التاريخ لن يرحم السعودية الراعي العالمي للإرهاب (مترجم)
انتشرت صورة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره المصري عبد الفتاح السيسي والعاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز، وهم يضعون أيديهم على بلورة مضيئة، تشير إلى التحالف المقدس بين الولايات المتحدة والسعودية، لكن ما يثير السخرية أنه خلال القمة الإسلامية الأمريكية، دعى السعوديون لمكافحة الأيدولوجية المتطرفة، في حين أن السعودية، مركز الشيطان الوهابي، تعد العامل الأساسي لظهور الإرهاب العالمي، حيث التحول الطائفي للإسلام في شكل تنظيم القاعدة وداعش وجبهة النصرة وبوكو حرام.
المنافسات التي طال أمدها والكراهية التي تنشرها السياسة الخارجية السعودية تجاه إيران والفكر القومي العربي والعلماني في المنطقة، تتماشى مع سياسة الولايات المتحدة وإسرائيل وتخدم أهدافهما الجيوسياسية، ما يعني أن الرياض اشتركت بشكل سري وعلني في زعزعة الاستقرار وبلقنة منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وما حولها، من خلال تكتيك استخدام الجماعات الإرهابية الوهابية.
يرى السعوديون أنهم أكثر من حراس للمواقع الإسلامية المقدسة، حيث يسعون ليكونوا قادة العالم العربي والإسلامي بلا منازع، وبالتالي منذ الستينات تقاتل الرياض الفلسفة العلمانية العربية التي تبناها الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، من أجل النهوض بقلب وروح العالم العربي، ومنذ ذلك الحين، لا يمكن إنكار أن السعودية تتحمل المسؤولية الأكبر عن انتشار الفكر المسلح، ولا تزال أكبر راع للجماعات الإرهابية الإسلامية.
ووفقا لرسالة إلكترونية مسربة لوزيرة الخارجية السابقة، هيلاري كلينتون، في عام 2013، أوضحت أن السعودية صدرت أكثر الأيدولوجيات تطرفا في العالم، على مدى السنوات الثلاثين الماضية، وفي يوليو 2013، حدد البرلمان الأوروبي أن الوهابية المذهب الحاكم في السعودية، ليكون المصدر الرئيسي للإرهاب العالمي.
وكان أتباع محمد بن عبد الوهاب، مؤسس الوهابية، من الشعب البدوي الذي شعر بالفخر لاعتماده هذه الأيدولوجية، حيث التبشير لعقيدتهم بالسيف، واستخدام المذهب التكفيري ضد المسلمين الرافضين لفكرهم ووصفهم بغير المسلمين، ومن يرفض رأيهم يحق لهم سبي بناتهم ونسائهم، ومصادرة ممتلكاتهم.
تعود العلاقة بين السعوديين والبدو والوهابية إلى محمد آل سعود، وهو من النيدج، منطقة المرتفعات في وسط الجزيرة العربية، حيث جمعهم سويا ليخلق الدولة السعودية، ومن بين غزواته كانت مكة والمدينة، ومن ثم مدينة كربلاء التي دنسها السعودية.
شهد الجزء الأول من القرن العشرين بداية صعود الدولة السعودية تحت رئيس شاب من عشيرة سعود يدعى عبد العزيز، وبرعاية من جماعة الإخوان المسلمين، بدأ سلسلة من الفتوحات في شبه الجزيرة العربية مطبقا مبدأ الوهابية.
كان التوسع السعودي محدودا بسبب الوجود الاستعماري البريطاني الذي ساعد عبد العزيز في تدمير الإخوان، الذين تمردوا عليه لاحقا، بعد اكتشاف النفط، تلك الايدولوجية الوهابية التي خلقت داعش الكارهة للحضارات الأخرى وترغب في تدمير العمارة الرومانية في سوريا، بجانب اضطهاد السيدات ليصل الأمر إلى عمليات الاغتصاب الجماعي، والعداء للثقافة الحديثة وأفكارها الأساسية.
لكن كيف توسعت العقيدة الوهابية خارج شبه الجزيرة العربية بعد سقوط الإخوان، ووقف التقدم العسكري لعشيرة آل سعود؟
هناك حدثان محوريان شكلا بدايات ما نعيشه الآن؛ أحدهما يتعلق بمعارضة تمرد آل سعود في عام 1979، وهو ما يعرف بحصار مكة، وكان يقوده مجموعة من جماعة الإخوان، بجانب الدور الذي تقوده السعودية كجزء من التحالف المناهض للسوفيت في أفغانستان.
كان الغزو السوفيتي لأفغانستان الحدث الحاسم، ودفع السعوديين للتورط في الحرب الأفغانية بعد إعلان فتوى عبد العزيز بن باز، الذي أصبح فيما بعد مفتي المملكة، كما أصبح الحكام السعوديون مشاركين رئيسيين في عملية الإعصار، وهي واحدة من أطول وأغلى العمليات السرية التي نفذتها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية.
قدم السعوديون خلال إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق، جيمي كارتر، قدرا كبيرا من التمويل للإرهابيين الأفغان، فضلا عن عصابات المسلحين غير الأفغان الذين وفدوا من أجزاء في العالم الإسلامي، وكان من بينهم السعودي أسامة بن لادن.
ظهر تنظيم القاعدة الذي أشرف عليه السعوديون والأمريكيون، واستخدمه السعوديون في صراعات البوسنة وكوسوفو، وصولا إلى التمرد الحالي في سوريا.
أتى التمويل السعودي من مصادر حكومية، ومن ثم شاركتها قطر في التمويل، والأخيرة تنافس السعوديين على الهيمنة على العالم العربي والإسلامي.
استمر التمويل السعودي للمجموعات المسلحة حتى عهد ما يسمى بالحرب على الإرهاب الذي بدأ بعد اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر على الأراضي الأمريكية، الذي تبناه تنظيم القاعدة، وتم التعرف على معظم منفذي الهجوم الـ19، وتبين أنهم مواطنون سعوديون.
ادعت الولايات المتحدة أنها ستشن حربا ضد الجماعات الإسلامية التي لها علاقة بتنظيم القاعدة، لكن ذلك لم يمنعها من استخدام هذه الجماعات في محاولة للإطاحة بالنظام العربي العلماني والحكومات التي تعارض السياسة الأمريكية، دائما بمساعدة المملكة العربية السعودية.
أعادت إدارة الرئيس الأسبق، جورج دبليو بوش، سياستها في تقديم الدعم للمجموعات المسلحة الإرهابية؛ من أجل التجهيز للإطاحة بالحكومة السورية العلمانية، بمساعدة السعودية.
تعاونت الإدارة الأمريكية مع نظيرتها السعودية واللبنانية، في عمليات سرية تهدف إلى إضعاف حزب الله، وشاركت في عمليات سرية تستهدف إيران وسوريا، والهدف من ذلك تعزيز الجماعات المتطرفة في لبنان.
انتقلت هذه الاستراتيجية إلى مستوى آخر، وصولا إلى الربيع العربي، وإدخال المرتزقة إلى سوريا لمناهضة الرئيس السوري بشار الأسد، ما تسبب في تشريد الملايين وقتل الآلاف.
استمر السعوديون في تمويل المتمردين السوريين، حيث ذكرت صحيفة دايلي تيليجراف في عام 2013، أن السعودية نقلت جوا أسلحة متقدمة للجماعات الإرهابية.
الإجراءات الداخلية التي يقوم بها السعوديون ضد المواطنين في منطقة القطيف، تعد بمثابة أدوات إرهابية تستخدمها الدولة ضد مواطنيها، بجانب التدخلات الوحشية في البلدان المجاورة مثل البحرين لمنع التظاهرات ضد عائلة آل خليفة الحاكمة.
الإجراءات التي ينفذها الجيش السعودي حاليا في اليمن، لا تنوي خيرا لأفقر البلدان العربية، حيث قتال الحوثيين الذين تدعي الرياض تمويل إيران لهم، دون تقديم أي أدلة على ذلك، وبدأ السعوديون في استهداف المدنيين والأماكن المدنية مثل الأسواق والمراكز الصحية والمزارع والمصانع.
ما يفعله السعوديون يرتقي إلى جرائم الحرب، رغم توقيعهم على البروتوكول الإضافي لاتفاقات جنيف الصادر في أغسطس 1949، الذي ينص على تجنب تدمير المنشآت المدنية والأماكن الخاصة بالمدنيين، وكذلك الابتعاد عن المواد الغذائية والمحاصيل والماشية.
أدت الأعمال السعودية إلى وقوع كارثة إنسانية في اليمن، بحسب ما وصفه مسؤولي الأمم المتحدة، حيث 80% من سكان اليمن الآن بحاجة إلى المساعدات الإنسانية، كما أن خطر المجاعة على المدى الطويل هو خطر حقيقي.
من المهم أن نلاحظ أن الدور السعودي في إثارة الإرهاب من خلال شن حروب بالوكالة أو حروب تدخلية من النوع الذي يمر به اليمن، وقد سهلت القوى الغربية، وأبرزها بريطانيا والولايات المتحدة في هذه العملية.
التواطؤ السعودي مع قوى الناتو يتناسب مع السياق التاريخي للاستعمال الغربي للإسلام المسلح في تعزيز الأهداف الجغرافية السياسية، وكان لكل من الولايات المتحدة وبريطانيا علاقة دائمة مع الحركات الإسلامية المتطرفة والميليشيات بما في ذلك جماعة الإخوان المسلمين التي نشأت في مصر، أما بالنسبة للأمريكيين، يعود هذا إلى وقت إدارة إيزنهاور، على الأقل في الخمسينيات، في حين أن علاقات بريطانيا مع الإخوان تذهب إلى الوراء بعد الفترة التي تلت إنشاءها في أواخر العشرينيات.
وكانت علاقة بريطانيا الخاصة مع السعوديين طويلة الأمد، ففي أوائل القرن العشرين، استخدم البريطانيون الإمارة السعودية الجديدة كوسيلة لإضعاف السلطة العثمانية في شبه الجزيرة العربية، رغم مخاوف ونستون تشرشل من أن اتباع آل سعود “المتعطشين للدماء” و”المتعصبين”، لكن أصبحت السعودية حليف جدير بالثقة بسبب ثروتها النفطية وموقعها الجغرافي الاستراتيجي، وهذا ينطبق أيضا على الولايات المتحدة.
اتهمت واشنطن الرياض بدعمها الإرهاب وتورطها في أحداث 11 سبتمبر، إلا أن السعوديون هددوا بسحب استثمارتهم من الولايات المتحدة، مما دفع رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، توني بلير، بالتدخل حيث يتمتع بعلاقة غريبة مع السعوديين.
الادعاءات المتكررة من القادة السياسيين والعسكريين البريطانيين والأمريكيين المعاصرين بأن إيران هي “الراعي الأكبر للإرهاب في العالم” لا تخضع للتدقيق، حيث إن جميع أعمال الإرهاب الرئيسية التي نفذت في الغرب باسم الإسلام تنبع من مسلحين وهابيين.
سعي السعودية للهيمنة على العالم الإسلامي لا يقوم على نشر القيم المستنيرة، ولا توجد معالم في مجتمعها تشجع على تطوير المجتمع المدني أو النقد الفكري للحلقات في التاريخ الإسلامي، كما أن أوجه قصور السعودية في حقوق الإنسان موثقة توثيقا جيدا، ولا تزال مشاكل التمييز موجودة في المملكة حتى الآن.
من الواضح أن “المصالح والقيم المشتركة” التي طالب بها دونالد ترامب في زيارته الأخيرة للمملكة العربية السعودية لتقوم على أساس الشراكة بين الأمريكيين والسعوديين لا تستند إلى ما يمكن وصفه بالمعايير الأخلاقية، وهي شراكة تقوم في المقام الأول على الاستحواذ الحازم على السلطة.
لن تفلت السعودية من حكم التاريخ باعتبارها أكبر ممول للإرهاب الإسلامي القائم على الأصولية.
بقلم : ريهام التهامي
ارسال التعليق