السعودية: كيف تخسر ما أعطاك الله؟
على عكس ما تطمح إليه القيادات السياسية في العالم من حكم راشد، وتنمية متوازنة، وعدالة بين المواطنين، تبدو الزعامة السعودية في سباق مع الزمن لخسارة كل ما حباها به الله، بدءاً من كونها الجغرافيا التي نشأ فيها الدين الإسلامي وموقعا للكعبة ومكة والمدينة والمسجد الحرام، يحجّ إليه ملايين المسلمين منذ أكثر من أربعة عشر قرنا، مرورا بكونها أيضا البلد الذي يحظى بأكبر احتياطيّ عالمي من النفط مما يجعلها أكبر منتج لـ« الذهب الأسود» في العالم، بما يفترض أن يعنيه ذلك من ثروة كبيرة يفترض أن ينوب كل السعوديين أثر منها، ووصولا إلى أنها بلد واسع يطلّ على أكثر من بحر ويحظى (أو كان يحظى) بنفوذ عربيّ وإسلامي وعالمي.
لا يمكن أن تفتح جهاز تلفزيون أو راديو أو تطالع جريدة في هذه الأيّام من دون أن تفاجأ بأخبار مهولة تسيء لسمعة قيادة تلك البلاد، وتأكل من مصداقيتها، ومكانة السلطة الكبيرة التي كانت الملكيّة السعودية تتمتّع بها بين مواطنيها ولدى الشعوب المجاورة وفي العالم، بدأت رحلة تضاؤل وانكماش وتراجع تتناقض تماما مع الوعود العملاقة التي قدّمها وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان لمواطنيه والعالم في ما سماه «رؤية 2030».
بدلا من الازدهار الاقتصادي الكبير الموعود بدأت الثروة العامّة للدولة والمجتمع السعوديين تتآكل، وبدل النفوذ العالمي والعربيّ الواسع الذي كان يصل من اليمن والخليج العربيّ والمشرق إلى مصر وليبيا والمغرب، قادت السعودية (أو قيدت) إلى خلاف كبير داخل مجلس التعاون الخليجي، ودخلت في حرب عبثيّة وحشيّة مدمّرة لا أفق للانتصار فيها في اليمن، لا تتنافس فيها مع الحوثيين فحسب بل مع ميليشيات «حليفتها» الإمارات، ودخلت الرياض في أشكال من الحرب الباردة والساخنة مع إيران، فتعرّضت السعودية إلى هجمات غير مسبوقة على أراضيها، وكأن كل هؤلاء الخصوم لا يكفون فقد انجرّت قيادة السعودية أيضا إلى خصومة بائسة مع تركيّا، وكي تزيد الطين بلّة فإنها لم تجد طريقة لموازنة الأمور مع من اختارتهم أعداء لها من الشعوب المجاورة غير التقرّب إلى إسرائيل والضغط على الفلسطينيين للقبول بمخططات التصفية التي تقوم إسرائيل وإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بهندستها.
إضافة إلى هذه «الاستراتيجية» السياسية الفاشلة فقد تمكّنت القيادة السعودية من مراكمة سوء السمعة السياسية داخل وخارج البلاد، ولم تكتف بالانقضاض على الإسلاميين والليبراليين والناشطين الحقوقيين بل قامت بخلق جو من الإرهاب السياسي والمالي عبر استهداف أمراء ورجال أعمال كبار، وتوقع بعض المراقبين أن القيادة السعودية، بعد فضيحة اغتيال الصحافي جمال خاشقجي المجلجلة، ستقوم بمراجعة أفعالها وتحاول الخروج من الحفرة السوداء الكبيرة التي أدخلت البلاد بها، لكنّ الذي حصل كان أمرا يتحدى العقل فالسلطات السعودية تابعت السير بالطريقة نفسها، وهو ما جعلها مركز جذب عالميّ للفضائح السياسية والمالية والأخلاقية التي لا تنتهي.
في يوم واحد، يستطيع المراقب أن يلاحظ، على سبيل المثال، أن وزارة العدل الأمريكية وسعت اتهامات في قضية تجسس الرياض على موقع تويتر لتشمل الاحتيال وغسل الأموال والتزوير والتلاعب بالأدلة، وأن المحاكم تنظر في قضايا تورط أشخاص من العائلة الحاكمة في التجسس على الآلاف من مستخدمي تويتر، وكان ضمن لائحة الاتهام مساعد لمدير مكتب ابن سلمان "بدر العساكر".
وفيما يبدأ المسلمون مناسك الحج في الأراضي المقدّسة كان الأمير خالد بن بندر بن سلطان يجري مقابلة يعترف فيها بامتلاكه «بارا للخمر» في بيته، وهو ما دفع الصحافي البريطاني الذي أجرى المقابلة لتسجيل هذه المفارقة بالقول: «هذا رجل يمثل دولة تحمل الشهادة الإسلامية على علمها وتدير أقدس المواقع الإسلامية».
الزعامة السعودية، للأسف، تقود البلاد إلى خسارة كل ما حباها الله به، وهو أمر لا يسرّ أحدا.
ارسال التعليق