الخليج يمر بنقطة تحول تاريخية (مترجم)
لم يجنِ الحصار السياسي والاقتصادي الذي تقوده السعودية على قطر حتى الآن ثماره، ولم يظهر أي علامات على نجاحه في ردع الدوحة عن إرادتها، والأخطر أن الأزمة الخليجية أصبحت ذات إشارات مشؤومة على المستقبل الجغرافي السياسي في شبه الجزيرة العربية.
السعودية تعد زعيمة الثورة المضادة في المنطقة، ويظهر ذلك منذ ثورات الربيع العربي في عام 2011، حيث شهد الشرق الأوسط تغيير أربعة أنظمة (تونس ومصر وليبيا واليمن)، بالإضافة إلى الحرب الأهلية في سوريا، والأكثر إثارة للقلق أن الرياض تعمل على توسيع سلطتها، وفي نهاية المطاف السيطرة على شبه الجزيرة العربية بفكرها الوهابي المتشدد، الذي يعد أحد أسباب انتشار التطرف في بريطانيا وإندونيسيا وحتى جنوب إفريقيا، كما أن الرياض لا تدعم الإرهاب بشكل مباشر، لكنها تساهم في بناء وتمويل المدارس والمساجد التي تنشر الإيديولوجية الإرهابية، والتوسع السعودي في المنطقة سيزيد من المشكلة.
تتسم السياسة الخليجية باتباع الأعراف الاجتماعية المحافظة والحكم الاستبدادي، الذي يعد غير محبب لأنه نوع من أنواع التطرف السياسي، وتسعى السعودية بصفتها أكبر دولة خليجية إلى الهيمنة على الدول المجاورة الصغيرة مثل سلطنة عمان والإمارات والبحرين، وقطر، إلا أن الكويت تحاول بشكل كبير الابتعاد عن الهيمنة السعودية، ونجحت في الحفاظ على مسافة بعيدة عن الضغوط السعودية.
وتغيرت الظروف مؤخرا في شبه الجزيرة العربية، وانقلبت السياسة السعودية بظهور الأمير الصغير محمد بن سلمان، الذي سيصبح ملكا على البلاد قريبا، ولفت بن سلمان الانتباه بعد إعلان رؤيته للاقتصاد السعودي والابتعاد عن الاعتماد على النفط، بجانب تخفيف القواعد الدينية الصارمة.
تستحق أفكار بن سلمان الثناء، لكن من غير المرجح تحقيقها، والأهم، أنه يتبنى سياسة خارجية عدوانية تتجه نحو الحروب والعسكرة، فأعطى الإشارة الأولية لحرب اليمن في عام 2015، مدعيا توسع النفوذ الإيراني هناك، لكن الحقيقة أن المملكة منذ نشأتها تكره الطابع المستقل لليمن، الذي حافظ على بعض مظاهر البرلمانات المنتخبة، وهي مؤسسات ترفضها الرياض.
تأسس مجلس التعاون الخليجي تحت قيادة السعودية عام 1981، ووضع سياسات مشتركة بشأن القضايا الإقليمية والنفط في شبه الجزيرة العربية، وتستورد دول الخليج الأسلحة من أمريكا وبريطانيا وأحيانا فرنسا وروسيا، ويعمل التحالف السعودي في المنطقة ضد إيران، لكن الأخيرة تمتلك هوية ثقافية قوية تعطيها الثقة والجرأة والإرادة على تحدي ممالك الخليج، ولذلك ترى الرياض طهران تهديدا رئيسيا في الخليج.
وتثير الأزمة الحالية مع قطر رهانات لم يسبق لها مثيل، قد تؤثر على جغرافيا شبه الجزيرة العربية، خاصة مع وجود العراق وإيران، حيث تتمتع الكويت بعلاقات جيدة معهم، وتقع البحرين التي تبعد أميال قليلة عن الساحل السعودي تحت سيطرة الرياض، حيث تدعم الأخيرة نظام آل خليفة هناك.
وتمكنت سلطنة عمان بحكم موقعها الجغرافي وثقافتها الابتعاد عن الهيمنة السعودية وطموحاتها، لكن اليمن لم تتمكن من فعل ذلك نظرا للفقر الذي تعانيه؛ حيث لا تمتلك نفطا مثل باقي دول الخليج، وحين خالفت السياسة السعودية، شن بن سلمان الحرب عليها بحجة التدخل الإيراني هناك، لكنه حتى الآن أثبت فشله، وتتفق السعودية والإمارات على السياسات المتبعة، وتدعم السياسات الخليجية التي ترعاها السعودية.
لدى القوى البدوية الوهابية تاريخ توسعي إلى شمال شبه الجزيرة العربية وحتى جنوب العراق، وكان ذلك في عام 1801، وبعد الحرب العالمية الأولى، توسع إلى البحر الأحمر حتى الأردن، ولكن بعدها تم تقسيم المنطقة والدول كما هي عليه الآن، وعلى المرء أن يكون حذرا من الصمت الوهابي، حيث يبدو مع قدوم بن سلمان إلى الحكم، سيبدأ الحرب التي تجعله يستعيد هذه المناطق.
هناك سببان فقط قد يوقفان التوسع السعودي من ضم الدول الخليجية الصغيرة، أولا القانون الدولي، وثانيا مصالح دول كبرى في المنطقة مثل العراق وإيران وتركيا، كما أن مصر ستعارض هذه التحركات السعودية، وكل هذه الأفكار المتضاربة تتحرك بسرعة في المنطقة، وأصبحت التحركات السعودية نحو الهيمنة أكثر وضوحا وواقعية مما سبق، وتجعل من التكهنات أمرا أكثر مصداقية.
ترجمة : ريهام التهامي
ارسال التعليق