السعودية خسرت حربي أسعار نفط.. والثالثة تعني إفلاسها
نشر موقع “أويل برايس” مقالا لسايمون واتكينز قال فيه إن السعودية لن تربح حرب أسعار نفط قادمة لعدد من الأسباب.
وجاء في مقالته أن السعودية أثارت حربين لأسعار النفط خلال العقد الماضي وخسرتهما. ولأنها لم تكن قادرة على التعلم من دروس الماضي فإنها قد تلجأ لإثارة حرب ثالثة. وفي كل هذا خلقت السعودية لنفسها قيدا سياسيا واقتصاديا والذي ستكون نتيجته عملية إفلاس حقيقية.
ويرى الكاتب أن ما يدعو لهذه النتيجة هو أن هدف السعودية في كلا حربي النفط الأخيرتين كانت صناعة النفط الصخري الأمريكية. ففي الحرب الأولى التي امتدت ما بين 2014- 2016 كان الهدف هو منع تطور صناعة النفط الصخري من خلال زيادة الإنتاج وخفض أسعار النفط بطريقة تدفع هذه الشركات للإفلاس حتى لا تمثل تهديدا للهيمنة السعودية على سوق النفط العالمي في تلك الفترة.
أما في الحرب الأخيرة والتي انتهت قبل فترة كان الهدف هو نفسه وبهدف إضافي وهو منع شركات النفط الصخري الأمريكية الحصول على عقود إمداد للنفط التي لم تكن السعودية قادرة على الحصول عليها لالتزامها باتفاق أوبك زائد والذي حدد مستويات الإنتاج.
يرى واتكينز أن السعوديين في الحرب الأولى كانت لديهم فرصة تدمير صناعة النفط الصخري الأمريكية الناشئة ويرى واتكينز أن السعوديين في الحرب الأولى كانت لديهم فرصة تدمير صناعة النفط الصخري الأمريكية الناشئة. وافترض بشكل واسع أن السعر المتعارف عليه داخل الصناعة النفطية الصخرية كان 70 دولارا للبرميل، وكان هذا الرقم غير مرن. وفي الوقت نفسه كان لدى السعودية احتياطي من الأرصدة الأجنبية بـ 737 مليار دولار أمريكي. وقد منح هذا لها مساحة للمناورة للحفاظ على قيمة الريال السعودي المرتبطة بالدولار الأمريكي وتجاوز أي عجز بالميزانية كان سينشأ عن انخفاض أسعار النفط.
ففي لقاء خاص عقد في نيويورك، شهر تشرين الأول/أكتوبر 2014، بين المسؤولين السعوديين وغيرهم من المسؤولين البارزين في صناعة النفط العالمي، كان السعوديون “واثقين بدرجة عالية” من تحقيق النصر وبغضون أشهر حسبما قال مصرفي يعمل في نيويورك وتحدث إلى “أويل برايس”.
وكانت السعودية تعتقد أن الحرب هذه لن تشل صناعة النفط الصخري الأمريكية فقط بل وستفرض انضباطا في التزويد على أعضاء منظمة أوبك الآخرين. وكما ظهر لاحقا فقد أساء السعوديون وبطريقة كارثية فهم قدرة صناعة النفط الصخري الأمريكية على إعادة تشكيل نفسها كصناعة أقل إنفاقا وأصغر حجما، مرنة وأقل كلفة. فقد استطاعت الكثير من العمليات الواقعة في المناطق الرئيسية وتحديدا في كل بيرمين وباكين موازاة كلفة الإنتاج على معدل 30 دولارا للبرميل وحققت أرباحا على مستوى 37 دولارا للبرميل، وكل هذا بفضل التقدم التكنولوجي ومرونة ورشاقة العمليات.
وبعد عامين من حرب الاستنزاف انكسر السعوديون، وتحولوا من فائض في الميزانية إلى عجز كبير بالميزانية في نهاية عام 2015 وبقيمة 98 مليار دولار أمريكي. وأنفقت السعودية 250 مليار من رصيدها الأجنبي الثمين في نفس الفترة. وهو ما دعا نائب وزير المالية محمد التويجري للقول عام 2016 إن على السعودية الإصلاح لأنها لو لم تفعل فستواجه الإفلاس في غضون ثلاثة أو أربعة أعوام.
ويرى واتكينز أن الإرث الناجم عن الحرب الأولى والذي أعطى فكرة أن السعوديين لن ينتصروا في الحرب الأخيرة أو أي حرب أسعار نفط في المستقبل، هو أن صناعة النفط الصخري الأمريكية صمدت وأصبحت أكثر قوة وديمومة. وهذا يعني أن الصناعة تستطيع تحمل أسعار نفط رخيصة ولمدة طويلة وأطول مما تحتاجه السعودية لدفعها نحو الإفلاس. والسعودية لديها كلفة محددة لقطاعها النفطي مهما انخفضت أسعار سوق النفط. وقبل بداية الحرب الأخيرة كانت المملكة تستطيع موازاة ميزانيتها بسعر 84 دولارا لبرميل النفط من فئة برنت إلا أن الضرر الاقتصادي الذي تركته حماقة الحرب الأخيرة جعلها الآن تحتاج إلى سعر أعلى للبرميل.
وبمقارنة صارخة، فقطاع النفط الصخري الأمريكي الذي أسهمت السعودية بتقويته وتشكيله في الحرب الأولى بات يقظا ويستطيع العودة إلى نوع من الإنتاج بسعر 25 – 30 دولارا للبرميل من فئة ويست تكساس المتوسط وطالما لم ينخفض سعر البرميل لأقل من 20 دولارا للبرميل. وحتى لو انخفضت أسعار النفط إلى ما تحت 30-25 دولارا للبرميل فهذا لن يؤثر على بقاء ونجاة قطاع النفط الصخري، خاصة أن اللاعبين في القطاع يستطيعون إغلاق آبار النفط بسرعة وإعادتها بسرعة عندما يحتاجون وجعلها عاملة في غضون أسابيع. وبالمحصلة ففي حرب أسعار للنفط لا يستطيع السعوديون انتظار قطاع النفط الصخري الأمريكي.
حتى لو انخفضت أسعار النفط إلى ما تحت 25 – 30 دولارا للبرميل فهذا لن يؤثر على بقاء ونجاة قطاع النفط الصخري وفي مناخ ترتفع فيه أسعار النفط فهم خاسرون أيضا، وهذا لأن الولايات المتحدة أكدت قبل حرب أسعار النفط الأخيرة أنها لن تتسامح مع ارتفاع برميل نفط برنت عن 70 دولارا للبرميل.
وعندما ارتفع سعر البرميل إلى ما فوق 70 دولارا في الفترة ما بين آذار/مارس- تشرين الأول/أكتوبر العام الماضي، كتب الرئيس دونالد ترامب تغريدة قال فيها إن الملك سلمان “لم يكن ليبقى في السلطة مدة أسبوعين بدون الدعم العسكري الأمريكي”.
فمستوى سعر 70 دولار للبرميل يعتبر واحدا يجلب الانتباه إلى مستويات أسعار النفط التي قد تفرض مشاكل على الاقتصاد الأمريكي. فتغير 10 دولارات لبرميل النفط الخام ينتج عنه ما بين 25-30% تغيرا في سعر جالون البنزين. كما أن 1% من ارتفاع سعر جالون البنزين تعني خسارة مليار دولار في العام من نفقات المستهلك الأمريكي.
وقبل أن تثير السعودية حرب الأسعار الأخيرة لم يكن لدى الولايات المتحدة إلا اهتمام قليل حول ما إن كان سعر 70 دولارا للبرميل مناسبا للميزانية السعودية. وبعد الهجوم الأخير على قطاع النفط الصخري الإستراتيجي فالولايات المتحدة لم تعد مهتمة بالمطلق حول علاقة سعر البرميل بمتطلبات الميزانية السعودية. ولا اهتمام فيما إن ظلت السعودية تنزف مفلسة في السنوات القادمة. وهذا كلام نقله الكاتب عن مصادر عدة في واشنطن مقربة من إدارة الرئيس ترامب والذين تحدث إليهم موقع أويل برايس.
ويرى الكاتب أن عدم الاكتراث هذا نابع من حس “الخيانة” لحجر الأساس الذي قامت عليه العلاقة بين البلدين منذ عام 1945. وهو اتفاق نص على حصول الولايات المتحدة على الإمدادات النفطية التي تريدها من السعودية طالما توفرت فيها مقابل ضمان الولايات المتحدة سلامة وأمن العائلة الحاكمة في السعودية. وتم تعديل الاتفاق مع بدء إنتاج النفط الصخري بحيث بات يشمل سماح السعودية للقطاع بالعمل والنمو.
ويرى الكاتب أن حس عدم الاكتراث نابع من سلسلة الأخطاء التي يعتقد المسؤولون الأمريكيون أن ولي العهد محمد بن سلمان ارتكبها وجعلته هذه الأخطاء عقبة. وتشمل هذه الحرب في اليمن والعلاقة الدافئة مع روسيا فيما عرف باتفاق أوبك+ واتهام الرئيس اللبناني ميشيل عون السعودية باختطاف رئيس الوزراء في حينه سعد الحريري وإجباره على الاستقالة وقتل الصحافي جمال خاشقجي والذي قالت سي آي إيه إن الأمير أمر شخصيا بقتله.
ووصلت هذه العوامل ذروتها إلى تغريدة ترامب التي تحدث فيها عن اعتماد العائلة على الحماية الأمريكية والمكالمة التي أجراها مع محمد بن سلمان في 2 نيسان/إبريل والتي كرر فيها ترامب التهديد أنه لن يكون قادرا على منع الكونغرس من إصدار تشريع يدعو لسحب القوات الأمريكية من السعودية، إن لم تقم أوبك بخفض مستويات النفط وبالضرورة رفع أسعاره لمستويات جيدة تعطي صناعة النفط الصخري الفرصة العودة للإنتاج وتحقيق أرباح محترمة. وبعد فترة قصيرة فعل محمد بن سلمان ما طلب منه أن يفعله.
ويقول الكاتب إن التغير من الخطاب المضمن إلى الخطاب المهدد بالتحرك يعني أن معاملة أمريكا ستكون بهذه الطريقة مع السعودية بشكل يعيدها إلى المشكلة الرئيسية: فمن الناحية الاقتصادية لا تستطيع مواصلة خفض أسعار النفط بطريقة كافية للإضرار بقطاع النفط الصخري الأمريكي. ومن الناحية السياسية لا يسمح لها بزيادة أسعار النفط بدرجة كافية يحميها من الإفلاس، كما أن أي وضع بين الحالين سيكون في صالح صناعة النفط الصخري الأمريكي للنمو وتحقيق الأرباح. وبهذا المعنى فالتخفيض في مستويات الإنتاج الذي وافقت عليه أوبك+ يعتبر الأقسى من بين القرارات التي اتخذتها السعودية. ويجب على السعودية تطبيقها والالتزام بها كي تسمح لقطاع النفط الصخري الأمريكي بالنمو والتربح، إلا أن التخفيض من جهة أخرى لا يمكن استمراره طويلا بدرجة تسمح للسعودية العودة إلى عصر فائض الميزانية.
وفي هذا السياق شهد المصرف المركزي السعودي نضوبا متسارعا للاحتياطي الأجنبي بدرجة لم تمر على السعودية منذ عام 2000، حيث انخفض الاحتياط في آذار/مارس 27 مليار دولار، وهو تراجع بنسبة 5% عن الشهر الذي سبقه، وأصبح الإجمالي الاحتياطي الآن هو 464 مليار دولار، وهو الأقل منذ عام 2011. وهذا يعني أن لدى السعودية احتياطا للقتال بقيمة 164 مليار دولار عندما يتم طرح 300 مليار دولار الضرورية للحفاظ على قيمة الريال السعودي مقابل الدولار الأمريكي.
وفي الوقت نفسه تعاني المملكة من عجز بالميزانية بـ 9 مليارات دولار أمريكي بالربع الأول من العام، فيما يتوقع عدد من المحللين تراجع مجمل الناتج المحلي لهذا العام بنسبة 3% وهو أول انكماش منذ عام 2017 والأعلى منذ عام 1999، فيما سيزيد العجز بالميزانية بنسبة 15 من مجمل الناتج الاقتصادي.
ارسال التعليق