الرشوة كأسلوب متبادل بين آل سعود والغرب
كل ما يُعلن عنه في الإعلام ويكشف من رشاوى قدمها النظام السعودي لشخصيات ومسؤولين أوروبيين، هو بالتأكيد ليس إلّا النذر القليل مما يجري في الخفاء. لطالما ارتكز آل سعود في كل معاملاتهم وعقودهم ومصالحهم على عنصر القوة المسروق من الشعب، المتمثل بأموال الذهب الأسود.
وكذا الأمر يجري بطريقة معاكسة، بمعنى أن تتولى شخصيات تقديم الهدايا "للعائلة المالكة" كأسلوب لنيل امتياز او صفقة ما.
مؤخراً، برّأت محكمة في لندن، العضو المنتدب السابق لشركة تابعة لإيرباص من تهمة دفع رشى بملايين الجنيهات الإسترلينية لمسؤولين رفيعي المستوى على صلة بالحرس الوطني السعودي، للفوز بعقود كبيرة.
وكان جيفري كوك، المدير السابق لشركة "جي.بي.تي" التابعة لشركة إيرباص، يواجه اتهاما بدفع نحو 9.7 مليون جنيه إسترليني (12.2 مليون دولار) لوسطاء للفوز بعقود من الحرس الوطني السعودي بين عامي 2007 و2012 إلى جانب جون ميسون.
وركزت القضية على شركة "جي.بي.تي" التي كان عملها الوحيد، توفير أنظمة الاتصالات للحرس الوطني السعودي بموجب عقد مع وزارة الدفاع البريطانية.
ومثل كوك (67 عاما) للمحاكمة في محكمة ساوثوارك كراون، إلى جانب جون ميسون (81 عاما).
وقال توم ألين، محامي كوك أمام هيئة المحلفين، في جلسة سابقة، إن المدفوعات ذهبت لوسطاء منذ أواخر السبعينيات "بإشراف وموافقة (و) بتشجيع من حكومتنا".
ودفع كل من كوك وميسون ببراءتهما من الاتهام بدفع رشى لكبار المسؤولين السعوديين، بمن فيهم الأمير متعب بن عبد الله، نجل عبد الله بن عبد العزيز، بين عامي 2007 و2012.
وبرأتهما هيئة المحلفين بعد مداولات تجاوزت 30 ساعة في القضية التي تركزت على شركة جي.بي.تي التي لم تعد موجودة الآن، وكان عملها الوحيد هو توفير أنظمة الاتصالات للحرس الوطني السعودي بموجب عقد مع وزارة الدفاع البريطانية.
وقال ممثلو الادعاء إن كوك وميسون كانا في بؤرة “فساد عميق” واستخدما الأموال لرشوة مسؤولين سعوديين كبار ووسطاء، إذ دُفع أكثر من 9.7 مليون جنيه إسترليني (12.3 مليون دولار) بين عامي 2007 و 2010.
لكن كوك وميسون قالا إن الحكومة البريطانية وافقت على مدفوعات بملايين الجنيهات لأنها كانت في مصلحة بريطانيا المالية والاستراتيجية.
وقال توم ألين، الذي يمثل كوك، إن مسؤولين وسياسيين ودبلوماسيين بريطانيين كبارا كانوا يعرفون ووافقوا على مدفوعات إجماليها نحو 60 مليون جنيه إسترليني منذ عام 1978.
وواجه كوك أيضا اتهاما بسوء السلوك إبان تولي منصب عام بين 2006 و2007 عندما كان يعمل في وزارة الدفاع البريطانية. وأدين في هذا الاتهام وسيصدر عليه حكم في 12 أبريل نيسان.
ورفض محاموه التعليق. ولم يرد محامو ميسون بعد على طلب للتعليق.
وقال متحدث باسم الحكومة البريطانية “نتبع نهجا لا تسامح فيه بالمرة مع سوء السلوك في المناصب العامة، وبالتالي نرحب بهذه الإدانة”.
في المقابل، ووفقا لما جرت عليه العادة خلص تحقيق في تلقي شخصيات بريطانية لرشاوى من النظام السعودي، ففي العام 2017، كشفت صحيفة "ميدل إيست آي" عن تلقي عدد من النواب البريطانيين رشاوى من آل سعود. وأورد حينها، الباحث المتخصص في شؤون الشرق الأوسط "جيمي ميريل" تلقي 13 نائباً بريطانياً مبلغاً يقارب 100 ألف جنيه استرليني، من سلطة الرياض، تم صرفها على الضيافة والطيران والتبرعات.
وأضاء التقرير أن النواب ارتادوا الفنادق الفاخرة والرحلات على درجة رجال الأعمال والضيافة الباذخة في السعودية، وتشير الأرقام إلى أن أكثر من 87 ألف جنيه استرليني صُرفت على عدد من النواب المحافظين للدفاع عن سمعة النظام السعودي ودعم مواقفه. وتضمن التقرير تفاصيل كثيرة بينها قبول أحد القادة العسكريين مبلغاً ماليا كبيراً مقابل دفاعه عن الصفقات العسكرية البريطانية مع "السعودية".
وفي فرنسا، كشف تحقيق أوروبي عن علاقات خفيّة بين برلمانية فرنسية ومحمد بن سلمان ضمن استخدامه ثروات ومقدرات المملكة لتبييض جرائمه وانتهاكاته. التحقيق الذي نشره مركز الديمقراطية للشفافية (DCT) بيّن أن عضو مجلس الشيوخ الفرنسي “نتالي غوليت” تلقّت رشاوى مالية من “السعودية” لتلميع صورة محمد بن سلمان.
وذكر التحقيق مواقف “غوليت” التي روّجت لرؤية 2030 التي أطلقها محمد بن سلمان قبل سنوات لتنويع اقتصاد “السعودية”، فضلاً عن إطلاقها حملات دعائية للترويج لإصلاحات ولي العهد السعودي ومهاجمة خصومه مشيراً إلى أن “غوليت رغم سمعتها التي لا تشوبها شائبة، ودرجة الولاء المتدنية إلى حد ما ومهاراتها المحدودة، فقد ساعدت أظافرها المصممة جيدًا على تحريك الأحداث ذات الأهمية التاريخية”.
“غوليت” تنشط وفق التحقيق في إطار من جماعات الضغط للعديد من البلدان، وأحيانًا في صراع مع بعضها البعض، وأصبحت حتى بدون تعيينات حكومية ضمن عصابة حيوية وسرية في السياسة في الشرق الأوسط. وهي من أصول يهودية، تخرّجت بدراسة القانون المدني العام وأصبحت محامية في نقابة المحامين في باريس والتي اختفت جميعها من سيرتها الذاتية الرسمية بعد شطبها من نقابة المحامين في عام 2000 بعد تورّطها في إساءة أموال الآخرين.
إلى ذلك، بيّن التحقيق أن “غوليت” ورثت بعد وفاة “دانيال جولي” مقعده في الجمعية الوطنية الفرنسية، و”في عام 2011 ظهرت كمرشحة على قوائم اتحاد الجمهوريات الاشتراكية (Union Centriste)وتم انتخابها بنتيجة جيدة وهو نجاح تكرر في انتخابات سبتمبر 2017″.
ارسال التعليق