الجانب الخفي من إلغاء زيارة الكاظمي الى الرياض
قبل ساعات قليلة من موعد زيارة الكاظمي إلى الرياض، تم نقل الملك سلمان إلى المستشفى بسبب "التهاب المرارة" وتم الإعلان عن تأجيل زيارة الوفد العراقي. لكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو ما إذا كان سبب تأجيل زيارة رئيس الوزراء العراقي فعلاً هو مرض ملك السعودية، أم أن حكام الرياض هم الذين أخروا الزيارة عمدًا.
على الرغم من مرور بضعة أيام على زيارة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي الى إيران والتي صادفت يوم 21 يوليو 2020 ، لا تزال وسائل الإعلام تلقي الضوء على هذه الزيارة، بالإضافة الى تحليلات وتفسيرات المحللين والمراقبين السياسيين، لكن في ظل هذه الظروف، الأمر الذي غفل عنه المراقبون السياسيون إلى حد ما، هو فيما يتعلق بإلغاء زيارة الكاظمي إلى الرياض. وبحسب ما اُعلن عنه سابقا، كان من المقرر أن يبدأ رئيس الوزراء العراقي والوفد المرافق له أول زيارة خارجية لهما من السعودية في 20 يوليو / تموز ثم التوجه إلى إيران.
ولكن قبل ساعات قليلة من موعد زيارة الكاظمي إلى الرياض، تم نقل الملك سلمان إلى المستشفى بسبب "التهاب المرارة" وتم الإعلان عن تأجيل زيارة الوفد العراقي. لكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو ما إذا كان سبب تأجيل زيارة رئيس الوزراء العراقي فعلاً هو مرض سلمان، أم أن حكام الرياض هم الذين أخروا الزيارة عمدًا؟
زيارة ظريف الى العراق وغضب السعوديين:
على الصعيد الأولي، يمكن النظر في سبب تأجيل زيارة الكاظمي إلى السعودية، في قضية زيارة محمد جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني إلى العراق في 19 يوليو 2020، أي قبل يوم واحد فقط من زيارة الكاظمي المقررة إلى الرياض. وفيما يتعلق بهذا الإستدلال، يمكن التطرق الى ثلاثة محاور رئيسية.
1. يمكن مناقشة الإستدلال الأول، فيما يتعلق بشرط السعودية على رئيس الوزراء العراقي بعدم اللقاء بالمسؤولين السياسيين الإيرانيين. حيث تشير الدلائل إلى أن الرياض جعلت من عدم لقاء الكاظمي بأي مسؤول إيراني، وخاصة وزير خارجية إيران، ظريف، قبل السفر إلى السعودية، شرطا أساسياً.
وفي هذا الصدد، تحدث النائب في البرلمان العراقي كاظم الصيادي في مقابلة تلفزيونية عن سبب إلغاء زيارة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إلى السعودية قائلا: "وضعت الرياض شرطًا للكاظمي وهو أن لا يلتقي بأي مسؤول ايراني وعلى رأسهم، وزير الخارجية محمد جواد ظريف، قبل زيارته السعودية."
2- في المستوى الثاني، يمكن القول أنه على مدى السنوات القليلة الماضية، أصبح خروج الأمور عن سيطرة الملك سلمان حقيقة لا يمكن إنكارها لهذا البلد. أذ يدرك جميع المراقبين السياسيين والرأي العام حقيقة أن محمد بن سلمان، ولي العهد ونجل الملك، يسيطر على شؤون البلاد بشكل تام. وبالتالي، فإن دخول المستشفى أو مرض شخص لا يلعب دورًا حقيقياً في صنع القرار هو مسرحية رسمية قد تكون لا تنطلي سوى على المغفلين السعوديين.
3- وعلى المستوى الثالث، حتى لو افترضنا أن حضور الملك سلمان في اللقاء مع مصطفى الكاظمي هو ضروري، لكن يبدو أن حالته الصحة هي خطيرة للغاية لدرجة أنه توجه إلى المستشفى في نفس اليوم المقرر لزيارة رئيس الوزراء العراقي.
وفي هذا الصدد، بعد أن خيمت حالة من التكهنات حول تدهور صحة سلمان، نفت وسائل الإعلام السعودية هذه الشائعات ونشرت صور للملك سلمان وهو يرأس مجلس الوزراء لتثبت أن الملك السعودي ليس في حالة صحية خطيرة وأنه يتمتع بصحة جيدة، وإذا كان حقا كذلك، فكان بإمكانه إجراء لقاء عبر الفيديو مع مصطفى الكاظمي، مثلما فعل خلال الأيام القليلة الماضية حيث شارك سلمان، من المستشفى وعبر الفيديو في اجتماع مجلس الوزراء .
جعبة السعودية الفارغة للتعاون الاقتصادي مع العراق:
بالإضافة إلى الأسباب المذكورة، يمكن اعتبار السبب المهم الآخر للتأجيل المتعمد لزيارة الكاظمي إلى الرياض، فيما يتعلق بالمشاكل الاقتصادية للبلاد والأزمة المالية. وحقيقة الأمر هي أن نظرة حكومة الكاظمي للحكومة السعودية تقوم على نهج اقتصادي أكثر من سياسي. وكانت بغداد بحاجة إلى مساعدة ومساهمة السعوديين في إعادة بناء العراق. ومن المؤكد ، أن حكام الرياض كانوا يدركون أيضًا أنهم إذا أرادوا تقريب العراق إلى حد ما منهم والدخول في منافسة مع إيران، فعليهم تقديم المساعدة المالية ضخمة لبغداد.
وخلافا للتكهنات الأولية في الوقت الحاضر، فقد انخفضت أسعار النفط بشدة، وعلى مستوى آخر، توقفت عائدات ثاني مصدر مالي لحكام ال سعود وهو "الحج" بعد توقف حركة الحجاج بشكل كامل بسبب انتشار وباء كورونا، كما انخفضت سوق الأسهم السعودية بشكل حاد، وشهدت الحكومة أزمات كبيرة خلال العام الماضي لإدارة اقتصاد البلاد. كما لا تزال التكاليف المدمرة للحرب اليمنية تسبب أزمة خانقة للسعوديين. وفي مثل هذه الظروف، يبدو أن السعوديين كانوا يدركون أنه في حال زيارة رئيس الوزراء العراقي السعودية، ستواجه بغداد يأس واستياء جراء هذه الزيارة ولن تحقق هذه الزيارة النتائج المرجوة عند الشارع العراقي.
في هذه الأثناء، كان الامتياز الوحيد الذي كانت السعودية تنوي منحه للعراق يتعلق باستعداد الرياض لفتح معبر عرعر الحدودي مع العراق وبدء التبادل التجاري بين البلدين. والحقيقة هي أنه خلال العام الماضي، تم استخدام معبر عرعر لعبور للحجاج، لكن الحكومة السعودية تخطط الآن لتحويله إلى معبر تجاري بحت بين البلدين بتكلفة 50 مليون دولار. ولكن الآن يبدو أن إعادة فتح المعبر الحدودي للغرض التجاري لا يلقى سوى القليل من الترحيب من قبل بغداد، مما دفع السعوديين إلى تأجيل زيارة رئيس الوزراء العراقي إلى الرياض في خطة معدة سلفا.
ارسال التعليق