السلطات السعودية تنزل عن الشجرة وتتخلى عن أغرب مشاريعها
بدأت السعودية النزول عن الشجرة التي اعتلتها في طموحات مدينة نيوم، درّة تاج مشاريع رؤية 2030، وتتوالى تكشّفات كواليس المشروع الضخم تباعاً حتى آخر ما كشفته وكالة بلومبيرغ عن تراجع عدد السكان الذي كان من المقدّر أن يستوعبها "ذا لاين" -جزء نيوم الأساسي- بما نسبته 75% مقارنة مع الأرقام الأولى التي رُوّج لها.
ووفقا لأشخاص مطلعين على الأمر أفادوا للوكالة أنه بعد أن "كانت الحكومة تأمل في وقت ما أن يكون هناك 1.5 مليون ساكن يعيشون في ذا لاين.. لكن الآن، يتوقع المسؤولون أن يستوعب المشروع أقل من 300 ألف ساكن بحلول ذلك الوقت".
ونتيجة ذلك هو تقلّص مساحة المشروع المُزمع، فبعد أن كان المقرر أن يغطي في النهاية مساحة صحراوية بطول 170 كيلومترًا على طول الساحل، ولكن مع الانسحاب الأخير، يتوقع المسؤولون إكمال 2.4 كيلومتر فقط من المشروع بحلول عام 2030.
وتشير بلومبيرغ وفقًا لوثيقة اطلعت عليها؛ إلى بدء مقاول واحد على الأقل في فصل جزء من العمال الذين يوظفهم في الموقع تبعاً لهذه التبدّلات.
وللرد على ما نقلته الوكالة عن مصادر لم تُسمّها، لم يستجب ممثلو نيوم وصندوق الاستثمارات العامة في السعودية، وهو الكيان الرئيسي الذي يملك المشروع ويموله، لطلب التعليق.
وقال الأشخاص المطلعون على الأمر إن خطط التقليص في ذ لاين تأتي في الوقت الذي لم يوافق فيه صندوق الثروة السيادية للبلاد بعد على ميزانية نيوم لعام 2024 ويظهر أن الحقائق المالية للاستثمارات التي تبلغ قيمتها تريليونات الدولارات بدأت تثير القلق على أعلى المستويات في الحكومة السعودية في الوقت الذي تحاول فيه تحقيق برنامج رؤية 2030 الطموح، وهي المبادرة الشاملة المكلفة بتنويع اقتصادها.
مما لا بدّ من التذكير به والتأكيد عليه أنه كان الأجدى "بالحكومة" الاستثمار بأموال شعبها في قطاعات الصحة والتعليم لتصعد السلّم درجة درجة، لكن ما هو أكيد أنّ ما لا يجلب لها الاهتمام الدولي الفوريّ؛ فلا مصلحة لابن سلمان به!
وقد كلّف هذا التهوّر "المملكة" تخبطات عديدة، في الوقت الذي لا تظهر فيه أية نوايا للإصلاح الحقيقي بل على العكس تزيد فيه من قمع معارضيها في الداخل والخارج، بات واضحا وضوح الشمس أن كل أنشطتها حتى التي تعتبر في نظر الغرب أنها "انفتاحية"، باتت محط تشكيك وإدانة. أبرزها في تلك المتعلقة في مجال الرياضة، لترافق البلاد سمة "الغسيل الرياضي" في كل محفل.
وعشرات ملايين الدولارات التي أُنفقت على أحلام "الحاكم" في حين أن شعبه يغرق في الفقر والعوز ومياه الأمطار لتردّي البنى التحتية، لم تتمكن إلى الآن من التأسيس لنجاحات ثابتة طويلة الأمد. حتى وصل بها الحال التسوّل من دولة الكويت التي تصغرها بعشرات المرات، لتمويل مشروع نيوم.
وفي حين لم تذكر الوكالة نقلا عن مصادرها، مسببات هذا التراجع، فقد سبق أن كشفت نقلا عن أشخاص مطلعين على مشروع نيوم إنه على الرغم من أن نيوم أطلقت حملات ترويجية للتسويق والمستثمرين، إلا أنها لم تحقق تقدمًا جديًا في جمع رأس المال. تأتي هذه المعلومات في الوقت الذي يريد فيه ابن سلمان من المستثمرين الأجانب نقل الخبرة والمشاركة في تمويل مشروع نيوم العملاق الذي يبلغ قيمته 500 مليار دولار لتحويل المنطقة الشمالية الغربية النائية إلى مركز عالي التقنية خالٍ من الكربون ومليء بالروبوتات.
وقال ديفيد دوكينز من شركة بريكين لبيانات الاستثمار ومقرها لندن: "إذا لم يكن لدينا دليل واضح على مزيد من التمويل بحلول نهاية العام، فمن المؤكد أنه من المفيد أن نتساءل من أين ستأتي الأموال لهذه المشاريع"، ويؤكد على أن تحليل الاتجاهات السعودية يشير إلى "إنها باهظة الثمن بجنون."
كما أن التأخير في الموافقة على لوائح مشروع نيوم ترك علامات استفهام للمستثمرين. ويقول كثيرون إن إحجامهم عن تخصيص أموال للسعودية يرجع في كثير من الأحيان إلى القوانين غير الواضحة وغير المختبرة التي تحكم العقود والاستثمار.
كما كشفت عن طلب السعودية من جارتها الأصغر الكويت تمويلا يزيد عن 16 مليار دولار لمشاريع من بينها نيوم.
وتقول إنه بالنسبة لمحمد بن سلمان، هناك طموحات مرادفة لرؤية 2030 باتت على المحك. فبينما وقعت شركات مثل شركة Air Products، ومقرها الولايات المتحدة، على مشاريع مشتركة في نيوم، لا تزال السعودية في مأزق للاكتتاب بما يقرب من كامل التكلفة - أي ما يعادل تقريبًا نصف إنتاجها الاقتصادي الحالي.
وسبق أن أقر وزير المالية محمد الجدعان بوجود نقص في التمويل وأشار إلى إصدار المزيد من الديون. ذلك خلال لجنة ترأسها محمد بن سلمان قامت بدراسة الاحتياجات التمويلية الضخمة لرؤية 2030 ووضعها في مواجهة تدفقات الإيرادات المتوقعة للبلاد.
وكانت قد كشفت “بلومبرغ انتليجنس” أن السعودية تواجه ديونا ضخمة هذا العام، حيث يضغط نقص السيولة على أجندة التحول الاقتصادي التي يتبناها محمد بن سلمان والتي تبلغ قيمتها تريليونات الدولارات.
ارسال التعليق