الثورة السودانية فضحت أطماع السعودية في القرن الإفريقي
نشرت صحيفة “فايننشال تايمز” تقريراً مطولاً عن الصراع على القرن الإفريقي الذي يدور بين دول الشرق الأوسط، مشيرة إلى أن الثورة السودانية فضحت أطماع السعودية والإمارات في القرن الإفريقي. وجاء في التقرير أن بعضاً من دول الخليج تستثمر بشكل كبير في المنطقة، إلا أن عملية القمع التي قام بها الجيش السوداني ضد المتظاهرين، حيث كان دعم بعض الدول الخليجية واضحاً للمجلس العسكري في السودان، ما كشفت الدوافع الحقيقية للسعودية والإمارات. فبعد الهجوم الذي شن على المعتصمين أمام مقر القيادة العامة السودانية ممن كانوا يطالبون بتسليم السلطة للمدنيين بعد تولي الجيش السلطة عقب الإطاحة بالرئيس البشير، أشير بأصابع الاتهام لقوات الردع السريع، وهي صورة جديدة عن ميليشيات الجنجويد التي ارتكبت فظائع في إقليم دار فور بداية العقد الأول من القرن الحالي. وكان القمع رسالة من المؤسسة العسكرية أنها لن تستجيب لمطالب نقل السلطة. ولكن قوات الردع السريع لم تكن هي الجهة التي تعرضت للنقد وكشف عن دورها في القمع وضرب قوى الديمقراطية؛ ففي الوقت الذي أحصى فيه المعتصمون قتلاهم حرفوا نظرهم لداعمي المجلس العسكري الانتقالي أي إلى السعودية والإمارات اللتين تسعيان لعسكرة المنطقة.
وتنفي السعودية والإمارات أي معرفة مبدئية بالهجوم على المعتصمين وتؤكدان العلاقات السياسية والاقتصادية مع السودان الذي يعتبر جسراً بين العالم العربي وإفريقيا ولديه ساحل طويل على البحر الأحمر. ومع ذلك، لم ينج البلدان من التساؤلات حول دورهما الجديد في سودان ما بعد البشير، الذي جاء في وقت ينفق فيه البلدان مئات الملايين على عقود مجزية لتطوير الموانئ بالقرن الإفريقي. وقال الجراح السوداني سلمان أسامة (27 عاماً) الذي عالج الجرحى بين المعتصمين: “كل مشاكلنا هي من السعودية والإمارات ومصر”. وقال إن هذه الدول كانت تدعم البشير في قمعه للسودانيين وهي نفسها التي تقوم بدعم النظام الجديد.
وقالت الصحيفة قبل عشرة أيام من التحرّك ضد المعتصمين، استقبل محمد بن سلمان في جدة محمد حمدان (حميدتي) دقلو - الذي يترأس قوات الدعم السريع - في جدة. وفي الأسبوع نفسه، سافر رئيس المجلس العسكري الانتقالي الجنرال عبد الفتاح البرهان إلى مصر والتقى الشيخ محمد بن زايد، ولي عهد أبو ظبي. وتعهدت السعودية والإمارات بدعم المجلس العسكري ب3 مليارات دولار وانضمتا إلى مصر لدعم المجلس العسكري. ويشعر السودانيون أن السعودية والامارات تعملان على قمع الديمقراطية في بلادهم، رغم دعوتها للحوار البناء. لكن الجنرالات هم الذين يستثمرون الدعم لحماية مصالحهم ومصالحها، بما في ذلك المشاركة السودانية في حرب اليمن. وفي تقرير لمجموعة الأزمات الدولية ببروكسل جاء: “يعرف السعوديون والإماراتيون الجنرال حميدتي والبرهان لقيادتهما القوات السودانية في اليمن”، وتثق السعودية والإمارات “بقدرة الجنرالات على قيادة البلاد خلال الفترة الانتقالية بطريقة تتجنب الفترة الفاصلة التي حدثت في مصر عام 2011 وأدت لفوز الإخوان بالانتخابات”.
وتشير الصحيفة إلى محاولات السعودية والإمارات، ومنذ عام 2011، تشكيل المنطقة على صورتهما بعد الانتفاضات التي أرسلت هزات وزلازل ضد الأنظمة الأتوقراطية في مصر وليبيا والحروب التي اندلعت في اليمن وسوريا. ورأت أبو ظبي والرياض في الثورات إشارة على ضرورة التدخل لمواجهة الإسلام السياسي الذي تعتبرانه تهديداً وجودياً؛ ففي مصر دعمتا القوى التي أطاحت بالرئيس المنتخب محمد مرسي، ثم ضختا المال للجيش الذي أطاح به عام 2013. وقال وزير الدولة في الخارجية الإماراتية، أنور قرقاش، إن الهجوم على المتظاهرين في الخرطوم هو محاولة “لتعزيز التوازن والحفاظ على استقرار المؤسسة”. ويشير التقرير إلى العلاقات التاريخية الاقتصادية والدينية بين منطقة القرن الإفريقي وبعض من دول الخليج، فدول المنطقة الصومال والسودان وجيبوتي ذات غالبية مسلمة مع تجمعات كبرى للمسلمين في إريتريا وإثيوبيا.
وترى الصحيفة أن البحر الأحمر الذي يفصل إفريقيا عن الجزيرة العربية ظل منطقة تنافس؛ ففي عام 1888 أقامت بريطانيا محمية في صومالي لاند لحماية السفن التجارية القادمة من آسيا وعبر قناة السويس. ويقول وزير خارجية الصومال السابق سعد علي شير إن التنافس الحالي هو من أجل استعراض القوة والتحكم بالتجارة كما في القرن التاسع عشر، وتعتبر الإمارات الأكثر نشاطاً؛ فبالإضافة لإدارتها كلاً من ميناء باساسو وبربرة أقامت قاعدة عسكرية في عصب بإريتريا و6 موانئ على الجانب الآخر من البحر الأحمر. وتعهدت الإمارات بمساعدات مالية بقيمة 3 مليارات دولار العام الماضي لإثيوبيا، وساهمت مع السعودية بحل خلاف عمره 20 سنة بينها وبين إريتريا. ويرى قرقاش أن التوسع الإماراتي في القرن الإفريقي يتساوق مع تحوّل بلاده لمركز التجارة والمال في الشرق الأوسط. وقال: “كل شيء له علاقة بحقوق الطيران والمناطق الحرة والمخازن والموانئ هو جزء من الرواية التي تشير لنجاحنا”، و”لهذا علينا الوصول إلى 100 مليون إثيوبي بحاجة إلى أكثر من ميناء”. إلا أن التجارة هي جزء من القصة؛ فمنذ التدخل في اليمن عام 2015 رأت السعودية والإمارات أنهما بحاجة لداعمين على طرفي البحر الأحمر للتدريب ونشر الجنود. ففي ديسمبر عقدت السعودية اجتماعاً ضم مصر وجيبوتي والأردن وإريتريا واليمن والسودان للبحث في تحالف يحمي مصالحها ومصالح “جيرانها” - “تحالف البحر الأحمر”.
ارسال التعليق