الحوثيون ينظرون بإيجابية لتخلف السعودية عن التحالف البحري
تتصاعد الهجمات التي تشنها القوة البحرية التابعة لجماعة الحوثيين اليمنية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، ضد السفن الإسرائيلية أو التي لها علاقة بإسرائيل، تضامناً مع قطاع غزة الذي يتعرض لعدوان إسرائيلي منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي. وتؤكد الجماعة على لسان أكثر من مسؤول فيها، بينهم المتحدث العسكري باسم قواتها العسكرية، يحيي سريع، استمرارها في تنفيذ هذه العمليات حتى إدخال الغذاء والدواء إلى قطاع غزة رغم تشكيل تحالف بحري يستهدف صد الهجمات.
وكانت الولايات المتحدة عمدت أخيراً إلى الإعلان عن تشكيل تحالف دولي لمنع مثل هذه الهجمات، ولتأمين طرق الملاحة الدولية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب وخليج عدن. وكان وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في 19 ديسمبر/كانون الأول الحالي، أعلن من البحرين (عقب زيارة أيضاً إلى تل أبيب) عن تدشين عملية "حارس الازدهار" الدولية، وهي مهمة أمنية متعددة الجنسيات ستكون تحت مظلة القوات البحرية المشتركة (سي أم أف) وقيادة فرقة العمل 153 التابعة لها، وستركز على الأمن في البحر الأحمر.
وتضم عملية "حارس الازدهار"، بحسب الإعلان الأميركي، إلى جانب الولايات المتحدة، المملكة المتحدة والبحرين وكندا وفرنسا وإيطاليا وهولندا والنرويج وسيشيل وإسبانيا واليونان، وتهدف إلى التصدي بشكل مشترك للتحديات الأمنية في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن، بهدف ضمان حرية الملاحة وتعزيز الأمن الإقليمي. وأمس الأحد، قال وزير الدفاع البريطاني غرانت شابس إن بلاده مصممة على أن تظلّ طرفاً رئيسياً في صد الهجمات في البحر الأحمر، مضيفاً في حديث لصحيفة "ذا تايمز"، إن لندن ملتزمة بحماية المصالح البريطانية في مياه الخليج أيضاً. لكن إسبانيا أعلنت أمس، في بيان لوزارة دفاعها، أنها لن تشارك في هذا التحالف، مضيفة أنها تعارض توسيع مهمّة عملية "أتالانت" الأوروبية التي تكافح القرصنة في المحيط الهندي منذ العام 2008.
الإعلان عن تشكيل التحالف البحري اعتبرته جماعة الحوثيين بمثابة إعلان للدفاع عن مصالح إسرائيل وحماية سفنها في المنطقة، مؤكدة أن ذلك لن يثنيها عن الاستمرار في عملياتها ضد السفن والمصالح الإسرائيلية.
وأول من أمس السبت، أعلنت القيادة المركزية الأميركية (سنتكوم) أن المدمّرة الأميركية "يو إس إس لابون" أسقطت، السبت، 4 طائرات مسيّرة هجومية أطلقها الحوثيون باتجاهها في البحر الأحمر. كما أعلنت أن ناقلة النفط الغابونية "سايبابا" التي ترفع علم الهند، أطلقت نداء استغاثة بعدما أصيبت بطائرة مسيّرة أثناء إبحارها في البحر الأحمر. بالإضافة إلى أن ناقلة نفطية أخرى تدعى "بلامانين" وترفع علم النرويج، استُهدفت بدورها بمسيّرة أطلقها الحوثيون وكادت تصيبها.
ويلاحظ غياب دول التحالف العربي الذي تقوده السعودية لاستعادة الشرعية في اليمن عن الانخراط في هذا التحالف البحري، باستثناء مشاركة دولة البحرين التي يعد مراقبون مشاركتها حضوراً صورياً، وهو ما اعتبره الحوثيون أمراً إيجابياً.
وزير الإعلام في حكومة الحوثيين، ضيف الله الشامي، قال لـ"العربي الجديد"، إن موقف جماعته من تشكيل التحالف الدولي لحماية طرق الملاحة في البحر الأحمر "واضح وجلي ومعلن وصريح، فأي تحالف من هذا النوع هو تحالف لحماية السفن الإسرائيلية، وهو تشجيع ودعم واضح للكيان الصهيوني للاستمرار في ارتكاب الجرائم والمجازر بحق الشعب الفلسطيني، وموقفنا مبدئي فلا تنازل عنه ولا تراجع فيه".
وأضاف الشامي أنه "لو تحالف العالم كلّه لثنينا عن نصرة إخواننا في فلسطين فلن يفلحوا، ولن يزيدنا ذلك إلا يقيناً بأهمية الخطوات التي نتحرك فيها، وكلما اتسعت دائرة التحالف، ستتسع دائرة وقائمة الأهداف لقواتنا المسلحة، وقد عبّر الشعب اليمني بخروجه المليوني يوم الجمعة الماضي، عن رفضهم لهذا التحالف ومساندتهم لكل قرارات القيادة، واستعدادهم لمواجهة كل السيناريوهات المحتملة".
وأشار الشامي إلى أن غياب السعودية عن التحالف "أمر إيجابي"، مؤكداً أن المفاوضات اليمنية السعودية قد قطعت شوطاً لا بأس به، "والسعودية تحركت للخروج من الورطة التي ورّطتها أميركا فيها، بالعدوان على اليمن، ولا أعتقد أنها ستورط نفسها مرة أخرى". يذكر أن المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس غروندبرغ، أعلن أول من أمس عن تمكّن الأمم المتحدة من انتزاع التزام من أطراف الصراع في اليمن، بمجموعة من التدابير، على طريق خفض التصعيد في اليمن، منها وقف إطلاق النار، والالتزام بالانخراط في استعدادات لاستئناف عملية سياسية جامعة. كما أعلن غروندبرغ عن أنه سيعمل مع أطراف الصراع على وضع خريطة طريق لتنفيذ هذه الالتزامات.
وتعليقاً على ذلك والموقف السعودي من هجمات الحوثيين، أشار الكاتب الصحافي خليل العمري، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن السعودية "تخوض منذ ما يقرب من عامين عملية سياسية معقدة لوقف الحرب في اليمن، وهي ترى أن واشنطن خذلتها في تحالفها العربي في اليمن، وبالتالي فهي غير متحمسة لأي دعوات أميركية للانضمام للتحالف الدولي لحماية طرق الملاحة الدولية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب".
ورأى العمري أن الأميركيين يضغطون ويقدمون عروضاً مستمرة للسعودية والإمارات لتجميد الاتفاق السياسي مع الحوثيين الذي يبدو أنه لم يحرز أي تقدم، لكن لا أحد من اللاعبين الإقليميين متحمس لتحالفات عسكرية جديدة في اليمن، وهناك حالة من اللاثقة بين واشنطن والرياض، خصوصاً مع معارضة إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن للعمليات العسكرية للتحالف العربي التي شنتها السعودية في اليمن منذ مارس/آذار 2015".
وأضاف الكاتب الصحافي أن واشنطن والقوى المتحالفة معها تعرضت للإهانة البالغة عقب استهداف الحوثيين المدعومين من إيران للسفن في البحر الأحمر، ومضيق باب المندب أهم المضائق العالمية، وإعلان إيران أنها تتحكم في البحر الأحمر، وما تلاه من إعلان قائد القوات البحرية في الحرس الثوري الإيراني (علي رضا تنغسيري الذي أعلن قبل أيام "التعبئة البحرية المحيطية" والتي بإمكانها الإبحار حتى شرق أفريقيا)، وإعلان قوات الباسيج (أعلن تنغسيري أيضاً عن تشكيل وحدة "باسيج" بحرية)". واعتبر أن ذلك "نوع من الصراع الجيوسياسي على باب المندب ومضيق هرمز بين طهران وحلفائها من جهة وواشنطن من جهة أخرى".
ولفت العمري إلى أن "تأثير الهجمات الحوثية لا يقتصر فقط على السفن الإسرائيلية، وإنما صنع معادلة جديدة في المنطقة ولاعباً جديداً، أثبت أنه قادر على التهديد في واحد من الممرات المائية الذي يمر عبره أكثر من ثلث احتياجات العالم النفطية، وهناك العديد من شركات الشحن الأوروبية أعلنت تجميد عبورها في البحر الأحمر، والممرات الأخرى ارتفعت فيها تكاليف الشحن والتأمين".
وأعرب الكاتب الصحافي عن اعتقاده بأن تحالف واشنطن المعلن "هو نوع من التهديد، ولن يتورط في شنّ عملية عسكرية مباشرة ضد جماعة الحوثيين، فواشنطن تفضل عدم إشعال النيران في البحر الأحمر، وهي تحاور الحوثيين عبر سلطنة عُمان، بحسب ما أعلن المتحدث باسمهم محمد عبد السلام".
ارسال التعليق