التحركات السعودية ومحاولات السيطرة على البحر الأحمر
منذ تفريط مصر بالقضية المركزية الفلسطينية بعقد اتفاقية كامب ديفيد، بدأت مصر تفقد بريقها السياسي في الساحة الإقليمية، ورغم البعد الجيوسياسي الذي يمنج مصر أهميتها، وهو موقعها الذي يتوسط القارات الثلاث، وقناة السويس، ومنافذها على البحر الأحمر، فإن هذه المزايا أصبحت في مهب الريح في ظل الهيمنة السعودية المباشرة وغير المباشرة على هذه المنافذ.
حلايب وشلاتين
يجب التركيز هنا على أن منطقة حلايب وشلاتين هي منطقة مطلة على البحر الأحمر وتتوسطه، الحديث عن هذه المنطقة لا يقتصر فقط على ثرواتها الطبيعية من الذهب، بل كونها منطقة حيوية على البحر الأحمر.
مطلع الشهر الجاري حدثت تطورات لا تصب في صالح مصرية حلايب وشلاتين والمتنازع عليها مع السودان، حيث أكد المركز السوداني للخدمات الصحفية في مطلع أبريل الجاري أن المفوضية العليا لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة قدمت اعتذارًا للخرطوم بسبب استخدام خريطة في تقريرين، لم تضم “مثلث حلايب” للسودان.
وأشار المركز السوداني للخدمات الصحفية “CMS” المقرب من الحكومة، إلى أن المفوضية العليا لحقوق الإنسان “اعترفت بتبعية حلايب للسودان، وأرسلت خطاب اعتذار لبعثة السودان لدى المجلس”.
ظاهريًا قد تبدو الرياض خارج المشهد السوداني المصري، لكن في حقيقة الأمر تملك السعودية أصابع خفية في هذا الملف، حيث أظهرت وثيقة مسربة بتاريخ 31/1/2016 دورًا تحريضيًا تمارسه الرياض على السودان ضد مصر، حيث كشفت هذه الوثيقة عن دعم السعودية لمطلب السودان في حلايب وشلاتين، وأشار وزير الخارجية السوداني في هذه الوثيقة إلى اللقاء الذي عقد في أديس أبابا على هامش القمة الإفريقية السادسة والعشرين بحضور وزير الخارجية السعودي عادل الجبير.
التطور الأخير في اعتراف الهيئة الأممية بسودانية حلايب وشلاتين له دلالته الخطيرة إذا ما تم ربطه، بتصريحات الرئيس السوداني، عمر البشير، حيث قال في مقابلة مع قناة العربية “السعودية” إن مثلث حلايب وشلاتين سوداني، مضيفًا أن بلاده سوف تلجأ لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لحسم الخلاف مع مصر حول المنطقة المصرية الحدودية.
البعض يعتبر أن تصريحات البشير حول حلايب وشلاتين تأتي في إطار هروبه من أزماته الداخلية، لكن الموضوع قد يُؤخذ في إطار أبعد من ذلك، خاصة أن البشير لم يبد هذا التمسك بنصف السودان حينما قرر التنازل عنها لجنوب السودان كما يبديه الآن في حلايب وشلاتين.
ويرى مراقبون أن الرياض بعد تمتين علاقاتها بالسودان، ومشاركة الأخيرة معها في عدوانها على اليمن، سيجعل النفوذ السعودي في السودان أكبر، هذا إذا غضضنا الطرف عن النفوذ القطري في السودان، وهنا سنصل إلى نتيجة تفيد بأن المملكة السعودية باتت تستعمل السودان كورقة ضغط على الحكومة المصرية، في ظل مواقف الأخيرة المتباينة معها في الملف السوري والليبي وإشراك قوات برية في اليمن.
تيران وصنافير
تشير المعلومات المتفرقة إلى أن التحركات السعودية الأخيرة فيما يتعلق بجزيرتي تيران وصنافير قد تكون بمثابة رأس حربة ضد مصر تخدم بها المصالح الإسرائيلية، ففي يونيو 1956، اتخذ جنود صهاينة من الساحل السعودي طريقًا ليتسللوا من العقبة إلى نقطة بالساحل السعودي تقابل مدينة “دهب” المصرية، ثم تابعوا التسلل حتى وصلوا للجانب المصري ومنه لمضيق تيران، وسميت العملية وقتها باسم عملية “العفن”.
اليوم يبدو أن الحديث عن رغبة الرياض بامتلاك تيران وصنافير لتبرر تقاربها مع الكيان الصهيوني عبر كامب ديفيد قد تجاوزته المعلومات الصهيونية التي تشير إلى وجود علاقات سرية وعلنية تجمع تل أبيب بالرياض، بل الأكثر من ذلك بدأ الحديث عن سكة حديد تربط بين إسرائيل والسعودية مرورًا من الأردن.
إسرائيل قالتها صراحة عبر وزير نقلها، إسرائيل كاتس، من أن هناك ممرات ملاحية برية وبحرية ستربط بلاده بدول المنطقة، ومع ضم ممر ناقل البحرين الذي بدأت الأردن تدشينه بالتعاون مع تل أبيب، يبدو أن الأمور ذاهبة باتجاه تهميش دور قناة السويس في البحر الأحمر، وتقويض الأمن القومي لمصر، وهنا لا تدور المشكلة حول محاولة السعودية كدولة عربية الاستحواذ على الجزيرتين المصريتين، لكن المشكلة الحقيقية تدور حول النوايا السعودية بتسليم هذه الجزر للعدو الإسرائيلي، فالسلطات السعودية لا تمانع بتضخم النفوذ الإسرائيلي في المنطقة، فهي تعتقد أن تطوير النفوذ الإسرائيلي سيجعلها قوية أمام إيران خاصة في ظل التوافق السعودي الإسرائيلي ضد الملف النووي الإيراني، ويدور الحديث في بعض المواقع العبرية والأمريكية، حول أن الجزر المصرية ستصبح قواعد عسكرية لقوات إسرائيلية وأمريكية نظرًا لتدهور الوضع الأمني في سيناء.
باب المندب وطور سيناء
قد لا يكون من باب المصادفة التواجد السعودي في مدينة طور سيناء المطلة أيضًا على البحر الأحمر، والحديث المصري عن مساهمات سعودية بتطوير هذه المنطقة، حيث يأتي إنشاء جامعة الملك سلمان ضمن مشروعات عدة ستمولها السعودية، كما سيكون أحد أهم محاور هذه المشاريع هو تنمية شبه جزيرة سيناء، ويبدو أن التواجد السعودي في هذه المنطقة يخفي وراءه الكثير من علامات الاستفهام، خاصة أن هناك دعاوي قضائية أقيمت ضد هذا التواجد، حيث أقام المحامي علي أيوب، دعوى أمام محكمة القضاء الإداري، تطالب بوقف تنفيذ قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 3281 لسنة 2016 المتعلق بتخصيص 25 فدانًا بجنوب سيناء لمدة 5 سنوات قابلة للتجديد دون مقابل لوزارة التعليم العالي لإنشاء فرع جديد لجامعة الملك سلمان بن عبدالعزيز، وقالت الدعوى، إن قرار مجلس الوزراء بشأن تخصيص قطعة أرض على هذه المساحة سوف يترتب عليه نتائج كثيرة من ضمنها التنازل عن أرض مصرية لصالح إنشاء جامعة للملك سلمان لتكون فرعًا لجامعة تتبع المملكة السعودية.
الخطير في هذا الموضوع أنه إذا ما تم ربط مدينة الطور بجزيرتي تيران وصنافير بمنطقة حلايب وشلاتين، بمضيق باب المندب الذي تحاول السعودية السيطرة عليه بعدوانها على اليمن، نجد أن الرياض تحاول السيطرة على البحر الأحمر من بدايته إلى نهايته إما بالقوة أو بالمال، وبالتالي صمت الحكومة المصرية غير مبرر وغير مقبول تجاه هذه التحركات السعودية.
وهنا لا يجب إعفاء الحكومة المصرية عن مسؤوليتها تجاه أراضيها، خاصة بعد الكشف عن اجتماع سري بالعقبة مطلع العام الماضي ضم كلًا من السيسي، وملك الأردن، عبد الله الثاني، ورئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، ووزير خارجية أمريكا السابق جون كيري، هذا الاجتماع سبق الإعلان عن تنازل مصر عن جزرها لصالح السعودية بأقل من شهرين، كما أن اتصال وزير خارجية مصر، سامح شكري، المسرب مع محامي نتنياهو ومراجعة بنود اتفاقية تيران وصنافير معه مؤشر خطير، خاصة أن علاقات مصر بالسعودية والسودان تبدو ودية في ظل التحركات السعودية السودانية التي تستهدف البعد الأمني والقومي لمصر، فالسعودية كشرت عن أنيابها بمنع نفطها عن مصر عندما تعارضت مصالحها مع مصر، والسودان لوّح بطرح كل الحلول للاستيلاء على حلايب وشلاتين.
بقلم : خالد عبد المنعم
ارسال التعليق