الاتجار بالبشر جريمة حرب جديدة ترتكبها السعودية
مرّة جديدة تعود السعوديّة إلى واجهة الاتجار بالبشر، فقد أشار تقرير الخارجيّة الأمريكية السنوي للاتجار بالبشر أن السعودية استأجرت مقاتلين أطفال من السودان للقتال لمصلحة التحالف السعودي في اليمن.
في الحقيقة، الاتهام ليس بالجديد، فقد ذكرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية هذا الأمر في تقرير لها نهاية العام الحالي حيث أكّدت أن السعودية استخدمت ثروتها النفطية الهائلة لتجنيد آلاف من الناجين اليائسين من الصراع في دارفور غربي السودان للقتال في اليمن، 20% إلى 40% منهم أطفال.
وفي حين أشار تقرير الصحيفة الأمريكية حينها إلى أن أعمار الأطفال المجندين ما بين الرابعة عشر والسابعة عشر، أوضح تقرير الصحفية أن المبالغ لتجنيد هؤلاء تتراوح بين 480 دولاراً لولد في الـ14 من العمر، و530 دولاراً إذا كان ضابطاً من الجنجويد.
وقد نقل التقرير عن مقاتلين سودانيين قولهم إن قادتهم السعوديين والإماراتيين يوجّهونهم من مسافة آمنة لقتال "الحوثيين" في اليمن.
السعوديّة أم السودان
التقرير الجديد الذي أعاد السودان إلى قائمة الدول التي تجنّد الأطفال في الحروب، تجنّب إدراج السعودية في هذه القائمة رغم ثبوت ضلوعها في هذا الأمر، فقد تحدّثت مصادر أمريكية أن وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، ألغى اقتراح فريق من الخبراء بوزارته أوصى بإدراج السعودية في قائمة الدول التي تجنّد الأطفال، رغم وقوفها وراء عملية الاتجار هذه.
إن ضلوع السعوديّة في هذا الأمر يُضاف إلى وضعها في القائمة السوداء لاستهداف الأطفال وتهديدها للأمين العام للأمم المتحدة حينها بوقف الدعم، وكذلك يُضاف إلى كل جرائم الحرب المرتكبة بحقّ الأطفال والنساء في العدوان القائم منذ أكثر من أربع سنوات، وهنا لا بدّ من الإشارة إلى التالي:
أوّلاً: إن هذا التقرير يؤكد مجدداً أن الرياض لا تتورّع عن ارتكاب أيّ محرّم دولي لتحقيق أهدافها وغاياتها السياسيّة، مستخدمة أموال النفط لحجب تبعات مثل هذه الأفعال الجرمية.
قد لا تؤدي هذه المعلومات إلى معاقبة السعوديّة، لكنها أثارت اتهامات جديدة من جانب أنصار حقوق الإنسان وبعض أعضاء الكونغرس الأمريكي بأن إدارة الرئيس دونالد ترامب تضع المصالح الأمنية والاقتصادية على رأس أولوياتها فيما يتصل بالعلاقات مع السعودية الغنية بالنفط وأحد أكبر مشتري الأسلحة منها.
ثانياً: يؤكد هذا التقرير حجم الازدواجية الأمريكية في التعاطي مع الملفات الدوليّة، فحليفهم حتى لو ثبت ضلوعه بتجارة البشر ليس بمذنب، حتى لو ارتكب أبشع المجازر بحقّ النساء والأطفال فهو يدافع عن الشرعيّة، حتى لو تأكد وقوفه خلف تقطيع جثمان صحفي في بلد أجنبي، فاللوم أكثر ما يمكن فعله.
لطالما مارست واشنطن هذه الازدواجيّة مع الكيان الإسرائيلي الذي دافعت عن كل جرائمه ومجازره، واليوم تفعل ذلك وبشكل فاضح مع السعوديّة، حتى الكثير من الأمريكيين ضاقوا ذرعاً بما يفعله ترامب ففي حين قال السيناتور بوب مينينديز كبير الأعضاء الديمقراطيين في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي على تويتر "هذا أمر يستحق الشجب... هل لا توجد حدود لما تريد أن تفعله إدارة ترامب للتستر على انتهاكات السعودية لحقوق الإنسان وخرق المعايير الدولية؟"، قالت سارة مارجون مديرة مكتب هيومن رايتس ووتش بواشنطن "يُظهر القرار بجلاء أن إدارة ترامب تلجأ للتلاعب السياسي ورفض الأدلة، على حساب الأطفال، حتى تحمي السعودية".
ثالثاً: يتزامن هذا التقرير مع الذكرى السنوية الأولى لمقتل الصحفي السعودية جمال خاشقجي الذي تمّ تقطيعه في القنصلية السعوديّة في اسطنبول.
في الحقيقة، سجّلت السعودية في حقبة محمد بن سلمان أرقاماً قياسيّة في الجرائم والمجازر بدءاً من العدوان على اليمن، مروراً بالإعدام وسلب الحريات في الداخل السعودي، وليس انتهاءً بالاتجار بالبشر.
رابعاً: اللافت أن امتناع الخارجية الأمريكية عن إدراج السعودية في قائمة الاتجار بالبشر تزامن مع تأكيد الوزارة الأمريكية أن السعودية لا تزال من أسوأ الدول فيما يتعلق بالمحاكمات الدينية، وذلك في ظل استمرار إصدار أحكام الإعدام بحق الدعاة والناشطين.
هناك قاعدة أساسية تستخدمها إدارة ترامب في العلاقة مع الرياض وهي الانتقاد الفارغ الذي لا يحمل التبعات ولا يمنع ترامب من إبرام الصفقات العسكرية، وما دون ذلك تفعله إدارة ترامب، لا للضغط على السعوديّة، بل لتحفيف الضغط عنها وإظهارها على هيئة المدافع عن حقوق الإنسان.
في الختام.. هناك الكثير من جرائم الحرب التي ارتكبتها السعودية منذ بدء العدوان على الشعب اليمني، لكنّ هذه الجرائم لم تقتصر على الشعب اليمني بل طالت الكثيرين تارةً تحت شعار تجارة السلاح، وأخرى تحت شعار الاتجار بالبشر.
ارسال التعليق