الجنوب #اليمني في الكمّاشة #السعودية - #الإماراتية : صراع بلا قفّازات
بقلم: أحمد الحسني...
وصلت الأوضاع الاقتصادية والخدمية في المحافظات الواقعة تحت سيطرة التحالف السعودي في جنوب اليمن وشرقه، إلى طريق مسدود، في ظلّ الانقسام الحادّ ما بين الفريق الموالي لأبو ظبي داخل «المجلس الرئاسي» والحكومة التابعة له والتي يقودها معين عبد الملك، من جهة، والفريق الموالي للرياض، من جهة أخرى. وممّا يزيد المشهد تعقيداً أن تفاعلات هذا الانقسام لم تَعُد مقتصرة على الحرب السياسية والإعلامية، بل تعدّتها إلى الحشود العسكرية المتضادّة بين الطرفَين، والتي يبدو أنها في انتظار ساعة الصفر. وبحسب المؤشّرات، فإن وادي حضرموت سيكون الميدان الجديد للجولة المنتظَرة، والتي قد تكون الأخيرة أو ما قبل الأخيرة، على افتراض أن المهرة هي أيضاً أحد المعاقل المتبقّية للسعودية، والتي تسعى الإمارات إلى انتزاعها بالكامل.
وبالنظر إلى أن الملفّ الاقتصادي ظلّ على طول الخطّ ملفّاً سياسياً بالنسبة إلى «التحالف»، ودائماً ما استُخدم كواحدة من أدوات الحرب في اليمن، لا بل قد يكون حالياً الجبهة الوحيدة المشتعلة، في ظلّ توقّف الجبهات العسكرية، بحسب وصف المبعوث الأممي، هانس غروندبرغ، فلا يُستغرب ما يجري الآن في المحافظات الجنوبية والشرقية، والذي يهدّد بخروج الوضع عن السيطرة المشتركة والمنظّمة من قِبل السعودية والإمارات.
بالنسبة إلى أبو ظبي، فإن الهدف الراهن هو إسقاط حكومة عدن، وشلّ حركة «الرئاسي» وفعاليته، بالتزامن مع إطلاق معركة إسقاط وادي حضرموت، الهادفة إلى تدمير قدرات المنطقة العسكرية الأولى المحسوبة على حزب «الإصلاح». إلّا أن تنفيذ ذلك المخطّط بالأدوات الخشنة، لا يزال يصطدم بمقاومة سعودية شرسة، تجبر الإمارات على تفعيل خطط بديلة، وإن تطلّبت وقتاً أكبر للحسم، يبدو أن الرياض تستفيد منه في المقابل لتحصين حلفائها على الأرض. وتقوم الخطّة الإماراتية البديلة هذه، أولاً، على تحريك القوى والمكوّنات السياسية والقبلية والشعبية، تحت شعار تردّي الخدمات للمطالبة بإسقاط الحكومة، وهو ما تمّ فعلياً في وادي حضرموت، حيث نظّمت الجماعات الموالية لأبو ظبي عدداً من الوقفات الاحتجاجية بمحاذاة المنطقة العسكرية الأولى في سيئون وتريم والقطن.
أمّا في عدن، فالأمر مختلف بالنسبة إلى الإمارات؛ إذ إن المدينة تُدار عملياً من قِبَل «المجلس الانتقالي» الموالي لها، وبالتالي فإن تحريك الشارع فيها يتطلّب ضغطاً أكبر في الملفَّين الخدمي والاقتصادي، ولذا كان اللجوء إلى تحريك لعبة المضاربة بالعملة، والتي أدّت إلى تهاوي سعر الريال، بالتزامن مع الدفع بقوات «الحزام الأمني» التابعة لها إلى قطع الطريق على قواطر الوقود المخصّصة لكهرباء عدن، في أبين، تحت ذريعة المطالبة بدفع الحكومة مرتّبات عناصر تلك القوات، وهو ما أدّى إلى انقطاع التيار الكهربائي في عدن بشكل كامل، في ظلّ ارتفاع الحرارة إلى ما يقارب الأربعين درجة مئوية. كما تسبّبت «معركة الخدمات» هذه بوصول سعر صرف الدولار، إلى 1500 ريال، علماً أنه قبل أربعة أسابيع فقط كان شبه مستقر عند حدود 1200 ريال، الأمر الذي أدّى بدوره إلى ارتفاع الأسعار.
دفع كلّ ذلك مجتمعاً المواطنين إلى الخروج إلى الشوارع، وقطع الطرقات احتجاجاً على ما آلت إليه الأوضاع. غير أنه خلافاً لمرّات سابقة، يبدو هذه المرّة واضحاً حرص الأطراف المتصارعة على عدم استثمار التظاهرات بشكل معلن، بعدما اعتاد «الانتقالي» سابقاً تسخير أيّ موجة غضب لصالح مخطّط إسقاط الحكومة، فيما دأبت الأخيرة على استغلالها لتحميل «الانتقالي» مسؤولية التردّي الحاصل، وتوجيه الغضب ضدّه، وخصوصاً أن الأخير يحكم المدينة منذ آب 2018، ويسيطر على جميع إيراداتها التي بلغت بحسب تقارير غير رسمية، 100 مليون دولار شهرياً. وبرأي بعض المحلّلين، فإن بقاء الوضع على ما هو عليه، من دون تدخّل من قِبل «التحالف» أو أحد طرفيه، قد يؤدي إلى خروجه عن السيطرة، حيث لن تكون بوصلة التظاهرات عندها موجّهةً ضدّ طرف محلّي بعينه، بل قد تتّجه نحو «التحالف» نفسه عبر المطالبة برحيله، وخصوصاً أن سيناريو تغيير الحكومات لا يفتأ يتكرّر، من دون أن يحدث أيّ تغيير جذري في السياسات.
وعلى رغم المخاطر الكامنة في المشهد الحالي، يبدو أن الإمارات لن ترتدع عن مسار الدفع بـ«الانتقالي» نحو إطاحة حكومة عبد الملك، ومن ثمّ تشكيل «حكومة إنقاذ» جنوبية يشرف على عملها المجلس الموالي لأبو ظبي، علماً أن «المجلس الرئاسي» تمّت هيكلته مسبقاً، بعدما انضمّ أعضاؤه الجنوبيون إلى «الانتقالي». غير أن هذا المسار سيكلّف الإمارات أثماناً باهضة، ليس فقط في ما يتعلّق بمواجهة القوى المحلّية المناوئة لها والتي سترفع عقيرتها أكثر في حال الاستحواذ الإماراتي الكامل على الجنوب، ولكن أيضاً على مستوى علاقتها مع السعودية، التي يبدو أنها لن ترضخ لسياسة الأمر الواقع، وستواجه الزحف الإماراتي نحو آخر معاقلها شرق البلاد، ولو باستخدام القوة هذه المرّة.
ارسال التعليق