الخلاف مع كندا يكشف هشاشة الإصلاح السعودي
ترجمة وتحرير زياد محمد"تشعر كندا بقلق بالغ إزاء الاعتقالات الإضافية لناشطي المجتمع المدني وناشطي حقوق المرأة في السعودية، بما في ذلك سمر بدوي، ونحث السلطات السعودية على الإفراج عنهم فورا وجميع ناشطي حقوق الإنسان السلميين الآخرين".
لا تبدو هذه التغريدة التي عبرت فيها وزيرة الشؤون الخارجية الكندية، "كريستيا فريلاند"، عن القلق بخصوص اعتقال الناشطات السعوديات عدائية بشكل خاص؛ فهذا ما تفعله الحكومات الغربية من حين إلى آخر عندما يتم وخز ضميرها بشكل خفيف بواسطة تصرفات الأنظمة الاستبدادية.
وغالبا ما تجاهل تلك الأنظمة هذه الانتقادات، وتستمر الحياة والاتفاقات التجارية وانتهاكات حقوق الإنسان حتى المرة القادمة التي يتم فيها إزعاج الضمير الديموقراطي بشكل ما.
لقد أصبح الأمر -إذا- بمثابة لعبة إلى حد ما تشمل مجموعة من المشاهد المعدّ لها سلفا وذات العواقب الضئيلة على كلا الجانبين.
ومع ذلك فإن السعوديين في هذه الحالة أظهروا غضبا شديدا، واتهموا كندا "بممارسة تدخل صارخ في شؤون المملكة الداخلية، يخالف المعايير الدولية الأساسية وجميع البروتوكولات الدولية"، وأن تغريدة فريلاند كانت "إهانة كبيرة وغير مقبولة لقوانين المملكة وقضائها وانتهاكا واضحا لسيادتها".
وأضاف السعوديون -مهددين- أنه في حال عدم توقف الكنديين عن انتقاداتهم، فإن أي خطوة أخرى من الجانب الكندي في هذا الاتجاه "ستعتبر اعترافا بحقنا في التدخل في الشؤون الداخلية الكندية".
ولا أحد يعرف بالضبط كيف ستتدخل السعودية في الشؤون الكندية؛ فهل مثلا عبر دعم "الحزب الكيبيكي" الانفصالي ضد الحكومة الفيدرالية؟ أم مهاجمة دوري كرة القدم الكندي؟
تفسير الغضب السعوديوفي ظل موجة الغضب تلك، استدعى السعوديون سفيرهم، وأعطوا السفير الكندي 24 ساعة للمغادرة، وجمدوا جميع الصفقات التجارية والاستثمارية الجديدة، وكانت تلك استجابة استثنائية بكل المقاييس تركت حكومة كندا ومعظم الكنديين في حيرة من أمرهم.
لكن هناك صلة كندية بالقصة، وهي "سمر بدوي"، التي قامت منذ فترة طويلة بحملة نيابة عن شقيقها "رائف"، وهو مدون حُكم عليه قبل سنوات بالسجن لمدة 10 سنوات و1000 جلدة بتهمة "الردة" و "الإساءة للإسلام" عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وبعد القبض على "بدوي"، فرت زوجته "إنصاف حيدر" إلى كندا مع أطفالهما الثلاثة؛ حيث حصلوا على الجنسية الكندية مؤخرا.
ومن موقعها في كندا، قامت "إنصاف حيدر" بحملة علنية دون كلل من أجل إطلاق سراح زوجها، وهو وضع أزعج السعوديين بشدة بلا شك، وربما يكون هذا أحد الأسباب وراء ردة فعلهم المبالغ فيها.
هناك سبب آخر قد يتمثل في التدقيق المستمر من قبل وسائل الإعلام الكندية في صفقة أسلحة بقيمة 15 مليار دولار تم إبرامها خلال فترة حكم رئيس الوزراء المحافظ السابق في كندا، "ستيفن هاربر".
وتتضمن تلك الصفقة بيع مركبات مدرعة خفيفة، والتي يمكن استخدامها إما ضد المواطنين السعوديين في المنطقة الشرقية المضطربة أو في الحرب المستمرة في اليمن.
وفيما اعُتبر بادرة حسن نية، قررت حكومة "جاستين ترودو" الليبرالية المضي قدما في البيع رغم المخاوف، لكن الانتقادات الإعلامية والهجمات من جماعات حقوق الإنسان لم تهدأ، بل تكثفت.
لم يقدّر وليّ العهد "محمد بن سلمان" -الحاكم الفعلي للسعودية- إلى أي مدى تم طعن الصفقة في الصحافة الكندية.
ومن وجهة نظر الرياض، فإن عملية البيع كانت إيماءة صداقة وتضامن، وهدية شرّفت بها السعودية كندا في حين كان من الممكن أن تحصل عليها من مكان آخر، وأن وسائل الإعلام الكندية كانت تتصرف بشكل غير مشرف بمهاجمتها.
وفي المملكة، لا يحتاج المسؤولون للقلق تجاه هذا النوع من المشاكل الذي تسببه الصحافة الحرة؛ حيث تقوم وسائل الإعلام المدجّنة بإمطار الثناء ووابل من الصور على كل حركة تقوم بها الحكومة، وخاصة ولي العهد "محمد بن سلمان".
هشاشة أجندة الإصلاحلكن كما هو الحال مع معظم مغامرات الشؤون الخارجية الأخرى التي قام بها "بن سلمان"، فإن هذه الأخيرة لها كل السمات المميزة لرجل شاب متهور غير صبور ومتغطرس.
الحرب في اليمن كان يُفترض أن تنتهي في غضون أسابيع، لكنها الآن في عامها الرابع، وكانت النتائج التي ترتبت على الشعب اليمني كارثية تماما.
هناك، أيضا، الحصار الاقتصادي والدبلوماسي لقطر، الذي أطلقه السعوديون والإماراتيون، والذي كان يُفترض أن ينتهي باستسلام قطر السريع وقبولها بقائمة طويلة من المطالب، لكن مر أكثر من عام، وقطر تثبت مرونتها في الدفاع عن سيادتها.
كذلك، هناك الجلوس مع كبير مستشاري الرئيس الأمريكي، "جاريد كوشنر"، لطبخ "صفقة القرن" للسلام في الشرق الأوسط، ومحاولة إجبار الفلسطينيين على ابتلاعها، وهذه كارثة أخرى تنتظر الحدوث.
ويعد التنمر على كندا -وهي دولة ذات صورة عالمية إيجابية بشكل عام-، وفي نفس الوقت التهديد بالتدخل في الشؤون الداخلية الكندية ما لم يتوقف النقد؛ أمرا غريبا للقيام به خاصة إذا كنت تحاول إعادة تقديم بلدك كبلد معتدل ومنفتح أمام الأعمال التجارية.
لكن عندما يكون الحاكم شابا متعجلا ولديه قوة كبيرة في يده، ومشغولا بحبس كل من يجرؤ على الانتقاد، فإن هذا هو المتوقع.
بالمقارنة مع غيرها من زلاته الخارجية، فإن الهجوم على كندا يعد زلة خفيفة ومدعاة للضحك، لكنها تعزز الإجماع المتنامي على أن "بن سلمان" ليس لديه الخبرة ولا المهارة اللازمة، ويكافح في الداخل لفرض تحوله المبالغ فيه للاقتصاد السعودي، في حين يتعثر على المسرح الدولي ويبدو "أحمقا" بشكل متزايد.
وكما هو متوقع، فإن الكنديين يلعبون لعبة مهذبة وصبورة، بينما يتمسكون بموقفهم بحزم؛ إذ قالت متحدثة باسم وزير الخارجية: "كندا ستدافع دائماً عن حقوق الإنسان، بما في ذلك حقوق المرأة، وحرية التعبير حول العالم، ولن تتردد حكومتنا أبدا في تعزيز هذه القيم، وتعتقد أن هذا الحوار ضروري للدبلوماسية الدولية".
ويبدو أن الكنديين أصبحوا بارعين في التعامل مع التنمر الاستبدادي الذي تمارسه السعودية.
ارسال التعليق