداية دعونا إلى عدم رفع سقف التوقعات”، فيما رجّحت مصادر ديبلوماسية عربية أن عدم صدور البيان الموعود “إشارة واضحة إلى حجم الخلافات”.
مسؤول لبناني رفيع، كان على اتصال بالأطراف المعنية، أكّد للـ”الأخبار” أن الأميركيين والفرنسيين باتوا على قناعة بصعوبة فرض حل، لذلك يتفق الجانبان على لازمة واحدة ستتكرر من الآن وصاعداً، ومفادها: “أيها اللبنانيون، اختاروا أنتم رئيساً لبلادكم، وشكلوا حكومة جديدة، ونفذوا الإصلاحات التي تعرفون كيف يجب أن تكون كي يقف العالم إلى جانبكم”.
وأكد أن هذا الموقف “لا يعني أن الخارج لن يتدخل، لكنه يعرف مسبقاً أن أي رئيس جديد للبنان لا يمكن أن يكون معادياً لأميركا وفرنسا وحتى للسعودية”.
المعلومات التي وصلت إلى بيروت حول اجتماعات ثنائية عقدت قبل اللقاء أشارت إلى حال من التخبط، قبل أن ينعقد اللقاء الأساسي الذي ضم مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف والسفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا، مستشار الديوان الملكي السعودي نزار العلولا، مساعد وزير الخارجية القطري محمد الخليفي، المستشار في الرئاسة الفرنسية للشرق الأوسط باتريك دوريل ومديرة قسم الشرق الأوسط في الخارجية الفرنسية آن غيغن والسفيرة الفرنسية في بيروت آن غريو، السفير المصري في باريس علاء يوسف.
وكشفت مصادر لـ “الأخبار” أن “التباين في وجهات النظر كان كبيراً”، تحديداً بينَ باريس والرياض التي بدت “كثيرة التشدّد” في شروطها بشكل يعكس عدم وجود رغبة فعلية بتقديم طوق نجاة للبنان. ورغم أن ارتدادات زلزال سوريا وتركيا جعلت من هذا الاجتماع على هامش الاهتمامات، إلا أن فيه ما يجدر التوقف عنده.
بشكل عام، تطرّق الاجتماع إلى انتخاب رئيس للجمهورية ورئيس الحكومة وآلية تشكيلها وبرنامج عملها الذي يجب أن يحظى بثقة المجتمع الدولي، إلى جانب الإصلاحات. لكن ذلِك بقي في إطار العموميات، إذ لم يتم التطرق إلى أسماء. وبينما شدّد الفرنسيون على “ضرورة تقديم المساعدة للبنان، ذكّر الوفد السعودي بموقف بلاده المُعبّر عنه في بيان نيويورك الثلاثي والمبادرة الكويتية”.
وبحسب المعطيات فإن “من بين الأمور التي كانت مثار خلاف إصرار السعودية على الإشارة في البيان الذي سيصدر عن الاجتماع إلى حزب الله وتحميله مسؤولية الأزمة وتأكيد رفض أي مرشح رئاسي محسوب على الحزب، فيما رأى الفرنسيون ضرورة إجراء مزيد من التشاور أكثر”.
فيما نقلت مصادر ديبلوماسية أن الموقف المصري كان معارضاً لأي تهديد أو تلويح بالتهديد في ما يتعلق بالملف اللبناني. وكان لافتاً ما نقل عن مسؤولين سعوديين بأن “الملف اللبناني ليس على قائمة الأولويات السعودية وأننا شاركنا بسبب الإلحاح الفرنسي، لكن حتى الآن لا تصوّر واضحاً لمعالجة الأزمة اللبنانية”.
وبحسب المصادر فإن من أسباب التشدد السعودي “الاعتراض على محاولات فرنسا إشراك الإمارات في الاجتماع أو أن يكون لها دور في الملف اللبناني، وانزعاجها من الحضور القطري والمصري”، وهي تتعامل وفقَ مبدأ أن ” الجميع يحتاج إلى موافقتها ومباركتها باعتبارها خزنة التمويل المالي الأكبر وما تستطيع هي أن تقدمه لا يقدِر عليه الآخرون”.
باختصار، عطّلت “الإملاءات السعودية” التحرك الفرنسي الذي يعكس استعجال باريس للحل، بعدما نقلت إلى بيروت “رغبة الإليزيه في انتخاب رئيس للجمهورية في شهر آذار على أبعد تقدير، وأنها لن تفرض رئيساً بعينه إلا بالتوافق بين مختلف القوى”.
يحرص النظام السعودي، من خلال رفعه الصوت في لبنان، والتعامل مع الملف اللبناني بوقاحة وجلافة، إلى القول لواشنطن أولاً، وباريس ثانياً وغيرهما من العواصم الفاعلة في لبنان ثالثاً، إن الورقة اللبنانية هي حق حصري لهم، ولن يسمحوا لأحد بالتأثير فيها بخلاف رغبتهم.
ويتزايد الحذر السعودي مع دخول لبنان في مرحلة الفراغ الرئاسي، في ظل وجود حكومة تصريف أعمال مختلف على صلاحياتها وشرعيتها.
لذا، تسعى الرياض إلى أن تكون أي صفقة أو تسوية قادمة في لبنان تحت خيمة الطائف، خصوصاً بعدما عملت على إفراغ الساحة السياسية اللبنانية من المكوّن السُنّي الفاعل والممثل، واستبدلته بشخصيات ضعيفة غير ذي صفة تمثيلية.
هذه الجزئية بالذات، تجعل النظام السعودي غير حاضر في الوقت الحالي للخوض في تسوية شاملة للبنان، بصرف النظر عن الثمن الكبير الذي تطلبه مقابل ذلك، وهي التي تملك ورقة مؤثرة جداً تتمثّل بحصار لبنان، عبر عزله خليجياً، وورقة أخرى تتمثّل بالفتنة الداخلية التي يجهد سفيرها في لبنان في حياكتها مع ما يملك من أدوات.
ارسال التعليق