السلطات السعودية تستضيف منتدى أممي للإنترنت للتغطية على قمعها
قالت منظمة “هيومن رايتس ووتش” الدولية إن السعودية تستضيف منتدى كبيرا لـ “الأمم المتحدة” بشأن حوكمة الإنترنت بينما يقبع عشرات الأشخاص في السجن بسبب تعبيرهم السلمي على الإنترنت.
وأبرزت المنظمة أن العديد من هؤلاء متهمون بموجب القانون السعودي بشأن مكافحة الإرهاب الذي ينطوي على انتهاكات، في حين تنفذ السلطات مراقبة تنتهك خصوصية أفراد المجتمع المدني في الداخل والخارج.
ستنعقد الدورة الـ 19 لـ “منتدى حوكمة الإنترنت” من 15 إلى 19 ديسمبر/كانون الأول في الرياض، تحت عنوان “بناء مستقبلنا الرقمي متعدد الأطراف”. يقدم المنتدى السنوي حوارا حول السياسات بين أصحاب المصلحة المتعددين بشأن قضايا السياسة العامة المتعلقة بالإنترنت.
قالت جوي شيا، باحثة السعودية في هيومن رايتس ووتش: “تستمر السلطات السعودية بهجومها على حرية التعبير على الإنترنت، ومع ذلك تستضيف منتدى عالميا حول الإنترنت. إذا كانت الحكومة السعودية جادة بشأن الحقوق الرقمية، يتحتم على السلطات الإفراج فورا عن عشرات النشطاء المسجونين بسبب تعبيرهم عن آرائهم على الإنترنت”.
خلال السنوات الأخيرة، حكمت السعودية على عشرات الأشخاص بالسَّجن لفترات طويلة، مستخدمةً قانون مكافحة الإرهاب على خلفية منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، أو إعادة نشر أو مجرد “الإعجاب” بمنشورات أخرى.
بحسب تقارير هيومن رايتس ووتش، ومنظمات حقوقية سعودية مثل “القسط” و”سند”، اعتقلت السلطات السعودية، منذ 2021، 40 شخصا على الأقل بسبب تعبيرهم السلمي عن آرائهم على الإنترنت.
ويُرجَّح أن يكون هذا التقدير أقل بكثير من العدد الفعلي، نظرا إلى خوف أفراد عائلات المحتجزين من الانتقام، والمخاطر الشديدة التي ينطوي عليها التواصل مع المنظمات الحقوقية.
في 2022، حكمت محكمة الاستئناف على طالبة الدكتوراه في “جامعة ليدز” سلمى الشهاب بالسَّجن 34 عاما فقط بسبب نشاطها على “إكس”. في يناير/كانون الثاني 2023، خُفّف الحكم إلى 27 عاما، يليها منع سفر لمدة 27 عاما.
وذكرت وثائق المحكمة التي راجعتها هيومن رايتس ووتش أن الشهاب أُدينت بموجب قانون مكافحة الإرهاب. اطّلعت المنظمة على حساب الشهاب على إكس، فوجدت أن معظم منشوراتها قبل اعتقالها كانت تتعلق بأسرتها وقضايا حقوق المرأة في السعودية.
في 10 يوليو/تموز 2023، أدانت “المحكمة الجزائية المتخصصة”، محكمة مكافحة الإرهاب السعودية، المدرّس المتقاعد محمد الغامدي (54 عاما) بجرائم عدة متعلقة فقط بتعبيره السلمي عن رأيه على الإنترنت.
وقد حكمت المحكمة عليه بالإعدام، معتمدة على تغريداته، وإعادة التغريد، ونشاطه على “يوتيوب” كأدلة ضده. في سبتمبر/أيلول 2024، خُفّف الحكم إلى السَّجن 30 عاما.
أكد ولي العهد محمد بن سلمان لاحقا أن حكم الإعدام بحق الغامدي جاء بالفعل على خلفية منشوراته على وسائل التواصل الاجتماعي. قال في مقابلة مع قناة “فوكس نيوز” في سبتمبر/أيلول 2023، “من المعيب أن هذا صحيح” وألقى باللوم في الحكم على “القوانين السيئة”.
إلا أن حكم إعدام الغامدي صدر بموجب “نظام مكافحة الإرهاب” الذي ينطوي على انتهاكات، الذي أعيد إصداره العام 2017، بعد وصول بن سلمان إلى السلطة.
في مايو/أيار 2024، أُدين أسعد الغامدي (47 عاما)، شقيق محمد، بموجب نظام مكافحة الإرهاب نفسه على خلفية جرائم عدة، متعلقة فقط بتعبيره السلمي عن رأيه على الإنترنت. سعيد بن ناصر الغامدي، الشقيق الثالث، أكاديمي إسلامي سعودي معروف ومنتقد للحكومة يعيش في المنفى في بريطانيا.
وغالبا ما تنتقم السلطات السعودية من أفراد عائلات المنتقدين والمعارضين في الخارج، في محاولة لإجبارهم على العودة إلى البلاد.
في 2017، اعتقلت السلطات السعودية الكاتب الاقتصادي عصام الزامل، الذي انتقد على الإنترنت مزاعم الحكومة السعودية بصدد خطة آنذاك للطرح العام الأولي لشركة “أرامكو” النفطية المملوكة للدولة.
قالت هيومن رايتس ووتش إن هذه الأحكام بسبب منشورات سلمية على وسائل التواصل الاجتماعي لها أثر محبط على حرية التعبير داخل السعودية وعلى المعارضين المقيمين في الخارج.
لطالما وثّقت هيومن رايتس ووتش قيام الحكومة السعودية بشكل فاضح باستخدام الأحكام المبهمة التي يتضمنها نظام مكافحة الإرهاب و”نظام مكافحة جرائم المعلوماتية” لإسكات المعارضين.
والتعريف الفضفاض للإرهاب يسمح باستهداف الانتقاد السلمي. يقوّض قانون مكافحة الإرهاب الحق بالإجراءات الواجبة والمحاكمة العادلة، لأنه يمنح “النيابة العامة” و”رئاسة أمن الدولة” سلطة اعتقال الأشخاص واحتجازهم، ومراقبة اتصالاتهم وبياناتهم المالية، وتفتيش ممتلكاتهم ومصادرتها بدون إشراف قضائي.
تجسست السلطات السعودية مرارا على مواطنيها عبر هجمات الاستهداف الرقمي. في أكتوبر/تشرين الأول، أصدرت محكمة بريطانية أمرا يمنح المدافع الحقوقي السعودي البارز يحيى عسيري الإذن برفع دعوى ضد الحكومة السعودية بسبب استخدام برامج التجسس ضده بين 2018 و2020.
استنتج مركز الأبحاث الأكاديمي الكندي “سيتيزن لاب”، “بثقة عالية”، أن في 2018 أُصيب الهاتف الخلوي لنشاط سعودي بارز مقيم في كندا ببرامج التجسس، ما سمح بالوصول إلى جميع الملفات الشخصية للضحية، مثل المحادثات، والرسائل الإلكترونية، والصور، بالإضافة إلى القدرة على استخدام الميكروفون والكاميرا بهدف التنصت.
في يوليو/تموز 2021، كشف “مشروع بيغاسوس” أن السعودية زبونا محتملا لبرنامج التجسس “بيغاسوس” الذي تطوره وتبيعه شركة “إن إس أو غروب”. نفت شركة إن إس أو بشكل قاطع أن تكون برامجها قد استُخدمت في التجسس على جمال خاشقجي، المعارض الذي قُتل في القنصلية السعودية في تركيا.
يمنح قانون حماية البيانات السعودي الجديد واللوائح التنفيذية السعودية سلطة مطلقة لأجهزة الحكومة للوصول إلى البيانات الشخصية. يُسمح للجهات التي تدير البيانات بالكشف عنها لأجهزة الدولة، على خلفية “أسباب أمنية” مبهمة وفضفاضة غير معرَّفة في القانون. لا يبدو أن القانون يمنح أي إشراف مستقل على هذه الصلاحيات الحكومية.
اختارت الكثير من منظمات الحقوق الرقمية وأفراد من المجتمع المدني عدم المشاركة شخصيا في منتدى الإنترنت هذا العام، بسبب مخاوف كبيرة على سلامتهم في البلد المضيف الذي يسجن الناس على أساس منشوراتها على وسائل التواصل الاجتماعي.
وأكدت المنظمة أن على الحكومة السعودية، في الحد الأدنى، أن تضمن سلامة جميع المشاركين في الاجتماع، لا سيما أفراد المجتمع المدني، بما يشمل عدم اعتقالهم. على الأمم المتحدة ضمان انعقاد الدورات القادمة لمنتدى الإنترنت في بيئات تمكّن المجتمع المدني من المشاركة فيها بدون الخوف من الانتقام.
قالت شيا: “ينبغي لمحمد بن سلمان أن يعلن عن الإفراج عن سلمى الشهاب، ومحمد الغامدي، وأسعد الغامدي وغيرهم في اليوم الأول من منتدى حوكمة الإنترنت. لكن للأسف، نظرا إلى مسار الحقوق الحالي في السعودية، يُرجَّح أن نسمع أخبارا عن أحكام شائنة بالسَّجن لعقود بسبب منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي”.
ارسال التعليق